رحل صديق الجزائر الوفي، الزعيم نيلسون مانديلا، إلى الأبد. بعد عمر طويل قضاه في الكفاح ضد العنصرية (الأبرتايد) في جنوب إفريقيا، ودفع ثمن ذلك ما يقارب ثلث قرن من عمره في زنزانات سجون بريتوريا. وبصبره وحكمته استطاع أن يكسر القيود، ويبني دولة آخى فيها بين السود والبيض وقضى على النزعة العنصرية، ودفن أحقادها وأنشأ مجتمعا مبنيا على العيش المشترك. ويعد مدرسة في سلوكه النضالي، مما أكسبه حب شعبه وشعوب العالم قاطبة. وكانت الثورة الجزائرية سندا لمانديلا، فقد استلهم منها مبادئ الكفاح التحرري، كما كانت مصدر إلهام للعديد من الشعوب الإفريقية والعربية، في كفاحها التحريري. فالزعيم الغيني كابرال يقول عن الجزائر "إذا كانت مكة قبلة المسلمين، والفاتيكان قبلة المسيحيين، فإن الجزائر قبلة الأحرار والثوار". أما سمير القنطار فيقول "من أراد المقاومة والتحرير فليقرأ تاريخ الجزائر، لأنه ليس مجرد تاريخ بل مرجعية ومنهجية لكل حركات التحرير، والمقاومة في لبنان تستمد مقوماتها من ثورة التحرير الجزائرية". لقد كان مانديلا يعشق الجزائر لأنها وقفت إلى جانبه ودعمت عناصر المؤتمر الوطني الافريقي بالتدريب ضمن مخيمات مجاهدي الثورة الجزائرية. وبعد الاستقلال وخلال ترؤس السيد عبد العزيز بوتفليقة للجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها 29 -1974 - وكان حينها وزيرا للخارجية، استطاع بحكمته أن يقدم دعما قويا لقضية مكافحة الأبارتايد، حيث تم طرد ممثل نظام بريتوريا من القاعة. لقد انتقلت روح الزعيم مانديلا لتعانق أرواح زعماء أفارقة رحلوا عنا مثل باتريس لوموبا، وكوامي نكروما، وجمال عبد الناصر، وهواري بومدين، هؤلاء الرجال الذين وقفوا في وجه مخططات القوى الاستعمارية، فطردوها من الباب وهاهي اليوم تعود من النافذة، من خلال زرع الدسائس والأحقاد، وجعل شعوب القارة تتقاتل وتتآكل ذاتيا، لكن يقيننا أن المرأة الإفريقية التي أنجبت مثل هؤلاء الزعماء مازالت قادرة على الإنجاب.