يرى محللون أن تأكيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على مواصلة المضي قدما لتعزيز علاقة فرنسا مع الجزائر واتهامه أطرافا لم يسمها بالسعي لإجهاض أي مصالحة بين البلدين يعكس وجود توجه صريح نحو التهدئة وإكمال مسار التقارب بين البلدين. وقال المحلل السياسي محمد بوشيبة إن تناول الرئيس الفرنسي العلاقات مع الجزائر، خلال خطابه مع الدبلوماسيين الفرنسيين، يبين مدى أهمية العلاقات مع الجزائر بالنسبة لفرنسا، ويؤكد ما قالته الجزائر إن هنالك أطرافا داخل النظام الفرنسي لا تريد أي تقارب بين الجزائروفرنسا، وهو ما عبر عنه الرئيس الفرنسي حقيقة، حسبه، عندما قال في خطابه: "رأينا من خلال قضية بوراوي أن هناك من هو منزعج من التقارب الجزائري الفرنسي". واعتبر المحلل السياسي أن "خطاب ماكرون يؤكد أن فرنسا تريد من علاقاتها الجزائرية الفرنسية أن تكون قائمة على الاحترام والندية والمصلحة المشتركة، وهذا ما قاله ماكرون عندما أشار إلى رغبته في تجسيد تعاون متعدد المجالات والزيارات المتبادلة بين البلدين أكدت هذا التوجه". وكان مسار العلاقات بين البلدين يتجه نحو منحى تصاعدي في غاية الإيجابية منذ تفاهمات أوت الماضي التي تمت خلال زيارة الرئيس الفرنسي إلى الجزائر، تلتها زيارة غير مسبوقة لرئيسة الحكومة الفرنسية رفقة 16 وزيرا وزيارات متبادلة بين الأمناء العامين لوزارة خارجية البلدين، كان آخرها زيارة الأمينة العامة للخارجية الفرنسية، آن ماري ديسكوت، نهاية الشهر الماضي، وكذا الزيارة الأكثر أهمية لرئيس أركان الجيش، الفريق أول السعيد شنڤريحة، إلى باريس، هي الأولى منذ 17 عاما، لكن تدخل فرنسا لإجلاء رعية جزائرية من تونس أعاد العلاقات بين البلدين إلى مربع الصفر. وفي وقت سابق أشار مقال نشرته وكالة الأنباء الجزائرية إلى سعي مسؤولين أمنيين في فرنسا إلى إحداث القطيعة في العلاقات الجزائرية الفرنسية، حيث جاء فيه أن ''الجميع يعلم أنه يوجد على مستوى المديرية العامة للأمن الخارجي الفرنسي خطة تقضي بتقويض العلاقات الجزائرية-الفرنسية''.
عودة تدريجية للعلاقات وبعد خطاب ماكرون المهادن يتوقع المحلل السياسي محمد بوشيبة "عودة تدريجية للعلاقات الجزائرية الفرنسية مقابل ضعف الأطراف المنزعجة من هذا التقارب، خاصة بعد خطاب الرئيس الفرنسي عالي المستوى، الذي يؤكد أن هناك رغبة حقيقية في التقارب مع الجزائر التي لها دور إقليمي كبير في القارة الإفريقية، في وقت تعاني باريس من تواجدها في القارة، خاصة أن عدة دول إفريقية أصبحت ترفض التواجد الفرنسي".
فرنسا الخاسر من توتر العلاقات ويؤكد محمد بوشيبة أن عدم الوصول إلى تجسيد علاقة قوية بين الجزائروفرنسا سيكون خسارة للمصالح الفرنسية في القارة، وختم أن "هناك براغماتية من قبل باريس تجاه علاقاتها مع إفريقيا والجزائر التي تريد أن ترعى مصالحها وترسل رسالة لفرنسا بأن احترام السيادة الخارجية خط أحمر وهذه السيادة مرتبطة بتجسيد التعاون بين البلدين". من جانبه قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، فؤاد منصوري، إن المتتبع لمسار العلاقات الجزائرية الفرنسية بعد الاستقلال إلى اليوم يلاحظ تميزه بما يمكن أن نطلق عليه ظاهريا "العلاقات المزاجية" التي تتحدد في حزمة التوترات الغالبة على طبيعة هذه العلاقات، بالنظر إلى تداخل عوامل معقدة ولاسيما التاريخية. ومما زاد المسألة حدة، حسب المتحدث، هو تحكم نخب قدامية ومتطرفة، رغم ما تبديه من حداثة واستنارة وأيضا نخب منتفعة منسلخة وفاقدة للهوية وموظفة لها، في إدارة الصراع وتغذيته في شواهد زمنية مقصودة للانتقال إلى وضعيات تفاوضية أكثر مفاضلة. وأكد د. منصوري، في تصريح ل''الخبر''، أن الجزائر لديها أوراق رابحة في هذا الصراع لتحويل العلاقة من المزاجي العاطفي إلى العقلاني المصلحي، أبرزها كونها بوابة إفريقيا الرئيسية بموقع جيواستراتيجي مميز جدا وقوة ديمغرافية نشطة وشبابية بالمائة، إضافة إلى كونها دولة ضاربة في التاريخ من الحقبة النوميدية، إلى جانب إمكانات هائلة للإقلاع الاقتصادي في الفلاحة والصناعة والسياحة. ولفت المحلل إلى أن وجود 7 ملايين جزائري بفرنسا يعد قوة ضاغطة في إطار اللوبينغ، فعشر سكان فرنسا بعد سنوات معدودة من أصول جزائرية. يشار إلى أن الأزمة الأخيرة بين الجزائروفرنسا تزامنت مع اتصالات وزيارات متبادلة لتحضير زيارة الدولة التي من المقرر أن يجريها رئيس الجمهورية. ويرتقب أن تشكل الزيارة، إن جرت، فرصة لإصلاح ما لحق بعلاقات فرنسا مع الجزائر من أضرار بسبب الأزمة الأخيرة، لكن الكرة الآن في مرمى الجانب الفرنسي الذي عليه أن يحدد، حسب محللين، موقفه بوضوح تجاه مستقبل علاقات بلده مع الجزائر، واضعا في الحسبان أنه يتعامل مع بلد كامل السيادة والاستقلالية في قراراته السياسية والاقتصادية. وفي ظل استمرار الغموض حول مستقبل الزيارة التي تجاهل رئيس الجمهورية الحديث عنها في آخر لقاء مع ممثلي الإعلام الوطني، تبقى تطورات الموقف الفرنسي المستقبلية تجاه الأزمة هي من ستحدد مصير الزيارة ومستقبل العلاقات بين البلدين.