محلات لا تغلق أبوابها 24 ساعة على 24، مطاعم وحانات وملاهي ليلية تعج بالشباب من الجنسين، فنادق مكتظة أسرتها عن آخرها، زحمة مرورية خانقة وأصوات محركات الدرجات النارية تصدح هنا وهناك وموسيقى صاخبة تنبعث من المركبات السياحية القادمة من 58 ولاية.. وفي زخم تلك الأجواء المكهربة تتفشى الجريمة بشتى أنواعها فيما يحاول أفراد الأمن بسط النظام ومطاردة "الخارجين عن القانون". كانت الساعة تشير إلى الخامسة مساء حينما ترجل أفراد الدرك الوطني من الشاحنات والمركبات وانتشروا في الأزقة الضيقة المؤدية إلى شاطئ كورالاس، غرب مدينة عين الترك. كان الشاطئ يعج بالمصطافين أغلبهم شباب في عمر الزهور يدخنون الشيشة وينفثون دخانها لتملأ سماء الشاطئ ويلعبون الدومينو تحت أنغام الموسيقى، حتى نزل عليهم أفراد الدرك الوطني في مداهمة مفاجئة رفقة الكلاب البوليسية وتحمل أيديهم العصي والصاعق الكهربائي فتغيرت ملامح وجوه أولائك الشباب وتوقفت الموسيقى عن الصداح. انتشر أفراد الدرك في الشاطئ يمينا وشمالا، وفق خطة تم ضبطها مسبقا لمنع إفلات المجرمين من قبضتهم، ولم تمر سوى لحظات حتى بدأت العملية تؤتي ثمارها، حيث تم العثور بحوزة المصطافين على أسلحة بيضاء ومخدرات وأقراص مهلوسة من مختلف الأنواع. بعد مرور ساعة من التفتيش، تمكن أفراد الدرك الوطني من إعادة النظام إلى الشاطئ وتوقيف أكثر من 10 أشخاص مشتبه فيهم عثر بحوزتهم على أشياء محظورة ليتم تكبيلهم واعتقالهم في انتظار تقديمهم أمام الجهات القضائية المختصة. في تلك اللحظات كانت فرقة أخرى تقوم بعملية تفتيش فيلا أحد مروجي المخدرات والأقراص المهلوسة المعروف في حي كورالاس، وما إن وصل أفراد الدرك أمام مدخل المنزل حتى تعالى نباح كلاب الحراسة التي يستعملها صاحب المنزل لتأمين نفسه. لم يكن صاحب المنزل متواجدا في بيته، إلا أن تسريح وكيل الجمهورية سمح لأفراد الدرك باقتحام البيت وتفتيشه رفقة الكلاب المدربة، لكن العملية لم تسفر عن حجز أي شيء محظور، ولعل السبب يرجع إلى تسرب خبر المداهمة قبل وصول أفراد الدرك الوطني. هذه التسريبات صارت تعرقل من مهام أفراد الدرك الوطني وتساعد المجرمين على الإفلات من قبضتهم في الكثير من المناسبات، ما دفع بالجهات القضائية إلى تسخير وكيل جمهورية للتنقل رفقة أفراد الدرك الوطني لإمضاء الإذن بالتفتيش في مكان العملية، قبل تسرب الخبر. وفي ظرف يوم واحد، حجز أفراد الدرك الوطني الناشطون بولاية وهران أكثر من ألف قرص مهلوس و102 غرام مخدرات من نوع القنب الهندي، إضافة إلى 5.3 غرام كوكايين وأسلحة بيضاء ومشروبات كحولية تباع بشكل غير قانوني، وفق ما كشفت عنه رئيس خلية الاتصال والعلاقات العامة بالمجموعة الإقليمية للدرك الوطني بوهران، النقيب لوصيف إيمان.
الحرب على الدراجات النارية
واستقبلت ولاية وهران، منذ بداية ألعاب البحر الأبيض المتوسط نهاية شهر جوان، أكثر من 7 ملايين زائر قدموا من داخل وخارج الوطن، وهو ما جعل طرقاتها تختنق بالمركبات السياحية والدراجات النارية، هذه الأخيرة صارت الوسيلة المفضلة لتسهيل ارتكاب مختلف الجرائم كالسرقة ونقل وترويج المخدرات والأقراص المهلوسة، كما صارت تتسبب في الكثير من حوادث المرور. يقول قائد السرية الإقليمية للدرك الوطني لأمن الطرقات بوهران، المقدم عيدات كمال، أن أفراد السرية كلفوا بمهمة ردع سائقي الدرجات النارية الذين تسببوا في عدد كبير من حوادث الأمور، وذلك تنفيذا للقرار الولائي رقم 17-05 ، حيث تم حجز العشرات من الدرجات النارية التي خالف أصحابها قوانين المرور ووضعها في المحشر.
عصابات سرقة السيارات
تفشت ظاهرة سرقة السيارات في وهران، بشكل لافت، حتى صار لا يمر يوم من دون الإبلاغ عن سرقة سيارة هنا وهناك، ووقفت "الخبر" أثناء مرافقتها لأفراد الدرك الوطني على حادثة سرقة مركبة سياحية من أمام ملهى ليلي بكورالاس تعود ملكيتها لسيدة في العقد الخامس من العمر. ولحسن الحظ أن الضحية أبلغت أفراد الدرك عن تعرضها للسرقة، ليتم إبلاغ الدوريات المتنقلة التي كانت قريبة من مكان الحادث، فتم العثور على السيارة قبل خروجها من المنطقة.
هكذا يتم فحص مياه البحر
في حدود الساعة الخامسة مساء، أعطى قائد الكتيبة الإقليمية لبوزجار تعليمات لأفراده من أجل تنفيذ مختلف المهام كل حسب اختصاصه، ورافقت "الخبر" فرقة حماية البيئة الذين نزلوا لشاطئ بوزجار 1 من أجل أخذ عينات من مياه البحر لفحصها والتأكد من سلامتها. تزامنت زيارة فرقة حماية البيئة مع إحدى الأيام الحارة من شهر أوت، أين كان الشاطئ الرملي الصغير المحاط بالصخور يمينا وشمالا يعج بالمصطافين، وما إن وضع أفراد الدرك الوطني أقدامهم على رمال الشاطئ حتى التفت بعض العائلات بهم وراحت سيدة في العقد الخامس من العمر تشتكي وتعرب عن قلقها من تسرب المياه القدرة واختلاطها مع ماء البحر، وانتشار الكلاب الضالة التي استقرت في الشاطئ. لم تدم سوى لحظات حتى أخرج أحد أفراد فرقة حماية البيئة أنبوبا بلاستيكيا، وحمل عينة من المياه على أن يتم إرسالها إلى المعهد الوطني للأدلة ومكافحة الإجرام ببوشاوي بالعاصمة، للتأكد من عدم مساسها بصحة المواطنين. وأوضح المقدم عبد القادر بزيو، رئيس مصلحة الاتصال بقيادة الدرك الوطني، أن العينة يتم إرسالها برفقة أحد أفراد الدرك الوطني على متن أول طائرة عسكرية متجهة نحو العاصمة، وهي العملية التي قد تستغرق 48 ساعة، وفي حال ما كانت النتائج إيجابية يتم غلق الشاطئ ومنع المواطنين من السباحة، وهو ما حدث بشاطئ خلوفي بزرالدة في العاصمة منذ أيام، حيث تم منع المواطنين من السباحة إلى غاية التأكد من أن مياه الشاطئ سليمة. ما إن انتهى أفراد الدرك الوطني من أخذ عينة مياه البحر حتى توجهوا مباشرة نحو المحلات التجارية، ليكتشفوا أن صاحب محل يبيع المأكولات الخفيفة قد ارتكب عدة خروقات قانونية من شأنها الضرر بصحة المواطنين. لم يهضم صاحب المحل تلك المداهمة الفجائية تحت عدسات الكاميرات، فراح يدافع عن نفسه ويتحجج بانقطاع المياه تارة وبأنه رب أسرة يعاني من البطالة رغم حيازته على شهادة جامعية تارة أخرى. انعدمت في المحل أدنى شروط النظافة، بدءا من آلة طحن اللحم إلى الأواني المتسخة وتعريض قارورة الغاز لخطر الاشتعال لقربها من ألسنة اللهب، ورغم ذلك ظل يقاوم ويتماطل في تقديم السجل التجاري الذي طلبه منه أفراد الدرك لتحرير المخالفة، لكن في الأخير استسلم لأمره وقدم سجله التجاري، حيث تم تحرير المخالفة وتقديمها أمام وكيل الجمهورية المختص إقليميا لمواصلة الإجراءات القانونية اللازمة. وبقدر ما تمتاز سواحل عين تيموشنت بالهدوء والسكينة بقدر ما تغتنم العصابات المنظمة قربها من السواحل الإسبانية لتنظيم رحلات سرية نحو جنوب إسبانيا، فيما يحاول أفراد الدرك الوطني مطاردة الورشات السرية لصناعة القوارب واستغلال المعلومات للإطاحة بأفراد هذه العصابات. وتشير بعض الإحصائيات إلى توقيف أكثر من 30 شبكة تهريب البشر في الناحية العسكرية الثانية مع توقيف أزيد من 100 شخص. أما تهريب المخدرات من الجارة الغربية فهو التحدي الذي يجتهد أفراد الدرك الوطني رفقة مفارز الجيش للحد من الظاهرة، ومنع العصابات من إغراق الجزائر بالمخدرات المغربية.
عين تيموشنت من هنا يركب "الحراقة" قوارب الموت
بين وهران وعين تيموشنت خط رفيع يتقاسماه شاطئي عين الكرمة شرقا وبوزجار شمالا، لكن بين نمطي عيش سكان الولايتين فرق كبير، فالأولى هادئة شواطئها وشوارعها كهدوء حقولها ومزارعها، حتى كادت الجريمة لا ترتكب فيها سوى باستثناء بعض الجرائم المتعلقة بالهجرة غير الشرعية وتهريب المخدرات من الجارة الغربية. لا تكف الطبيعة عن إبراز جمالها على طول 80 كيلومترا بسواحل عين تيموشنت، من شاطئ ماداغ شرقا حتى المرسى بن مهيدي مرورا برشقون ومدريد وشاطئ ساسيل وتارقة وجزيرة بوزجار الساحرة. ومما زاد من نكهة المنطقة خفة روح أهلها وطيبتهم التي جعلت من الولاية منطقة سياحية بامتياز، لكن لعين تيموشنت وجه آخر لا يعرفه سوى سكان الولاية رقم 46 والمصالح الأمنية الناشطة في المنطقة، فبحكم موقعها الجغرافي تحاول العصابات الإجرامية استغلالها سواء لتهريب البشر على متن زوارق الموت أو تمرير المخدرات. الزائر لسواحل عين تيموشنت صيفا سينبهر من جمال الطبيعة الممزوج بين خضرة السهول المنحدرة نحو الساحل وزرقة الشواطئ النظيفة المختبئة تحت الصخور وخلف التلال، أما هندستها المعمارية فهي لا تقل بساطة عن بساطة أهلها الطيبين، وهو ما سهل من مهمة أفراد الدرك الوطني الناشطين في الولاية في بسط النظام ومحاربة جميع أشكال الجريمة ونشر السكينة للسكان وزوارها، وفق ما كشف عنه قائد المجموعة الإقليمية لدرك عين تيموشنت، العقيد ربيع بوحو. بدأت جولتنا برفقة أفراد الدرك الوطني من مركز العمليات، الذي يصفه رئيس مصلحة الاتصال بقيادة الدرك الوطني، المقدم عبد القادر بزيو، ب"القلب النابض" للمجموعة الإقليمية بعين تيموشنت، أين لا يكاد الهاتف يتوقف عن استقبال مكالمات المواطنين وشكاويهم ويعمل على تنظيم التدخلات من خلال الاتصال بمختلف الوحدات المنتشرة في الولاية للتدخل بسرعة، في حال ما تم تسجيل أي طارئ أو اعتداء أو حادث مروري أو نشوب أي خلاف من شأنه أن يخل بالنظام العام، كما يضم المركز كذلك خلية متابعة الحرائق يعمل بالتنسيق مع مديرية محافظة الغابات والمديرية الولائية للحماية المدنية.