قررت حركة حماس وحكومة الاحتلال تمديد الهدنة من 4 أيام إلى 6 أيام تنتهي صباح الخميس، بنفس الصيغة مبادلة كل أسير إسرائيلي أو أجنبي مدني مقابل ثلاثة أسرى من الفلسطينيين الأطفال والنساء، في اتفاق برعاية مصر وقطر ودعم الإدارة الأمريكية وترحيب عالمي، حيث اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن تمديد الهدنة يشكل "بارقة أمل". وقال مصدر سياسي مطلع على مجريات المفاوضات إن الهدنة كشفت أن حركة حماس وقوتها العسكرية حاضرة، خاصة في مدينة غزة التي زارها رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو سرا، واستطاعت تقديم صورة جيدة للعالم وسمحت بكسر الحصار وإدخال المساعدات، فضلا عن ترتيب حضورها العسكري على الأرض وفحص الوضع العسكري الميداني لاستئناف الدفاع عن غزة. وأضاف المصدر ل"الخبر" أن تل أبيب حققت مكسبا يتمثل في الاستجابة للضغوط الدولية لإحداث انفراجة في الوضع الإنساني، لكنها فشلت في تحقيق الإفراج عن الأسرى بالقوة العسكرية، كما أن مسار استهداف النواة الصلبة لحركة حماس مخيب بالنظر للأهداف المعلنة بعد مرور شهر ونصف من الحرب الطاحنة، لكنه استدرك أن قوات الاحتلال على أرض غزة تستغل الهدنة لتحديث بنك الأهداف ودراسة المسار العسكري خلال المرحلة الأولى واستخلاص العبر، في ضوء المعلومات التي يحصل عليها جهاز الأمن من خلال التحقيقات مع المعتقلين من قطاع غزة أو الأسرى المشاركين في الهجوم يوم السابع من أكتوبر.
الهدنة.. مشاهد إنسانية
وفي إطار صفقة التبادل أفرجت قوات الاحتلال عن أصغر أسيرة فلسطينية في سجون الاحتلال، هي نفوذ حماد التي اعتقلت في شهر ديسمبر 2021 من مدرستها، وكانت حينئذ بعمر ال14 عاما، بتهمة محاولة طعن مستوطنة، وقبل أسبوعين أصدر بحقها حكم بالسجن الفعلي مدة 12 عاما، لتعود أمس إلى حضن عائلتها.
وبدأ يوم الجمعة العمل بهدنة إنسانية مدتها 4 أيام، بعد 49 يوما من الحرب على قطاع غزة، تم خلالها تبادل 50 أسيرا إسرائيليا مقابل 150 أسيرا فلسطينيا (نساء وأطفال)، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية والوقود إلى قطاع غزة. وأفرجت "حماس" في اليوم الأول عن 13 أسيرا إسرائيليا و10 مواطنين من تايلندا وفلبينيا واحدا، وأفرجت إسرائيل بدورها عن 39 أسيرا من النساء والأطفال، وفي اليوم الثاني قالت مصلحة السجون الإسرائيلية إنه تم إطلاق سراح 39 فلسطينيا من النساء والأطفال مقابل إفراج "حماس" عن 13 أسيرا إسرائيليا و4 محتجزين تايلنديين. وفي اليوم الثالث أفرجت الحركة عن 13 أسيرا، إضافة إلى 4 محتجزين آخرين من خارج الاتفاق، فيما أطلقت إسرائيل 39 أسيرا فلسطينيا من النساء والأطفال من سجونها، وفي اليوم الرابع أفرجت الحركة عن 11 أسيرا مقابل 33 أسيرا فلسطينيا.
صفقة الجنود بثمن مختلف
من جانبه كشف القيادي في حركة "حماس" خليل الحية عن عزم حركته الدخول في صفقة جديدة تتجاوز النساء والأطفال.. "يمكن الدخول في هدنة جديدة تتعلق بالفئات الأخرى بعد إنجاز تبادل النساء والأطفال" .من جانبه قال القيادي بحماس عزت الرشق إن الحركة مستعدة للتفاوض على الجنود المحتجزين لكن الملف لم يفتح بعد: "الجنود المحتجزون لهم وضع آخر ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعرف هذا". كما اتهم القيادي الحمساوي خليل الحية سلطات الاحتلال الإسرائيلي بعدم تنفيذ الاتفاق كما نصت بنوده في البند المتعلق بالمساعدات، قائلا: "هناك تقصير وتلكؤ في إيصال المساعدات إلى شمال غزة خلال الأيام الماضية ونأمل أن يتغير ذلك".
العودة إلى العدوان
قال وزير الحرب الإسرائيلي، يوآف غالانت، إنه بعد انتهاء فترة الهدنة في قطاع غزة سيستأنف الجيش الإسرائيلي القتال بكثافة أكبر وسيعمل في جميع أنحاء القطاع، متابعا: "الآن أمامكم بضعة أيام (استراحة)، لكننا سنعود إلى المعركة ونتصرف بنفس القوة بل وأكثر حزما.. سنقاتل في جميع أنحاء القطاع". وأشار غالانت إلى أن الجيش الإسرائيلي يستخدم وقف إطلاق النار المؤقت للراحة وتعلم الدروس وإعادة تجميع صفوفه، مشيرا إلى أن عناصر حركة حماس يفعلون الشيء نفسه وقال: "ستواجهون شيئا أكثر استعدادا، لذلك ستواجهون (حماس) أولا بقنابل سلاح الجو الإسرائيلي ثم بقذائف الدبابات والمدفعية وشفرات الجرافات دي-9، ثم أخيرا بنيران المشاة أيضا". عالميا وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش التمديد بأنه "بصيص من الأمل والإنسانية"، لكنه اعتبر أن "يومين إضافيين ليس وقتا كافيا لتلبية احتياجات المساعدات في غزة". وقال غوتيريش في حديث للصحفيين: "آمل بشدة أن يمكننا ذلك (تمديد الهدنة) من زيادة المساعدات الإنسانية لسكان غزة الذين يعانون بشدة، مع العلم أنه حتى مع هذا القدر الإضافي من الوقت سيكون من المستحيل الوفاء بكل احتياجات سكان القطاع وهم في أمس الحاجة إليها".
إشادة أسرى الاحتلال بالقسام
أفادت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية بأن رئيس حركة "حماس" في غزة، يحيى السنوار، التقى بالأسرى الإسرائيليين الذين كانوا في القطاع. ونقلت الصحيفة الإسرائيلية عن مختطفة عادت مؤخرا من الأسر إلى عائلتها قولها إنها التقت السنوار في الأيام الأولى من الحرب وإنه أخبر الأسرى في النفق: "مرحبا، أنا يحيى السنوار. أنتم في مكان آمن لن يصيبكم مكروه"، فيما كتبت إحدى الأسيرات الإسرائيليات التي كانت أسيرة لدى "كتائب القسام" رسالة وداع إلى عناصر المقاومة الذين رافقوها طوال فترة الاحتجاز، أعربت فيها عن شكرها لهم وأثنت فيها على حسن معاملتهم. وقالت الأسيرة دانييل ألوني: "ليت لهذا العالم يقدّر لنا أن نكون أصدقاء طيبين حقا، أتمنى لكم جميعا الصحة والعافية، الصحة والحب لكم ولأبناء عائلاتكم.. شكرا كثيرا. دنيال وإميليا".
حساب الربح والخسارة
ويعتبر أستاذ العلوم السياسية، د. أحمد عوض، أن "إسرائيل وحماس في صفقة التبادل الجارية حاليا وضعا نفسيهما في المنطقة الرمادية"، بالقول: "بمعنى أنه لا يوجد رابح أو خاسر حتى اللحظة في جولة القتال الحالية بينهما"، مشيرا إلى أن الطرفين يريان نفسيهما رابحين، فحماس تروّج لانتصارها على إسرائيل بكسر جميع الأهداف التي وضعت قبل الحرب، كما أن "إسرائيل بدورها تروّج لتحقيقها مكاسب كبيرة على حساب حماس، أبرزها عدم الامتثال للشروط والمتطلبات التي وضعتها الحركة مع بداية الحرب لتنفيذ صفقة تبادل، علاوة على تحكّمها بالمساعدات التي تدخل غزة وشمالها". بدوره يرى السفير الفلسطيني السابق لدى مصر، بركات الفرا، أن سكان قطاع غزة "الكاسب الأول من اتفاق الهدنة" بعد هذا القصف الوحشي وغير المسبوق، في حين تميل المكاسب السياسية لصالح حماس التي نجحت في الاحتفاظ بالأسرى كل هذا الوقت وإجبار حكومة الحرب في تل أبيب على قبول الهدنة. لذلك فإن الهدنة تشير إلى كسر تعنت تل أبيب تجاه إقرار الهدنة ونجاح المقاومة في فرض شروطها من خلال الاتفاق فيما يتعلق بالإفراج عن الأسرى، رغم ذلك الهدنة تعد حاجة إسرائيلية للتخفيف من الضغوط التي تتعرض لها حكومة الاحتلال ومجلس الحرب الإسرائيلي وغياب أي إنجاز فعلي خلال هذه المعركة. المسار الميداني للمواجهة البرية جعل الهدنة تحصل على زخم كبير باعتبارها محطة فاصلة في سياق الحرب، خاصة في ضوء تراجع إسرائيلي بالنظر إلى الأهداف المعلنة في بداية العدوان، والتساؤل المدوي الذي يتقاطع مع رغبة الجميع:هل تفضي الهدنة إلى وقف دائم لإطلاق النار أم هي استراحة للمقاتلين؟ سواء أكانت الهدنة استراحة محارب أو مقدمة لاتفاق وقف إطلاق النار يعد التوصل إليها برعاية قطرية مصرية ودعم أمريكي بعد قتال استمر 47 يوما اختراقا للجدار الحديدي للمواقف الإسرائيلية التي أعلنت أنها ستدمر حماس وستحرر الأسرى بالقوة وستقتل كل قادة حماس.