المعجزة لم تحدث بفرانسفيل، ومنتخب المحاربين يغادر الكان بخفي حنين، إقصاء مؤلم في الدور الأول، يعد السابع من هذا النوع في قائمة مشاركات الخضر . وبعيدا عن الضجيج والتهويل والهراء والكلام الفارغ، الذي ساد في مختلف وسائل الإعلام وشبكات التواصل منذ هزيمتنا ضد تونس، وجب أن نتوقف هنيهة لمعرفة أسباب النكسة، والتي لا تعد حادثة فريدة من نوعها ولا تاريخية، لأن الجزائر سبق وأن خرجت من الدور الأول في سبعة مواعيد وأقصيت في ربع النهائي أربع مرات وانهزمت في نصف النهائي أربع مرات كذلك، وضيعت النهائي مرة واحدة وفازت باللقب في موعد يتيم، تلكم هي حصيلة 17 مشاركة جزائرية في نهائيات «الكان» التي بلغت بالغابون محطتها الواحدة والثلاثين . فالمتأمل في حصيلة الجزائر يكتشف بأننا لا نحسن تدبير شؤونها الكروية في «الكان» وبجيل بلومي وعصاد وماجر أو قبله بجيل لالماس وكالام وحتى بجيل صايب وتاسفاوت ودزيري، لم نحقق إنجازات كبيرة عدا دورة 1990 والتي لعبت عندنا في غياب منافسة كبار القارة السمراء. اليوم فتحت كل النيران على رئيس الفاف محمد روراوة وحملته مسؤولية الإخفاق، حيث لم تشفع له صور تأهيل الخضر إلى المونديال مرتين متتاليتين 2010 و2014، وبلوغ الأولمبياد برييو دي جانيرو 2016 وضمان خمس مشاركات في الكان تحت لوائه سنوات 2004 و2010 و2013 و2015 و2017 ، وأضحى روراوة الرجل المطلوب رقم واحد من قبل أنصار الخضر. صحيح أن روراوة أعاد الهيبة للفاف على مدار 16 سنة من الحكم، وصحيح كذلك أن «الحاج» وفر إمكانيات لوجستيكية كبيرة للمنتخب، لكن الإخفاق الفني للخضر يتحمل الرئيس جزء كبير منه، لسبب بسيط وهو تقزيمه لدور المديرية الفنية الوطنية ،وجعلها مجرد مصلحة تصادق على شهادات تدريب «طايوان» لا وزن لها في أرض الواقع، إلى درجة أن أجرة المدير الفني الوطني أقل من أجرة مدرب مساعد في طاقم ليكنس . ولأن ملايير الفاف لا تكفي وحدها لحصد الألقاب في غياب دماغ مفكر (نعني به مديرية فنية) يخطط ويبرمج ويسطر ويقدم المقاييس الموضوعية لجلب المدربين بطرق علمية متطورة، فقد أصبح من هب ودب يعرض أسماء التقنيين على الرئيس، الذي يختار بنفسه من يقود سفينة الخضر في كل الأصناف، وهنا الطامة الكبرى، فبين راييفاتس وليكنس ارتكب الرئيس خطأين متتاليين في ظرف شهرين ، تسببا في غرق سفينة الأفناك قبل سفرية الغابون. اليوم يجب أن نستفيد من هذه «النكسة» ونحولها إلى انتصار، لأن شجرة المحاربين غطت لسنوات على فوضى الكرة في الداخل، و وجب على ساسة البلد التوقف عن الديماغوجية بتوظيف الخضر لأغراض سياسوية و جعلهم «أفيون» لتدويخ الشعب ، وذلك بوضع برنامج حقيقي لبعث الكرة مثل مخطط السبعينيات، حتى لا نبقى ننتظر ما تجود به مدارس فرنسا، فتطوير الكرة الجزائرية يبدأ في النوادي وليس في المنتخبات، و وضع مديرية فنية حقيقية في الفاف ضرورة ملحة ومستعجلة سواء بقي روراوة أم رحل.