ما ينتظر أندية رابطة كرة القدم المحترفة، مصير أسوأ من مرحلة ما قبل فيروس كورونا، وما قدّمه "الوباء" على مساوئه وانعكاساته السلبية على الجانب الصحي، نقاطا "إيجابية" تصبّ في "تعرية" منظومة كروية بُنيت على "باطل"، وقد ألصق القائمين عليها زورا وبهتانا تسمية "بطولة الإحتراف". وحين نقف عن وجه مقارنة منعدمة أصلا بين النموذج الأوروبي والجزائري عن احتراف كرة القدم، نجد المقارنة والمقاربة تضعنا على طرفي نقيض، فاحتراف اللعبة الأكثر شعبية في الضفة الأخرى مبنية في جوهرها على أسس اقتصادية أكثر منها رياضية، ترتكز أساسا على ثلاثة معايير جوهرية ضامنة للعائدات المالية جراء ممارسة وتسويق المباريات لتحقق تلك الأرباح التي تقدّم معها تفسيرا منطقيا عما يتقاضاه نجوم الكرة من أموال "خيالية"، ونقصد بها حقوق البث التلفزيوني وعائدات بيع التذاكر والاشتراكات وصفقات تحويل اللاّعبين، يضاف إليها جوانب أخرى لكسب المال، منها الجانب الإشهاري للاّعبين وبيع قمصان النجوم وزيارة متاحف الأندية وغيرها. وإذا كان الجانب الإقتصادي المتعلق، مثلا، بتسويق المنتجات التي تحمل اسم وعلامة النادي وقمصان اللاّعبين، يقابلها إجراءات قانونية ردعية من السلطة لمحاربة كل أشكال التقليد، فإن النقل التلفزيوني للأندية الأوروبية، منها الإنجليزية خاصة، تشكّل ما يقارب السبعين في المائة من الميزانية، وتكون القنوات التلفزيونية "المتنافسة" على العقود الحصرية، تقدّم أموالا طائلة، بل خيالية للحصول على هذا الإمتياز، على أن يختلف نصيب الأندية من عائدات النقل التلفزيوني، ويتم احتسابه على نتائج النادي ومدى تأثيره في نسبة المشاهدة، بينما لا يخضع سعر تذكرة حضور المباريات ل"السوسيال" وتغيب في الضفة الأخرى عقوبة إجراء المباريات دون حضور الجمهور، لما لمثل هكذا قرارات تأثيرا سلبيا على الجانب الإقتصادي للنوادي، في حين تمنح الأندية الأوروبية أولوية لعقود "طويلة المدى"، حتى يكون لها "نصيب" من صفقات البيع خلال فترات التحويلات. وما يقابل هذا الواقع الإقتصادي لاحتراف الكرة في أوروبا، نموذجا "فريدا من نوعه"، يرتكز على تغييب كلي لآليات التمويل المتعلقة بحقوق البث التلفزيوني الذي تم اختزاله بخلفية سياسية لا تمت بصلة للجانب الإقتصادي في "السيادة الوطنية"، بجعل هذا الحق من نصيب التلفزيون العمومي، مما قلّص من حظوظ البطولة الجزائرية، على عيوبها، وتدني مستوى المنافسة فيها وفضيحة ملاعبها، من إمكانية إيجاد رعاية تلفزيونية أجنبية تقدّم عرضا أفضل مما يقدّمه التلفزيون العمومي، على غرار ما هو حاصل، على الأقل، في تونس التي "سقطت" عنها تلك السيادة الوهمية، من خلال تبني منطق "العرض والطلب" لإنعاش خزائن الأندية التونسية واتحاديتها. والغريب في "الترويج" لتلك التسمية عن بطولة جزائرية محترفة، عدم التزام التلفزيون الجزائري ببنود العقد، فالأندية لم تتلق أي سنتيم منذ الموسم الماضي، ورغم ذلك احتفظ التلفزيون، بموجب عقد جديد لم يتبعه أموالا قديمة، بالجانب الحصري في البث، وبقيت الأندية تحت طائلة العقوبة في حال منع التلفزيون "المدان" من ممارسة هذا الحق، بينما تراجعت مداخيل النوادي بعد تعميم "الويكلو" بقرار سياسي جراء الوباء، وما كانت تشكّله تلك الحصة المالية الضئيلة من عائدات بيع التذاكر من فرصة لتخفيف الأعباء، لم يعُد لها اليوم وجودا، مما جعل بالأندية، وهي "تُسقِط" أي مشروع له علاقة بالتكوين، تواجه مصيرا مجهولا، وقد اقتصر مصدر الإستفادة ماليا من صفقات تحويل اللاّعبين على نادي بارادو دون سواه من الأندية. وعندما تنص الإجراءات القانونية التي تسبق انطلاق كل موسم على أن الأندية ملزمة بتسديد مستحقات التكوين وميكانيزمات التضامن للأندية المكوّنة للاّعبين، ثم لا تحرص الرابطة على تطبيقها، وحين "تحرص" الاتحادية على جعل الأندية تغرق في الفوضى و"تغلق" في وجهها كل سبُل إنعاش الإحتراف، فذلك يقودنا للقول، وخير الدين زطشي هو رئيس الاتحادية وصاحب أكاديمية نادي بارادو، بأن ثمة نية مبيّتة لإضعاف الأندية حتى لا يبقى في "الساحة الاقتصادية الكروية" سوى نادي بارادو. ولعل عدم اعتراف الاتحادية بأن تقسيم الأندية إلى صنفين، بضع أندية غنية بفضل الشركات العمومية، والسواد الأعظم منها فقيرة لا حق لها في مثل ذلك الإمتياز، هو قمة التمييز وحقيقة تهدد نزاهة البطولة، فإن ذلك لا يحمل سوى خلاصة واحدة وهي أن رئيس الاتحادية ومعه رئيس الرابطة وكل مسؤولي الهيئات الكروية، قد وضعوا تطوير اللعبة وانتشالها من الفوضى في آخر الإهتمامات، بما يضع اليوم الأندية أمام مصير مجهول..