يصف بعض الكتاب النظام الديمقراطي بأنه النظام الذي يسمح بأوسع مشاركة من جانب المواطنين، سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة في عملية صنع القرارات السياسية، واختيار القادة السياسيين، وهذا ما دأب عليه النظام الجزائري منذ أن شرع في مسار الانفتاح السياسي وإقرار التعددية الحزبية وفتح المجال لحرية التعبير، فالشعب اليوم يشارك في اتخاذ القرار من خلال ممثليه في المجالس المنتخبة على المستوى البلدي والولائي، وكذا على المستوى الوطني ضمن غرفتي البرلمان العليا والسفلى. ومن خلال انخراطه في الأحزاب السياسية، وآخر مشاركة له كانت يوم 17 أفريل 2014، حينما اختار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لعهدة جديدة لأنه رأى فيه الأقدر على تحقيق رغباته وتطلعاته، من خلال برنامجه الذي يركز فيه على مواصلة مسيرة الإصلاح وإحداث التغيير الذي يعود بالصلاح والمنفعة على الشعب، لا التغيير الذي تطمح إليه قوى أجنبية خفية عبر أبواق محلية، فالشعب الجزائري استوعب الدرس من خلال ما وقع ويقع اليوم في دول الجوار وكذا سوريا والعراق واليمن، فالمؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين. إن رئيس الجمهورية عندما طرح مسودة تعديل الدستور على الطبقة السياسية وكلف وزير الدولة مدير ديوان رئيس الجمهورية، أحمد أويحيى، بإدارة المشاورات مع الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية الفاعلة في المجتمع، وكذا إطارات الأمة التي لها خبرة في هذا المجال، إنما فعل ذلك تعبيرا عن نيته في إشراك الجميع في كل ما يتعلق برسم السياسة المستقبلية للبلاد، كما يعد وفاء للالتزامات التي وعد بها خلال الحملة الانتخابية. وبما أن المعارضة تعني -حسب بعض الكتاب- التمثيل السياسي للقوى الاجتماعية ومن خلاله تتحقق مشاركة هذه القوى في الحياة السياسية وفي صنع القرار السياسي، فإن مقاطعة بعض الأحزاب للمشاركة في الانتخابات، وامتناعها اليوم عن المشاركة في إثراء مسودة الدستور الموضوعة للنقاش، يعد تحييدا لجزء من الشعب في التعبير عن رأيه وإلغائه من المشاركة في تعديل الدستور الذي يعد القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لنظام الحكم وينظم السلطات العامة ويشمل اختصاص السلطات الثلاث، وتلتزم به كل القوانين الأدنى مرتبة في الهرم التشريعي. إن المعارضة في بلد كبلدنا الذي يخطو خطواته الأولى نحو إرساء نظام ديمقراطي تعددي، لم تتشبع بعد بثقافة الحوار وتقبل الرأي الآخر ضمن أطرها الحزبية، فما بالك إذا كان هذا الآخر خارج الحزب، مما أثار انقسامات وانشقاقات وصراعات داخل الأحزاب نتج عنها تأسيس أحزاب جديدة. ومن ثم فإن المقاطعة أمر منطقي، لكن الأجدر بالمعارضة في هذا الظرف أن تتنافس من أجل خدمة الصالح العام، وهذا ما تقوم به أحزاب أخرى، ترى أن دورها في مثل هذه المرحلة التي تمر بها البلاد هو التكفل بكل ما يحقق المصلحة العامة ويجنب البلاد كل خطر داخلي تحركه أياد أجنبية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي تقودها خيرة عقول المخابرات الأجنبية عبر غرف سوداء والتي تعد اليوم أخطر وسيلة لزرع الفوضى في أي مجتمع من المجتمعات.