كانت لحظات قاسية ومؤثرة على الجمهور الذي تابع أفلام "المسافة صفر.. من غزة إلى وهران"، أول أمس، صور منجزة من طرف لاجئين موتى مع وقف التنفيذ، في تحدٍّ صارخ لآلة الموت الصهيونية التي فشلت في قتل الحياة والإنسانية في نفوس أطفال ونساء ورجال دوّت صرختهم بقاعة "السعادة" في مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي. افتتحت ريما محمود الحلقة الأولى من 11 فيلما قصيرا، أول أمس، قبل عرض بقية الأعمال من إجمالي 22 فيلما مبرمجا، أمس الثلاثاء، بعمل بعنوان "سيلفي" تبعث رسالة لشخص مجهول، كتبت في السطر الأول "أتمنى أن تصلك رسالتي قبل أن أموت"، تروي فيها معايشة الموت يوميا ومعاناة اللاجئين في مخيّم رفح مع أبسط جزئيات الحياة، قبل أن تضع رسالة في قارورة وترميها في بحر غزة، بمشاهد واقعية تذكّرنا بأعمال المصوّر محمد كواصي للاجئين الجزائريين في الحدود التونسية والمغربية أثناء ثورة التحرير. انقطعت أنفاس الجمهور، وساد صمت جنائزي عند عرض فيلم "بشرة ناعمة" الذي يتحدث عن ورشة رسم للأطفال، وإنجاز أشغال يدوية حول هواجسهم، وإنجاز رسوم متحركة لأطفال في الخيم، يروون كيف تكتب الأمهات أسماءهم على أيديهم وأرجلهم لتسهيل العثور عليهم، في حالة تعرّضهم للقصف وتحوّلهم إلى أشلاء مبعثرة، حيث قالت طفلة: "لا أريد أن أموت وأتحوّل إلى أشلاء"، وأضافت طفلة أخرى: "قمت في الليل ومسحت الأسماء التي كتبتها أمي على ذراعي وذراع أخي الصغير، لكي نستطيع أن ننام وتفادي الكوابيس". العمل جسد، بطريقة تراجيدية، عنوان الأفلام "غزة مسافة صفر". ينطلق فيلم "لا إشارة" بمشهد طفلة تتصل والدها بالهاتف لتحديد مكانه تحت أنقاض البيت العائلي بطلب من عمها، وهو يسعى لإخراجه من تحت كومة كبيرة من بقايا المنزل في محاولة يائسة، يرن الهاتف ثم تنقطع الإشارة ويدوّي صوت الطائرات وهي تقصف، ويضطر لمغادرة المكان خوفا على نفسه والطفلة الصغيرة على أمل العودة في اليوم الموالي، وهو على يقين بأن الأمر قد قضي. من جهته، حاول أحمد حسونة، من خلال فيلم "سوري أو عذرا سينما"، إيصال صوت السينمائيين وقصته لإنجاز فيلم قبل الأحداث، ثم كيف تحوّلت الوقائع من الخيال إلى واقع يومي وهو يحمل كاميرته لتوثيق مشاهد الموت والقصف ومشاهد الجري وراء الطرود الغذائية التي ترميها "طائرات مدنية" للاجئين، واضطرار البعض جمع ما وقع على الأرض من دقيق مختلط بالرمال والتراب، وكذا انهزام السينما أمام الموت بمشهد حرقه لبعض ديكوراته الخشبية لطبخ لقمة العيش ليسد رمقه. وركز إسلام الزريعي في فيلم "فلاش باك"، على يوميات فتاة قبل وبعد تدمير منزلها بغزة، وتعوّدها على وضع سماعات كبيرة على أذنيها لسماع الموسيقى وتفادي "صوت" الطائرات المسيرة والقصف، وممارستها نشاطاتها العادية كالرسم والرقص، في صورة ترمز لقوة الحياة والأمل على الموت. وفي فيلم "صدى"، يكتفي مصطفى كلاب بتصوير رجل جالس بالقرب من شاطئ البحر بعد غروب الشمس، وهو يستمع لآخر تسجيل هاتفي لعائلته قبل موتها تحت الأنقاض، بعد قصف جوي للحي الذي يقطنون فيه. فيما ركز نضال دامو في عمله "كل شيء على ما يرام"، على يوميات فنان في رحلة بحث عن دلو ماء للاستحمام، من أجل تقديم عرض فكاهي في أحد مراكز العرض، لكنه وصل متأخرا لأن قاعة العرض تعرّضت للقصف وتحوّلت إلى ركام، واضطر لتقديم عرضه للأطفال وسط الخيم المنصوبة. ثم تلتها أفلام أخرى بعناوين "سحر" لبشار البلبيسي، و"المعلم" لتامر نجم، وفيلم "يوم دراسي" لأحمد الدلف، و"أوفر لود" لعلاء إسلام أيوب. واعتبر رشيد مشهراوي، في نهاية العرض، بأن عرض هذه الأفلام في مهرجان وهران له طعم خاص، بالنظر لمواقف الجزائر الداعمة للقضية الفلسطينية، وإعلان قيام دولة فلسطين في 1988 بالجزائر، وكل المواقف المشرّفة في مجلس الأمن والأمم المتحدة، من أجل وقف إطلاق النار، وتجريم الكيان الصهيوني. للتذكير، فإن مشروع "من المسافة صفر" هو عبارة عن مجموعة من 22 فيلما قصيرا لمدة ساعة و55 دقيقة، تم تصويرها في غزة، بمبادرة من المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، من إنتاج صندوق مشهراوي لدعم الأفلام وصناع السينما في غزة وشركة كورجينز للإنتاج وموسيقى نصير شمة.