أكد المفتش المركزي بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف وعضو لجنة الإفتاء، الشيخ محند إيدير مشنان، أن ”الهيئات الفقهية في العالم الإسلامي اضطرت إلى تعليق صلاة الجماعة والجمعة وصارت تُصلّى في البيوت”. وأضاف ”مع استمرار الوباء فإنّ صلاة التراويح هذه السنة لن تكون في المساجد بل في البيوت”، وأوضح في حوار ل”الخبر” أنّ هذا ”حكم فقهي استثنائي”. هلّ علينا هلال رمضان هذه السنة مع جائحة كورونا، فماذا تقول للصائم الكريم؟ نقول لبعضنا البعض كصائمين مؤمنين مسلمين، نهنئ بعضنا البعض بهذا الشّهر الفضيل الكريم، ونفرح بشهر رمضان لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ”للصّائم فرحتان”، والله عزّ وجلّ قال: {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}، وفي ظرف هذا الوباء الّذي تعيشه البشرية فإنّ الصّيام يمكن أن يصنع استثناءً ويمكن أن يصنع فرحة بحيث إن شاء الله تغطي جانبًا من جوانب الصعوبة والمشقّة الّتي يعيشها النّاس، فنستقبل شهر رمضان بكثير من التّفاؤل والأمل، ويقال بأنّ كلّ ألم يحمل من وراءه أملًا، وكلّ محنة تحمل من وراءها منحة. فنرجو من الله عزّ وجلّ أن تكون هذه المنحة نتلقاها في شهر رمضان الفضيل نتفاءل بالخير ونجد الخير بإذن الله تعالى. ما أبرز الأحكام الفقهية التي استجدت بعد ورود هذا الوباء؟ طبعًا هناك أحكام، تحدث قضايا بقدر ما يحدث للنّاس من مستجدات ومن ظروف معروفة في الفقه الإسلامي أنّ الأحكام تتغيّر بتغيُّر الزّمان والمكان والظروف والأحوال إلى غير ذلك، فمن ذلك مع بداية الوباء توقّفت المدارس والجامعات والكثير من المناشط، ومن الأحكام الفقهية أنّ الهيئات الفقهية في العالم الإسلامي اضطرّت إلى تعليق صلاة الجماعة والجمعة وصارت تُصلّى في البيوت، وحتّى الجمعة تُصلّى ظهرًا، فهذا حكم فقهي استثنائي. ومن ذلك أنّه في شهر رمضان الفضيل مع استمرار الوباء ووجود الفيروس والمنظمات الصحية في العالم وفي البلدان المختلفة تقول إنّ الخطر ما يزال قائمًا وما زالت العدوى منتشرة بدليل الأرقام الموجودة والّتي تتفاوت من بلد إلى آخر، ومن تمّ فإنّ صلاة التّراويح هذه السنة لن تكون في المساجد بل ستكون في البيوت. وإذا كانت أبواب المساجد قد أُغلِقت للضّرورة، فإنّ أبواب الله عزّ وجلّ لا تُغلَق أبدًا، وتبقى أبواب الله مفتوحة والنّاس تُصلّي صلاة التّراويح في البيوت، وأنّ الأصل في صلاة التّراويح أنّها كانت تُصلَّى في البيوت في عهد النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام، بعدما صلّى يومين أو ثلاثة أيّام ثمّ لم يخرُج لهم، وقال لهم: ”خشيتُ أن تُفرَض عليكم”، ثمّ بقي النّاس يُصلّونها فُرادًا في البيوت أو في المسجد فرادًا، وفي عهد أبي بكر رضي الله عنه أيضًا، وفي صدر خلافة عمر رضي الله عنه كذلك، ثمّ جمعهم على قراءة أُبَي بن كعب رضي الله عنه. واليوم توجد ضرورة، وهي أنّه يمكن أن نرجع إلى الأصل الأوّل حتّى يرتفع هذا الوباء، وإن شاء الله لعلّه يرتفع في هذا الشّهر الفضيل، وتعود المياه إلى مجاريها بإذن الله تعالى. وبالنّسبة للصّيام، فالخبرات الطبية من المؤسسات الرسمية العلمية الدقيقة ومنها وزارة الصحة العمومية في الجزائر، تؤكّد بأنّ هذا الفيروس لا يؤثّر على صيام النّاس في الحالات العادية والحمد لله، ومن ثمّ سنصوم شهر رمضان شاء الله كما قال ربُّنا عزّ وجلّ: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، ويبقى أصحاب الأعذار أحكامهم كما كانت من قبل، كلّ صاحب عُذر عذره مقبول شرعًا فله أن يفطر، ومنهم مَن يقضي إذا زال عذره، ومنهم من يستمرّ عذره كأصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن الّذين لم يعودوا يطيقون الصّوم، فهؤلاء تترتّب عليهم الفدية، وهذه أحكام فقهية مستقرّة معروفة في الفقه الإسلامي. ومن المسائل المستجدة بسبب جائحة كورونا، مسألة الزّكاة، فهل يجب إخراج زكاة الفطر الآن؟ كلمة ”يجب” يصعب قولها، قد تكون الحاجة قائمة الآن، ولكن قد تقوم للإنسان في أيّام عيد الفطر، ومن تمّ فإنّ هناك فسحة في مذاهب الفقه الإسلامي تجيز تقديم زكاة الفطر كما تجيز تقديم الزّكاة العادية، والفقه الإسلامي واسع، وقد قال علماؤنا قديمًا بأنّ اختلاف العلماء رحمة، أين هذه الرّحمة؟ حينما يحتاج إلى آراء فقهية في مثل هذه الظروف يلجأون إليها. ولجنة الفتوى في الوزارة قد أصدرت قبل أيّام قرارًا أو بيانًا بيّنت فيه أنّه يجوز للإنسان أن يقدّم زكاته العادية والتي هي زكاة المال. وفيما يتعلّق بزكاة الفطر، تبحث اللجنة الآن، وقد وجدت آراء مختلفة في الفقه الإسلامي، ومن هذه الآراء مَن يُجوِّز تقديم زكاة الفطر إلى بداية رمضان، واللجنة تبقى الآن مجتمعة تتدارس هذا الأمر لأجل اختيار الرأي الّذي يناسب الجميع، وإن شاء الله تعالى سيكون شيء في القريب العاجل جدًا فيما يتعلّق بتقديم زكاة الفطر. وكانت اللجنة الوزارية للزّكاة قد التمست من اللجنة الوزارية للفتوى أن تدرس هذه القضية، والآن هي قيد الدّراسة، وتشاور أعضاء اللجنة هو الّذي يأخذ وقتًا لا أقول طويلًا ولكن للتّشاور فقط لنخرج برأي سديد وسليم إن شاء الله تعالى، يراعي مقاصد الشّرع وأدلّته والمصلحة الشّرعيّة، وإن شاء الله تعالى سيعود بالخير على البلاد والعباد. بماذا تنصح الأسرة الجزائرية في رمضان هذه السنة؟ نحتاج إلى التّناصح، فكلّ واحد منّا يمكن أن ينصح غيره، لكن أوّل شيء نبدأ به هو التّساؤل: لماذا لا يكون هذا الشّهر ربّما أفضل شهر مرَّ علينا منذ سنوات؟ لأنّ الإنسان في هذا الظرف فيه حجر صحي، الكثير من النّاس لا يشتغلون وموجودون في بيوتهم، وهي فرصة لتعاهد القرآن الكريم وللذِّكر والاستغفار ولاجتماع العائلة. ومطلوب من الأسرة الجزائرية أن تستحضر قول النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام ”خيرُكم خيرُكم لأهله”، ربّما من أكثر الأوقاف الّتي نحتاج فيها إلى التّوجيه النّبويّ هو الآن، لأنّ الأسرة تلتقي هذه الأيّام أكثر ممّا التقت منذ سنوات عديدة، فمنذ زمن طويل جدًّا لم تلتق الأسرة كما تلتقي الآن. وأن يُظهر كلّ واحد من أفراد الأسرة لغيره أفضل ما عنده وأحسن، وأن تعيش الأسرة على أساس من السّكينة والمودّة والرّحمة، وأن نجعل من بيوتنا مكانًا للهدوء والطمأنينة والتّعاون، ونتسامح فيما بيننا، ونغضّ الطّرف عن بعض الأشياء الّتي قد تحدث، وأنّ تعمل الأسرة برامج من مطالعة وقراءة للقرآن والقليل من التسلية واستحضار الذكريات القديمة، وغيرها.