تحولت الأنظار في حزب جبهة التحرير الوطني إلى ما يقرره الرئيس تبون بشأنه، في ظل عزمه الذهاب إلى انتخابات مسبقة، رغم حالة التفكك التي يعيشها الحزب الواحد سابقا. وفي خطواته الأولى، وقّع الرئيس تبون، على وثيقة التعديل الدستوري وقانون المالية، ثم انتقل إلى ورشة تقييم عمل الجهاز الحكومي، وسط مؤشرات عن عزمه تعديل أو تغيير وزاري في قادم الأيام، في مستهل خطوات تظهر سعيه لتطبيع الأوضاع ومراجعة خريطة التحالفات التي تشكلت خلال فترة الحراك الشعبي، ومهّد لذلك بإعادة الاعتبار لرموز السلطة والمؤسسة العسكرية، ومن غير المستبعد أن تتبع حسب توقعات محللين باتخاذ خطوات لإعادة إدماج وجوه مهمّشة من الموالاة في اللعبة بعدما عجزت الطبقة السياسية التي صعدت للواجهة تحت مسمى الجزائر الجديدة، عن سد الفراغ في مرحلة تواجه فيها السلطة والجزائر تحديات غير مسبوقة. ويتضمن المسار أيضا برفع الملاحقات عن بعض رموز المعارضة المقيمة على أرض الوطن أو الموجودة في المنفى الاختياري والإفراج عن معتقلي الرأي المقرر عددهم ب 88 معتقلا حسب آخر التقديرات. وفي الأجندة أيضا، يوجد إصلاح النظام الانتخابي، تمهيدا لإجراء انتخابات في الفترة المقبلة لم يستقر القرار حول موعدها، وهي عملية تتطلب أساسا توفير ضمانات فعلية تعيد ثقة المواطنين في العملية السياسية وللجزائر الاحترام الدولي. ورغم إشارات الانفتاح التي أطلقها تبون حتى الآن على أجنحة السلطة وعزمه على إصلاح انتخابي في إطار مسار إصلاح سياسي، لا يعني ذلك التخلي عن القوى الداعمة له، خصوصا جبهة التحرير الوطني. ويأمل كوادر في صفوف الحزب، أن ينظر تبون في أوضاع الأفالان قبل الذهاب إلى انتخابات تشريعية، لأنه من المخاطرة بمكان الذهاب إلى انتخابات دون قوة سياسية حزبية في يده، يوظفها في تمرير سياسته، ولو كانت في شكل أقلية في البرلمان المقبل، إذا سلمنا أن خطط الإصلاح السياسي قد تفضي إلى فوز قوى المعارضة بالأغلبية. وتسود قناعة لكثير من كوادر الأفالان، أن تبون الذي يحوز على عضوية اللجنة المركزية، سيطلق ورشة لترتيب أوضاع بيته السياسي، عبر تكليف أمين عام جديد بالمهمة أو الأخذ بالمقترح الداعي لتشكيل قيادة جماعية تشرف على الدعوة لمؤتمر عادي، ووضع حد لحالة عدم الشرعية القانونية التي يعيشها الحزب منذ ماي الماضي، فيما يطرح تيار في الحزب الاكتفاء بسحب ورقة اختيار قائمة المرشحين للانتخابات التشريعية والمحلية من القيادة الحالية. وتولت في الانتخابات السابقة التشريعية والمحلية منها، لجان فوق حزبية، مشكّلة من كوادر في الحزب ومن الحكومة والإدارة المحلية (في العادة ولاة) اختيار القوائم، والنتيجة كانت صعود وجوه لا علاقة لها بالحزب. ويشكل الصراع على عضوية البرلمان، أحد الأسباب الرئيسية للنزاع المحتدم في الحزب في الأشهر الأخيرة، خصوصا في المكتب السياسي والذي زاد حدة منذ الإعلان عن خطة استدعاء انتخابات مسبقة. ويشتغل الأمين العام للأفالان على ضمان موقع له ولمؤيديه في المجلس المقبل، من خلال عملية تحويل إقامته الإدارية من المسيلة إلى العاصمة وتنصيب أنصاره على رأس محافظات لضمان حصوله على حق النظر في القوائم، تحت شعار مسمى التجديد والتشبيب، فيما يعمل خصومه على جمع التوقيعات لأجل استدعاء دورة طارئة للجنة المركزية تتوج بانتخاب أمين عام جديد أو تكليف قيادة جماعية، مستخدمين نفس الآلية التي استخدمها الأمين العام الحالي أبو الفضل بعجي للإطاحة بالقيادة السابقة وهي ورقة التوقيعات. وفقد بعجي في الفترة الأخيرة، دعم أعضاء في المكتب السياسي يقاطعون اجتماعات المكتب، بمبرر عدم الوفاء بالاتفاق الذي يقضي بالذهاب إلى مؤتمر في الخريف الماضي، وفي الخلفية اكتشافهم أنه أصبح ينسّق مع الرئاسة دون المرور عبرهم ويخطط للاستحواذ على ملف الانتخابات. وتشير مصادر من اللجنة المركزية إلى أن مسار جمع التوقيعات لاستدعاء دورة استثنائية، حقق تقدما كبيرا بالموازاة مع تكثيف اللقاءات على مستويات متعددة لأجل الضغط على السلطات لتغيير التوازنات القائمة في الحزب وإبعاد القيادة الحالية التي تذكّرهم بمرحلة يريد الجميع تناسيها في أسرع وقت، بالموازاة مع قيادة حملات إعلامية ووقفات في الشارع للفت الأنظار إليهم.