أجمع جميع المتدخلين في اليوم الدراسي الذي عقد بفندق رونيسانس بهضبة لالة ستي بأعالي مدينة تلمسان، على أن ظاهرة المخدرات أضحت تشكل تهديدا حقيقيا بالجزائر بالرغم من أنها لا تعد بلدا منتجا لها. نظم هذا اليوم الدراسي من قبل مجلس قضاء تلمسان بالتنسيق مع ولاية تلمسان، والديوان الوطني لمكافحة المخدرات وإدمانها وفق أهم تعديلات القانون 23/05 بين الأحكام النظرية والإشكالات التطبيقية، وحضره الرئيس الأول للمحكمة العليا، النائب العام لها، وممثل وزير العدل، وكذا مصالح الأمن من الدرك الوطني والأمن الوطني ومصالح الجمارك. أكد المشاركون في هذا اليوم الدراسي أن مشكل المخدرات والإدمان عليها في العصر الحالي هو أحد أكبر الآفات التي تهدد المجتمعات، لمخاطرها وآثارها التدميرية، خاصة على فئة الشباب وما تمثله من تهديد على الأمن والاقتصاد القومي، بفعل المضار الهائلة والمحدقة بأفراد المجتمع كافة. في هذا الإطار وللحد من استفحال هذه الآفة وآثارها السلبية تفاعل المشرع الجزائري بسن الآليات القانونية الضرورية المواكبة للتطورات الراهنة، بإصدار القانون رقم 23/05 المؤرخ في 7 ماي 2023 المعدل والمتمم للقانون 04/18 المؤرخ في 25 ديسمبر 2004 المتعلق بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية وقمع الاستعمال والاتجار غير المشروعين بها. التعديل مس عدة مواد تعزز التدابير الوقائية العلاجية من خلال أحكام تتعلق باستراتيجية جديدة للوقاية من هذه الجرائم، وتعزيز دور الديوان الوطني لمكافحة المخدرات وإدمانها، مع إعطاء أولوية للعلاج كبديل للعقاب في إطار أحكام هذا القانون. وفي كلمته، أوضح مدير الديوان الوطني لمكافحة المخدرات وإدمانها محمد مازوني قائلا: "إن تنظيم هذا اليوم الدراسي بتلمسان يأتي في إطار الأيام التحسيسية التي ينظمها الديوان، بعد مشاركتنا في ولاية الوادي شهر ماي الماضي، ثم بالجزائر العاصمة في شهر جوان من هذه السنة، ووقع اختيارنا على ولاية تلمسان باعتبارها من الولايات التي مستها هذه الآفة، حيث تحتل المرتبة الثالثة وطنيا من حيث الكمية المحجوزة خلال الفصل الأول من السنة الجارية، والمرتبة الثانية خاصة بمحجوزات الكوكايين والمرتبة العشرين في عدد القضايا المعروضة على المحاكم". وأضاف المتحدث يقول "إن الجزائر على غرار العديد من البلدان ورغم أنها لا تنتمي لمجموعة الدول المنتجة للمخدرات، إلا أنها ليست في منأى عن المخاطر والتهديدات العديدة لهذه الآفة، فهي توجد بين منطقتين حساستين هي منطقة إنتاج المخدرات ومنطقة استهلاكها، ما أدى إلى تزايد الكميات المحجوزة من هذا النوع، وقد عرفت انخفاضا خلال سنة 2021، وبعدها بسنة تصاعد منحناها بشكل كبير، ورغم المجهودات المبذولة من طرف المصالح المختصة، خاصة مصالح الأمن في محاربة هذه السموم، التي تفتك بالعقول وبنسيج مجتمعنا، مازال تهديدها مستمرا، لذا وجب حماية شبابنا والمؤسسات التعليمية التكوينية". ويرى رئيس مصلحة الطب الشرعي بالمركز الاستشفائي الجامعي مصطفى باشا بالجزائر العاصمة أن مهنته كطبيب شرعي تجعله يكتشف الأخطار الكبيرة لتعاطي المخدرات وتأثيراتها السلبية على الجهاز العصبي حيث قال "المخدرات والأقراص المهلوسة لها علاقة وطيدة بالمخ، وأن السعادة التي يريد تكوينها متعاطي المخدرات لا يمكن أن يقبلها عقله بهذه الكيفية، نحن نعلم أن المدمن قد يتشاجر، يعتدي وحتى يمكنه أن ينتحر. إلى جانب ظاهرة أخرى خطيرة لم تكن من قبل تتمثل في الإصابة بمضاعفات قلبية خطيرة على شباب لا يتجاوزون 22 سنة من العمر، خاصة الذين يستعملون الحقن، إلى جانب الإصابة بالجلطات الدماغية، كما يمكن أن يؤدي الإدمان على المخدرات إلى اضطرابات عقلية القلق، الاكتئاب، واضطرابات جسدية منها تدهور حالة الصحة البدنية، مشاكل سلوكية منها العنف، الإجرام والعزلة وانهيار الروابط الاجتماعية والصعبات المدرسية والمهنية والتفكك الأسري". واستطرد يقول "لقد اكتشفنا منذ ثلاثة أشهر ظاهرة غريبة وجديدة أضحت تشغل بالنا تفشت في المجتمع، تتمثل في تعاطي الحامل لهذه الآفة فيصاب الجنين في بطنها، عندما تضع حملها يموت بنصيب من المخدرات، إذا كان قد تأثر بما تتناوله أمه من مخدرات بعد أن نقوم بالتحاليل"، وبحسبه فإن الإدمان على المخدرات له تأثير كبير على الصحة العمومية من حيث الوفيات، ووفقا لمنظمة الصحة العالمية فإن تعاطي المخدرات مسؤول عن 200 ألف حالة وفاة سنويا في جميع أنحاء العالم، وغالبا ما ترتبط الوفيات بالجرعات الزائدة وحوادث الطرق وبقية الأمراض الخطيرة، وقال أيضا "لقد أثبتت جميع التحاليل التي أجريناها على الحراقة أنهم كانوا يتعاطون المخدرات". وحسب الدكتور بوعمرة فإنه وحسب إحصائيات المنظمة العالمية للصحة فإن تم تسجيل في الولاياتالمتحدةالأمريكية وفاة حوالي سبعين ألف مدمنا سنة 2019، وفي الجزائر تم حجز 4 مليون كلغ من الكيف و543.423 قرصا مهلوسا، 72 جرعة خلال الفصل الأول من سنة 2023. من جهته والي تلمسان صرح قائلا: "إن هذا اليوم يبين المهام التي أوكلت للديوان الوطني لمحاربة المخدرات وإدمانها، لهذا أقر المشرع الجزائري قانونا لمواجهة جرائم المخدرات من خلال القانون المعدل، هذه السياسة الجزائية أعطت صلاحيات لديوان مكافحة المخدرات مع إعداد السياسة الوطنية لمواجهتها أيضا، عن طريق إبرام اتفاقيات مع قطاعات تشتغل مع مصالح الأمن الوطني الدرك الوطني والجمارك للعمل سويا ضد المخدرات، ينتهي برفع تقرير سنوي يرفع إلى رئيس الجمهورية، والقانون الجديد أعطى صلاحيات إحالة المدمن على العلاج إذا أثبتت الخبرة الطبية ذلك". وفي الموضوع، قدم أستاذ التعليم العالي في علم الاجتماع بجامعة الجزائر نور الدين بكيس، مداخلة بعنوان العوامل السوسيو اقتصادية لانتشار ظاهرة تعاطي المخدرات، حيث حاول تشخيص حالة المجتمع بين الماضي الحاضر، والتغيرات التي عرفها وكان لها تأثير على انتشار هذه الآفة بقوة، موضحا أن عدم وجود قدوة في المجتمع وغياب التكفل بالمدمن وتوفير له فضاء يجد فيه راحته وضالته، يجعله يبحث عن راحة النفس والبال التي يجدها في المخدرات في ظل ارتفاع العمران والكثافة السكانية. وتابع بكيس "لم يعد يتكيف الشباب مع الواقع الجديد لغياب المعيار الخاص الذي يعيشون به والمرجعيات والقدوات، فأضحى عاجزا بدليل انتشار الانحراف عند الأطفال الصغار فكيف العمل؟ فهؤلاء يجدون التوتر في كل مكان، وعندما يفتقدون للحلول يهربون نحو واقع الإدمان".