منذ الإعلان عن أولى حالات الإصابة بفيروس "كوفيد 19" (كورونا) في مدينة ووهان الصينية، تبين أنّ العالم مُقبلٌ على خوض معركة فوق ساحتين اثنتين: أُولى طبية، وثانية تكنولوجية. هذه الأخيرة تمثل جانب منها في كيفية تسخير الوسائل التكنولوجية لمنع العدوى بين البشر، كالآلات وتطبيقات الهواتف النقالة التي تقيس حرارة الجسم والكاشفة على المشتبهين بالإصابة، وكذا تكنولوجيات الاتصال المُساعدة على ضمان خدمات عن بعد لتشجيع وتسهيل الحجر المنزلي، مثل العمل، الدراسة، والاجتماعات بل وحتى الخطب الدينية، غير أنّ جانب التحدي التكنولوجي الأهم والأكبر، كان التحكم في التدفق الهائل للمعلومات والأخبار المُتعلقة بكل جوانب المرض، خاصّة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. إنّ ملايين البشر الذين حَجَروا على أنفسهم داخل بيوتهم لأيام وأسابيع، لم يكن أمامهم من طريقة للتواصل مع العالم الخارجي سوى هواتفهم الذكية، فهناك من استعملها إيجابيا، على غرار الأطباء والمختصين وحتى المواطنين المتطوعين، عبر التوعية والتحسيس، ومكنوا بها شُعوبا وبلدانا من تجنب أخطاء سابقيهم في التعامل مع المرض. وفئة أخرى اِستعملتها سلبيا بنشر أخبار مغلوطة لم تفعل سوى رفع منسوبِ الرّعب في المجتمع، أو حتى اللاوعي، بالسخرية من الوباء. واستطاع الكثير من الجزائريين، بفضل مواقع التواصل الاجتماعي، أن يُلمّوا بكل جوانب الوباء خلال بضع أيام، واقتنع الملايين منهم، بفائدة الحجر على أنفسهم، وإتباع أكبر قدرٍ من الاحتياطات الوقائية، رغم الكم الهائل من الأخبار الطبية والسياسية الخاطئة عن الوباء، والتي انتشرت (عن قصد أو غير قصد).
إعلامية صينية تُطارد "الكورونا" خارج الحُدود بهاتفها الذّكي
ولأنّ المرض، اِنتقل إلى عديد البلدان، فقد فضلنا بداية التواصل مع الإعلامية الصينية "ياي شين هوا"، والتي تُسَيِرُ أيضا صفحة "فايسبوك" بالعربية، تحمل اسم "سعاد ياي" (Suad Ye) ، بالعربية، كونها درست في كلية اللغة العربية بجامعة الاقتصاد والتجارة الدولية ببكين، لتعمل بعدها كمترجمة وإعلامية. وأوضحت "ياي شين هوا" في تصريحها ل"الخبر" بأنها تُعدّ منذ مدّة فيديوهات حول الصين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وخلال الفترة الأخيرة كثفت المواضيع الخاصة ب"الكورونا"، خاصّة منذ شهر جانفي الماضي، بعدما تفشى الفيروس في "ووهان" مقاطعة "هوبي" بوسط الصين، حيث قالت إن إغلاق المدينة وانتشار العديد من الأخبار والاشاعات، جعلها تُنجز فيديوهات عن حياتها اليومية ببكين، وما يتعلق بتسوّق الصّينيين في المساحات التجارية، وشرائهم لمستلزمات الحياة وكيفية عملهم في البيت، وغيرها. مؤكدة بأن نشاطها جاء أيضا لإفادة الدول الأخرى من التجربة الصينية لمكافحة الفيروس، إلى أن يعود كل العالم إلى مساره الطبيعي عاجلا. وحول باقي الوسائل التكنولوجية التي مكنت بلدها من تقليص ضحايا "الكورونا" تحدثت "ياي شين هوا"، عن تطبيق على الهاتف يُمكن من إطلاع الناس في المنزل على تطورات الوَباء وخريطة انتشاره، إضافة إلى إطلاق "وي تشات" (برنامج تواصل اجتماعي صيني) وظيفة للبحث عن الأحياء السكنية التي اكتشفت فيها حالات الإصابة بالفيروس، وقد غطت "بكين" و"شنتشن" و"قوانغتشو" وما يفوق 130 مدينة، وكذلك الطائرات المسيرة المجهزة بعدسة تصوير حراري بالأشعة تحت الحمراء القادرة على مُراقبة الضّوء المرئي وضوء الأشعة تحت الحمراء، وقياس درجة الحرارة على بعد 3 أمتار بنسبة خطأ في القياس قدره 5 بالمائة، وتنخفض نسبة الخطأ إلى 1 بالمائة في حدود متر واحد، وأضافت الإعلامية الصينية بأنه في 6 فيفري، سارت مركبة لتوصيل الطرود بدون سائق في شارع بمدينة ووهان بمقاطعة هوبي، ووصلت إلى المستشفى التاسع بالمدينة، وتمّ الحصول على الطرد من خلال النقر على الشاشة الالكترونية على المركبة. ويعتبر أول طرد يرسله روبوت توصيل الطرود الذكي. وأشارت محدثتنا إلى تبرع شركة "أوريونستار" للتكنولوجيا ببكين بروبوتات الخدمة الطبية التي توصل ورقة الاختبار الطبي والأدوية وغيرها من المهمات الأخرى ووفقا لاحتياجات المستشفى. إلى جانب مجموعة متنوعة من المعدات الطبية الذكية، ذكرت "ياي شين هوا" منها: مكيفات الهواء الطبية المُختصّة لوحدة العناية المركزة وغرفة العمليات الجراحية، ورقاقات التصوير الحراري، ومصابيح التطهير بالأشعة فوق البنفسجية وأجهزة تنقية الهواء الاحترافية، وأخرى.
أطباء ومختصون يقودون حملات تحسيسية على مواقع التواصل
حارب أطباء ومختصون الأخبار والمعلومات الخاطئة باستحداث صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، أو بتكثيف نشاطهم الافتراضي، بالموازاة مع نشاطهم في العيادات والمستشفيات، لنشر التوعية الطبية بطبيعة المرض، وخطره، وكيفية الوقاية منه. ومن بين هؤلاء الدكتور عبد الحفيظ عيادة، صاحب عيادة بعين الباردة، بولاية عنابة، والذي يُسير صفحة تحمل اِسمه، ينشر فيها الفيديوهات التوعوية التي قاربت بعض تلك المخصصة ل"الكورونا"، ال17 مليون مشاهدة في زمن قياسي. وقال عيادة ل"الخبر"، إنّ الجانب السلبي لمواقع التواصل الاجتماعي، طغى على الإيجابي، من حيث كَمِّ الشائعات والأخبار المغلوطة، من مثل معلومات خاطئة حول كيفية انتشار الفيروس، وأشكال تفاديه، وخلطات التعقيم المضادة لانتقاله، بل وحتى أدوية وعلاجات له! وأضاف عيادة بأنه، ورغم كونه طبيب، فهو يبذل مجهودا كبيرا في الاحاطة بالكم الهائل من المعلومات الطبيّة الصحيحة، ومجهودا أكبر في تحيينها، في حين ينشر آخرون على الانترنيت معلومات كيفما اِتفق، دون تفحص ولا تمحص، مفيدا بأنّ المشكل في المستخدمين الذين يتقاسمون تلك الفيديوهات المُضللة على صفحاتهم، والذين يُعدون بالملايين، مقارنة بعدد الذين ينجزونها. من جهته قام طبيب جراحة وتجميل الأسنان بالجزائر العاصمة، والناشط في مجال التوعية الصحية، الدكتور مجيب الرحمن بوقلقول، باستحداث صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" ليلة الإعلان عن اِكتشاف أوّل إصابة ب"الكورونا" في الجزائر، وقال في تصريحه ل"الخبر":"فكرت في التوعوية عبر منصات التواصل منذ سنتين، وكنت أنتظر أن يُساعدني شخص آخر في تركيب فيديوهات بنوعية جيدة، لكن طاريء اكتشاف أوّل إصابة جعلتني أنتقل إلى السرعة القصوى، وأبدأ نشاطي عبر الانترنيت"، وإلى جانب الفيديوهات التي يُصوّرها، يعمل مجيب الرحمن على ترجمة الكم الكبير من المعلومات، وما يُنشر على موقع منظمة الصحة العالمية، وأكبر القنوات العالمية، من الفرنسية والانجليزية إلى العربية، للمساهمة في تبسيط المعلومات للمواطن، وخاصّة المرأة الماكثة بالبيت". وأضاف المتحدث بأن فيديوهاته، لاقت تفاعلا كبيرا، خاصّة تلك التي حازت على 2 مليون مشاهدة، والتي يقوم فيها بالتوعية لاتخاذ التدابير الوقائية، مفيدا بأن هذا النشاط يأتي لمُحاربة الأخبار الخاطئة، والإشاعات، منتهيا بوصف ما الوضع الراهن ب"ثورة التكنولوجيا والوعي الصحي".
صرّح السيد صلاح محمد الحبيب، ابن ثاني ضحية متوفية بالكورونا، بولاية وادي سوف، الباهية خمي، وابن أخت المتوفي الأول، حمي محمد الهادي، ل"الخبر" بأن عمليات التحسيس عبر مختلف تكنولوجيات الإعلام والاتصال، بما فيها مواقع التواصل الاجتماعي، كان لها دور إيجابي في وصول رسائل التحذير من المرض، والحث على طرائق الوقاية منه، ونشر الثقافة الصحية الواجب التحلي بها خلال الظروف التي تمر بها الجزائر حاليا، من تفشي وباء "الكوفيد-19"، وهذا، يضيف، رغم بعض التخويف المبالغ فيه أحيانا. وحسب نفس المصدر، فإن تلك الحملات الالكترونية عَوّضت غياب المسؤولين، قبل وبعد ظهور الإصابات، خاصة في ولاية جنوبية بعيدة عن الإعلان عن أولى الحالات، مفيدا أنه التضامن لقيه أيضا من طرف الجزائريين عبر العديد من الرسائل عبر النت. وأردف المتحدث الذي لا يزال أفراد من عائلته مصابون، يخضعون للعناية في المستشفى، بأن بداية عمليات التحسيس عبر "النت" كانت بطيئة نوعا ما، خاصة بعد حملات السخرية والاستهزاء والتشكيك من طرف العديد، ولكن تمكنت، خلال مدة قصيرة من الوصول إلى جميع الأسر والعائلات، وتغيير عاداتها اليومية لتكون أكثر انضباطا في الوقاية. كما أوضح أن أسرته لم تتلق العزاء من طرف أي مسؤول في الولاية، خلال أسبوع كامل من وفاة خاله ووالدته، وبعد ساعات من نشر فيديو عبر موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" ينتقد فيه غياب السلطات المحلية، تلقى رسالة من الوالي .