اختص الله سبحانه وتعالى بعض الأيام بمزيد من الشرف والتفضيل، ومن تلك الأيام يوم الجمعة، فقد قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ”. وخص الله هذا اليوم المبارك بخصائص لا توجد في سائر الأيام؛ منها: صلاة الجمعة التي أوجبها الله تعالى لتكون عيدا أسبوعيا للمسلمين، يلتقون فيه فيزدادون تعارفا وتآلُفا، ويتشاورون فيما بينهم، ويتعاونون على البر والتقوى، ويتراءَوْنَ، فيشاهد كل منهم حال أخيه فيشاركُه فرحتَه، ويشاطرُه شدتهُ. في صلاة الجمعة يستوي الناس جميعا، وتزول جميع الفوارق والاعتبارات الدنيوية؛ فالجميع يقفون في صفوف متراصة متساوية، يركعون ويسجدون جنبا إلى جنب، وجبهة إلى جبهة، تحتَ قيادة إمام واحد، يتجهون إلى معبود واحد، ويلتفون حول هدف واحد. صلاة الجمعة فرضٌ عينيٌ على كل مسلم ذكر بالغٍ عاقلٍ مقيمٍ غيرِ مسافرٍ؛ قال تعالى: {يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}. وهي عبادة عظيمة قد احتفى الشارع بها ورَغب في حضورها ونص عليها في كتابه. وخص الله يوم الجمعة بفضائل عظيمة وفوائد حسنة لأنه عيد المسلمين ولا خير في مسلم لا يهتم ولا يفرح بعيده الذي يميزه عن أمم الكفر. وحالتنا اليوم مع صلاة الجمعة حالة سيئة، خَف ميزانُها لدينا، وتساهلنا في شأنها، وصار التخلف عنها أمرا هينا وعاديا، وانقطعنا عن أدائها بسبب وباء كورونا جُمعًا كثيرة والمسلمون متشوقون للعودة إلى إقامتها لعل الله يرفع عنا الوباء والبلاء. يقول صلى الله عليه وسلم: “إن خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، فيه خُلق آدم، وفيه أدخِل الجنة، وفيه أخرِج منها، ولا تقوم الساعة إلا في يوم جمعة”. وإن من بركات هذا اليوم أن الله يغفر لعبده ما ارتكب ما بين الجمعتين من آثام وخطايا، إذا اجتَنب الكبائر، يقول صلى الله عليه وسلم: “الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفارة ما بينهن إذا اجتنبتَ الكبائر”. وإن الملائكة يوم الجمعة يجلسون عند أبواب المسجد، يكتبون الأول فالأول، فإذا أتَى الإمام طوَوا صحفَهم واستمعوا الذكر. وفي حديث متفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يوم الجمعة فقال: “فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم، وهو قائم يُصلي يَسأل الله شيئًا، إلا أعطاه إياه، وأشار بيده يقللها”. على المسلم أن يعتني بالجمعة ويبادر إليها، فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمَن الله على قلوبهم ثم ليكونَن من الغافلين”. فترك الجمعة يورث الغفلة عن طاعة الله ويجعل القلب مختوما بالذنوب العظيمة التي تجعل عليه حاجزًا يمنعه عن سماع الحق والاتعاظ بالعبر فيصبح القلب ضيقًا حرجًا مهمومًا مغمومًا لا يجد لذة الطاعة، محرومًا عن الخير سباقًا إلى الكفر والفتن والعياذ بالله. قال الإمام ابن عبد البَر: (والختم على القلوب مثل الطبْع عليها وهذا وعيد شديد لأن مَن طُبِع على قلبه وختم عليه لم يعرف معروفًا ولم ينكر منكرًا). وهذه العقوبة من أعظم الخذلان للعبد في الدنيا. والمواظبة على شهود الجمعة تزيد في الإيمان وتبارك في العمل الصالح وتقرب العبد من الله وتنور الوجه وتشرح الصدر وتغسل القلب من ذنوب الأسبوع وتكفر الصغائر وتجدد العهد بالله وتشعر المسلم بهُويته وانتمائه لدينه وتفرحه بعيد الأسبوع. وقد كان السلف الصالح يعتنون ويبالغون في شهود الجمعة اتباعا للشرع وحرصا على الأجر والخير وتحريا للبركة. قال الزهري رحمه الله: (بلغنا أن رجالًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد شهدوا بدرا، أصيبت أبصارهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده، فكانوا لا يتركون شهود الجمعة فلا نرى أن يترك الجمعة من وجد إليها سبيلًا). ومما يدل على أهمية حضور الجمعة أن الفقهاء قد اتفقوا على وجوب حضور صلاة الجمعة على المخاطب بها ولم يرخص أحد منهم بتركها بلا عذر. إذا عرفنا ما تقدم من فضائل الجمعة وخصائصها، وأنها غُرة في جبين الدهر، وعرفنا عقوبة المتهاوِن بها والمتخلف عنها، وعرفنا وتحققنا ما أعد اللهُ للمحافظ عليها، والملازم لها مِن الكرامات العظيمة، والفضائل الجسيمة، فالواجب على المسلمين أن يَقْدروا لهذا اليوم العظيم قَدْره، وليدخروا عند الله أجرَه، وأن يعيدوا لهذا اليوم ولهذه الصلاة مكانتها وقدرها.. وإن تعطيل الجمعة كل هذه الفترة لعله عقاب من الله تعالى لنا لما نقترفه من ذنوب وتقصير في حقه عز وجل، فلنَعُد إليه سبحانه بالتضرع والدعاء إنه سميع مجيب. [email protected]