❊ أولوية نابعة من تقدير الدولة لمسؤوليتها اتّجاه رصيدها التاريخي ❊ خارطة طريق لاستكمال بناء الجزائر الجديدة تخلّد الجزائر سبعينية اندلاع ثورتها المظفرة، وهي حريصة على حفظ ذاكرتها وتأكيد ثباتها على مبادئ بيان أوّل نوفمبر 1954، التي تعدّ الدستور النواة لبناء الجزائر المستقلة، وتحصين الشخصية الوطنية، من خلال العمل على ترسيخ ثوابت وقيم هوية الشعب الجزائري، والسعي المتواصل لتحقيق أَفضل المستويات في معدلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، عبر تسخيرِ الإمكانيات، وتجنيد الطَّاقات ومحاربة التقاعس، والتحرّر من العراقيل والذهنيات البيروقراطية، لإرساء أسس الجزائر الجديدة الحرة المستقلة، كما وعد بها الرئيس تبون غداة انتخابه لعهدة رئاسية أولى في 12 ديسمبر 2019، وكما يتطلّع إليها الشعب الجزائري. وضعت السلطات العليا للبلاد، ملف الذاكرة في صميم اهتماماتها، حتى لا يتآكل بالتقادم أو التناسي بفعل مرور السنوات، حيث شدّد رئيس الجمهورية أكثر من مرة، على عدم التراخي ولا التنازل عنه، لتتحقّق معالجته معالجة موضوعية، جريئة ومنصفة للحقيقة التاريخية، والتوجّه نحو المستقبل في أجواء الثقة، معتبرا أنّ المصداقية والجدية يعدان مطلبين رئيسيين لاستكمال الإجراءات والمساعي المتعلّقة بهذا الملف الدقيق والحساس، الذي يعدّ فخر الشعب الجزائري بنضاله وكفاحه المسلح المرير، والوفاء للشهداء ورسالة نوفمبر الخالدة، والمجاهدين الأخيار.ويعدّ بيان أوّل نوفمبر 1954، امتدادا لجهود المقاومات الشعبية في كلّ ولايات الوطن، بالموازاة مع النضال السياسي في الحركة الوطنية التي استمرت ما يقارب نصف قرن من الزمن، من أجل تحقيق هدف نبيل وحق مشروع وهو الحرية التي تؤخذ ولا تعطى. تمسّك بمبدأ الحق والإنصاف من هذا المنطلق، جدّدت الجزائر تمسّكها بمبدأ الحق والإنصاف، فيما يتعلّق بملف الذاكرة، حيث أكّد السيد الرئيس في رسالته الأخيرة بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني للهجرة، أنّ المشاهد المأساوية بمحطات ميترو الأنفاق، وجسور نهر السين بباريس، التي يحتفظ بها الأرشيف الموثّق لحقد الاستعمار ودمويته وعنصريته، بتلك اللحظات المجنونة، الخارجة عن أدنى حسّ حضاري وإنساني، تؤكّد عمق الرابطة الوطنية المقدّسة بين أبناء وطننا العزيز. واعتبر الرئيس أنّ الذكرى تستعيد فيها الأجيال اعتناق الجالية الجزائريةبفرنسا المدّ الثوري التحرّري في جزائر عقدت العزم على الخلاص من هيمنة الاستعمار ومن أوهام المستوطنين، مشيرا إلى وجود أوساط تحاول تزييف الملف أو إحالته على رفوف النسيان. ولفت الرئيس في هذا الخصوص، إلى أنّ مسألة الذاكرة تحتاج إلى نفس جديد من النزاهة للتخلّص من عقدة الماضي الاستعماري والتوجّه نحو مستقبل لا إصغاء فيه للحقد والكراهية، وهي القرارات السيادية التي حرص على الالتزام بها منذ توليه سدة الحكم في 2019، حيث أكّد في عدّة مناسبات، حرصه الشديد على الحفاظ على الذاكرة والدفاع عن التاريخ، باعتباره أولوية نابعة من تقدير الدولة لمسؤوليتها اتّجاه رصيدها التاريخي، ومبادئ نوفمبر 1954، التي تعدّ مقوّمات الهوية الوطنية التي حاول المستدمر الفرنسي طمسها.وواصل الرئيس استنباط الرؤى وتجسيد البرامج، عرفانا بتضحيات الشهداء وكفاح المجاهدين، الذين حرص على منحهم رعاية خاصة، من خلال مواصلة توثيق شهاداتهم بغية صونها من الاندثار، وحماية الذاكرة الوطنية وصونها، كونها بوصلة توفّر للأجيال المتعاقبة، خارطة طريق يتسنى لنا من خلالها استكمال بناء الجزائر الجديدة، وتحقيق ازدهارها الاقتصادي وإشعاعها الثقافي، انطلاقا من مدرسة التاريخ وبطولات الشهداء. توضيح الحقائق وتجنّب اللبس والنسيان وتجسّدت أولى ثمار هذه السياسة، باسترجاع جماجم رموز المقاومة الشعبية للاستعمار الفرنسي، بعد احتجازها لمدة قرن ونصف قرن بمتحف التاريخ الطبيعي بباريس، وهو حدث تاريخي لايزال راسخا في ذاكرة الجزائريين، ولم يتوقّف الأمر عند ذلك الحدّ، بل تم إقرار يوم 8 ماي من كلّ سنة، يوما للذاكرة الوطنية، بالإضافة إلى إنشاء قناة تلفزيونية للذاكرة. ولعلّ من أبرز المكاسب التي تحقّقت للذاكرة الوطنية، استحداث آلية أنشئت في إطار مشاورات سياسية على أعلى مستوى، تتمثّل في ميلاد لجنة مشتركة، تتكوّن من مؤرّخين جزائريين وفرنسيين، أسندت إليهم مهمة التعاطي مع ملف التاريخ، بما يتيحه لها التخصّص في مجال البحث التاريخي، إلى جانب التمرّس في التمحيص والدقة في التحري لتوضيح الحقائق، وتجنّب اللبس والنسيان، وحتى محاولات التحريف، حيث قال الرئيس في هذا الخصوص، إنّ اللجنة الجزائرية الفرنسية المشتركة، مهمتها إجلاء الحقيقة حول الحقبة الاستعمارية الفرنسية للبلاد بتمحيص دقيق. في هذا الشأن، دعت اللجنة الجزائرية نظيرتها الفرنسية، خلال اللقاء الخامس للجنة المشتركة الجزائرية-الفرنسية للتاريخ والذاكرة، الذي انعقد في ماي الماضي، إلى رفع انشغالاتها حول استرجاع الممتلكات الثقافية والأرشيفية، وغيرها في القائمة المرفقة إلى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، والتي وافقت عليها اللجنة الفرنسية بالإجماع والتزمت بتقديمها إلى الرئيس الفرنسي، من أجل عودة هذه الممتلكات إلى بلدها الأصلي في أقرب وقت ممكن. وتتضمن الانشغالات، مواصلة إنجاز كرونولوجيا الاتفاق حول القرن التاسع عشر وتشمل المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، وتثمين التعاون العلمي والتقني في ميادين الترميم والرقمنة، وتبادل التجارب والمكتبات والبيبليوغرافيا، والتبادل العلمي والثقافي وتخليد أماكن الذاكرة في الجزائروفرنسا، ورقمنة سجلات الحالة المدنية ومقابر الفرنسيين في الجزائر ومقابر الجزائريين خلال القرن التاسع عشر بفرنسا، بالإضافة إلى تثمين إنشاء بوابة إلكترونية وتنظيم ملتقيات علمية مشتركة، فيما اقترحت اللجنة الفرنسية مشروع برنامج لقاء علمي حول الأرشيف خلال 2024-2025. كما رحّبت اللجنة، بالخطوط العريضة لآفاق الشراكة المقترح من طرف مسؤولي الأرشيف الفرنسي والمكتبة الوطنية الفرنسية، أثناء زيارتهم لمؤسسات الأرشيف الوطني الجزائري والمكتبة الوطنية الجزائرية، معبّرة عن أملها في تحقيق الإجراءات الملموسة التي تعكس الإرادة الحقيقية لمعالجة كل أبعاد المرحلة الاستعمارية من أجل التطلع إلى المستقبل. التاريخ والذاكرة متوازيان مع جهود التغيير والتنمية أسّس رئيس الجمهورية منذ توليه سدة الحكم، لقناعة ستتوارثها مختلف الأجيال، تتمثل في إدراج ملف الذاكرة في رواق الشفافية والنزاهة والموضوعية، قاطعا الطريق أمام كلّ ما يمكن أن يمسّ بقدسية الثورة المجيدة، مع بناء جزائر جديدة، وفي نظر الكثير من المحلّلين، فإنّ انتصار ثورة نوفمبر المجيدة، كان مزدوجا، لأنّه حقّق أهداف الكفاح المتمثّلة في التحرير والاستقلال واستعادة الوطن من الاستعمار الغاشم، الذي كان يتغنى بثلاثية "الحرية، المساواة، الأخوة"، كما لقنه درسا في مجال الرقي بالقيم الإنسانية السمحاء.وتؤكّد كلّ المنجزات الكبرى التي حقّقتها الجزائر الجديدة، أنّ التاريخ والذاكرة متوازيان مع جهود التغيير والتنمية، حيث لم يتردّد الرئيس تبون في العناية بالملف شخصيا، والدعوة في مختلف المناسبات إلى الحفاظ على التاريخ، ومنحه بعدا خاصا سواء تعلّق الأمر بتخليد أبطال الثورة التحريرية، عرفانا بما قدموه، أو بجعل التاريخ الوطني مادة يومية في الواقع المعيش. ولعلّ من بين القرارات الحاسمة والفاصلة التي أقرها الرئيس، اعتماد الرقمنة في كلّ القطاعات، بما فيها وزارة المجاهدين وذوي الحقوق، عن طريق ربط كافة المؤسّسات التابعة لها بالألياف البصرية، لتبليغ القيم السامية للمجاهدين والشهداء وإيصال رسالتهم الصادقة. واستجابة لمقتضيات العصرنة، تم إطلاق العديد من المنصات الالكترونية المختصة في التاريخ الوطني على غرار منصة "جزائر المجد"، التي تعتبر واجهة الجزائر تاريخيا وحضاريا ويمكن للمتصفحين من داخل الوطن وخارجه، التعرف على تاريخ الجزائر، الى جانب تطبيقات أخرى تهتم بالأحداث التاريخية للفترة الممتدة من 1830 الى غاية 1962، بهدف تسهيل الولوج الى المعلومة التاريخية بوسائل تكنولوجية حديثة.ويعمل قطاع المجاهدين على حفظ وصون الذاكرة الوطنية، وجعلها في مقدمة أولوياته، تطبيقا لبرنامج رئيس الجمهورية، لترسيخ القيم والمثل العليا لثورة نوفمبر الخالدة، مع السهر على تلقين هذه القيم للناشئة، حفاظا على المكتسبات والإنجازات المحققة ومواصلة لمسيرة الجزائر المستقلة.وتتمسّك الجزائر الجديدة، بالوحدة الوطنية، التي أكّدت عليها مبادئ ثورة نوفمبر المجيدة، من خلال العمل على تكاثف الجهود من أجل الدفاع عنها، وبناء دولة ترقى إلى تطلّعات المجاهدين الأخيار، وتضحيات الشهداء الأبرار. الأستاذ عمار بلخوجة ل"المساء": ترسيخ الثقافة التاريخية لدى الناشئة يحظى بعناية رئاسية ❊ ثورة نوفمبر المجيدة أنهت أسطورة "فرنسا التي لا تهزم" ❊ ضرورة الاعتماد على التأصيل المفاهيمي للتاريخ والذاكرة أكّد الباحث في التاريخ عمار بلخوجة، أنّ الجزائر الجديدة لا تزال ثابتة على مبادى أوّل نوفمبر 1954، دون التفريط في ملف الذاكرة، مشيرا إلى أنّ القوّة الوطنية للمجاهدين الأخيار آنذاك، كانت تؤذن بسقوط المحتل الغاشم، الذي حاول بشتى الطرق طمس الهوية الجزائرية، ولم يتمكن من تحقيق ذلك لأنّ الجزائر تمسّكت بحقها في تقرير المصير، وخرج أبناؤها في الفاتح نوفمبر، ليضعوا حدا لعقود من الجرائم النكراء، ويسترجعوا السيادة الوطنية في 5 جويلية 1962.يقول الأستاذ بلخوجة ل"المساء" إنّ الجزائر بعد مرور 70 سنة من انطلاق أولى رصاصات اندلاع الثورة في جبال الأوراس، لا تزال تصون عهد الشهداء الذين ضحوا بالنفس والنفيس من أجل إعلاء كلمة الجزائر حرة ديمقراطية، بعد 132 سنة من الاستعمار الذي أذاق الشعب الجزائري ويلات التعذيب والتنكيل البشع، وقتل آلاف الأبرياء. وأضاف أنّ مسألة الذاكرة الوطنية تمثّل أحد أساسيات انشغالات الجزائر الجديدة، وفقا لما أكّد عليه رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون في خطاباته، مشيرا إلى أن اعتماد تاريخ 8 ماي "يوما للذاكرة" يعتبر تكريما للشهداء والمجاهدين، ويرى الأستاذ بلخوجة، أنّ الثورة، كانت ضربة موجعة لفرنسا والعالم بأجمعه بسقوط الاحتلال الغاشم، ووضع نهاية له، وتحويله إلى مقبرة التاريخ في 1962 بدون رجعة.وأكّد المتحدّث أنّ الاحتفال بهذا اليوم التاريخي من شأنه أن يكسب الشباب الجزائري، الخبرة في التعامل مع مختلف القضايا المعاصرة، والرهانات والتحديات الحالية، في ظلّ حاجته إلى الدفاع عن الهوية الوطنية، التي سعت فرنسا إلى طمسها، بشتى الطرق، مشيرا الى أنّ ترسيخ الثقافة التاريخية لدى الناشئة يحظى بعناية رئاسية، حتى ينصهر الشباب في المفاهيم والقيم النبيلة التي حملتها مبادئ أوّل نوفمبر، ويصبح المدافع الرئيسي عن الهوية والذاكرة الجزائرية. وأضاف أنّ ثورة نوفمبر ألغت نهائيا فكرة إنكار الجزائر كدولة، وأسست لرؤية جديدة، حرص الشهداء على تحقيقها وهي الاستقلال، الذي دقّ آخر مسمار في نعش فرنسا، ليتوارث الأجيال الروح النوفمبرية، مشدّدا على ضرورة الاعتماد على ما أسماه بالتأصيل المفاهيمي للتاريخ والذاكرة، باعتبارهما ركيزة الجزائر الجديدة، التي جعلت من مبادئ الثورة التزامات تجسدت على أرض الواقع.وقال بلخوجة إنّ الثورة المجيدة لم تكن وليدة العدم، بل نتجت عن جملة من العوامل والضغوطات التي عانى منها الشعب الجزائري، الذي انتفض ليسقط أسطورة فرنسا التي لا تهزم، والتي لم يبق أمامها سوى الاستنجاد بالسفاح ديغول، الذي أصبح المنقذ الوحيد لما بقي من كرامة لفرنسا في حربها ضدّ الجزائر. وتطرق المتحدث أيضا، إلى أهمية الكتابة التاريخية، لترسيخ قيم المواطنة والانتماء في نفوس الأجيال الجديدة، بالإضافة إلى دور التاريخ الشفوي في إرساء قواعد المدرسة التاريخية الوطنية، مبرزا أنه بعد مرور سبعة عقود، على اندلاع ثورة استرجاع السيادة الوطنية، لا تزال عملية تدوين التاريخ الوطني حلقة هامة من حلقات البحث التاريخي في الفترة الحديثة والمعاصرة، لما لها من أهمية في الحفاظ على الموروث التاريخي الوطني وعلى الذاكرة الوطنية.