ألقى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة أمس الاثنين بطهران كلمة بمناسبة مأدبة الغداء التي أقامها على شرفه الرئيس الإيراني السيد محمود أحمدي نجاد. وفيما يلي نصها الكامل: باسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين فخامة الرئيس وأخي العزيز أصحاب الدولة والمعالي والسعادة أيها الحضور الكريم أول ما أستهل به إسداءكم جزيل الشكر على حرارة الاستقبال وعلى دلائل العناية التي حبوتمونا بها والتي لامست منا شغاف القلوب. إنها ثاني مرة أقوم فيها بزيارة دولة إلى إيران مصداقا للمودة التي تجمع بلدينا وتأكيدا لدينامية تعاوننا في عديد الميادين. لما كان بلدانا تجمعهما أواصر متينة فإنني لمغتبط اليوم للفرصة التي سنحت لي لتعميق المحادثات التي أجريناها خلال زيارتكم المشهودة إلى الجزائر شهر غشت 2007 . إن لدينا الآن معرفة أفضل بواقع بلدينا وبالتطلعات المشروعة لشعبينا الشقيقين. وحققنا أنتم ونحن تقدما نوعيا ذا بال خاصة في الميدان الاقتصادي وأصبح بإمكاننا أن نحدد على نحو أفضل أوجه التكامل القمينة بتمكين متعاملينا الاقتصاديين وأوساط الأعمال عندنا من تطوير تعاون رفيع الجودة. إن المؤسسات الإيرانية هي بعد طرف فاعل في التعاون مع الجزائر خاصة في القطاعات التي تتمتع فيها بقدرات عملياتية من مثل تركيب السيارات وتصنيع قطع الغيار وبناء السكنات والمنشآت القاعدية وصناعة الإسمنت والصناعة الصيدلانية. وبإمكان هذه المؤسسات أن تشارك كذلك في إنجاز المشاريع المدرجة في برنامجنا الوطني لإنعاش النمو الاقتصادي. وأنا واثق من قدرتها وقدرة مؤسساتنا كذلك على المضي أبعد من مجرد المبادلات التجارية حتى وإن كانت إمكانيات تطوير هذه المبادلات إمكانيات هامة وعلى التحلي بروح المبادرة وإبداء المهارة في إرساء علاقات مستدامة وعميمة الفائدة لكلا الطرفين. فخامة الرئيس وأخي العزيز طبقا للأهداف التي حددناها سويا خلال زيارة الدولة التي قمتم بها إلى الجزائر جاءت استحقاقات عديدة لتعلم بالمزيد من الصوى والمعالم درب العلاقة المثالية بين بلدينا. ذلكم ما يمكن أن يقال بشأن الدورة الثالثة للمشاورات السياسية بين وزارتينا للشؤون الخارجية المنعقدة مؤخرا بطهران وبشأن الفراغ من عديد الاتفاقيات الثنائية التي ستزيد من تعزيز القاعدة القانونية لتعاوننا خاصة في المجال الجمركي وتفادي الازدواج الضريبي أو في المجال الثقافي البالغة أهميته بالنسبة لتوثيق العرى والمبادلات بين بلدينا الشقيقين. إن الدورة الثالثة للجنة المشتركة أتاحت لنا القيام بتقويم أكثر دقة للأعمال والمشاريع التي تمت مباشرتها فضلا عن تشخيص الوسائل المواتية لإضفاء وتيرة أكبر ومزيدا من التنوع على علاقات التعاون بيننا العلاقات التي دخلت يقينا مرحلة التفتح والازدهار. فخامة الرئيس وأخي العزيز إن بلدينا إذ وفقا في الحفاظ على هويتهما وعلى حساسيتهما لا يمكنهما تجاهل الانشغالات المشروعة للبلدان النامية خاصة منها البلدان التي نتقاسم وإياها إرثا حضاريا وثقافيا مشتركا. إن الالتزام المتضامن هذا إنما يعكس الآمال المعلقة على بروز عالم يكون فيه السلم والأمن والتعاون القائم على الإنصاف والقسطاس الركائز الضرورية لعلاقات دولية يطبعها الهدوء وغايتها تحقيق التنمية البشرية. لقد خاضت بلداننا غمار العولمة متجشمة التضحيات الجسام من أجل تحرير اقتصادياتها وتأهيل آليات إنتاجها وفتح أسواقها تحدوها الرغبة في أن تكون أطرافا فاعلة في التنافسية الدولية وأن تستفيد من ثمار النمو لإرساء تنميتها. إذاك يصبح من غير المقبول أن تتعرض جهودنا الوطنية لبالغ العرقلة بسبب مبادلات دولية تحكمها قواعد عديمة الشفافية ولا تحتكم لا للأخلاق ولا للضوابط السلوكية بما يعطي الغلبة لتدفقات رأس المال المستعصية على التحكم ولا يدع إلا حيزا ضيقا لنقل التكنولوجيا. إن الوضع هذا يفرض على بلدينا مزيدا من التنسيق والتشاور ضمن منظمة الأممالمتحدة لكن كذلك وخاصة ضمن فضاءاتنا الطبيعية للتضامن المتمثلة في حركة عدم الانحياز ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومجموعة الخمسة عشرة فضلا عن منظمة الدول المصدرة للبترول. فخامة الرئيس وأخي العزيز لقد ساهمنا خلال السنوات الأخيرة مساهمة نشطة في ترقية حوار الحضارات وأقرب عهدا منا في ترقية "تحالف الحضارات" الذي رفعته منظمة الأممالمتحدة إلى مرتبة المبادرة الكبرى . من الواضح أن نبذ الكراهية والعنف يبقى غير كاف إن لم يرافقه ضمان لا غنى عنه للتوازن بين حرية التعبير المعتد بها هنا وهناك وبين أنواع المساس غير المقبول بالأسس التي تنبني عليها الأديان الضمان الذي فيه يكمن الخلاص. إنه يتعين علينا كبلدان إسلامية الحرص على تمثيل الإسلام تمثيلا حقيقيا عبر العالم وإننا بفضل العمل الجماعي سنتوصل إلى تحجيم مظاهر التطرف والدوغماتية التي تلحق الضرر بأقدس قيمنا. لقد أدرجنا هذه الأهداف ضمن أولويات منظمة المؤتمر الإسلامي وسيتعين علينا تأكيدها بالإعداد الجيد للاجتماع المقبل للندوة الدولية حول الحوار الإسلامي المسيحي. وحتى نعيد الاعتبار لقيم الإسلام الحضارية الداعية إلى العصرنة فإنه يتعين علينا تنسيق جهودنا لنقض خطاب وشرور أولئك الذين يعمدون للإرهاب ويزرعون الموت والفتنة مدعين زورا وبهتانا أنهم يعملون باسم الدين الحنيف. إلى جانب ذلك يتعين علينا العمل على وضع حد للمبادرات والدعايات المعادية للإسلام وللآخر التي تروم حمل جزء من الرأي العام الغربي على النظر إلى الإسلام والمسلمين من زاوية اللاتسامح والتهديد الإرهابي. إننا من جهة أخرى نعلم أنه من المهم جدا معالجة الأسباب الاجتماعية الاقتصادية التي تشكل التربة الخصبة التي يتغذى عليها الإرهاب الدولي ذلك أن حالات الظلم في بعض مناطق العالم بالتضافر مع أوضاع معيشية غاية في الصعوبة وما يتولد عنها من بؤس وأزمات إنسانية غالبا ما يتم استغلالها لأهداف إرهابية. أخيرا يقع على الأممالمتحدة مسؤولية أولى تتمثل بإسهام فعال منا في النهوض في أقرب الآجال بإبرام اتفاقية دولية لتقنين مكافحة الإرهاب الذي ينبغي تعريف مسماه تعريفا دقيقا بعيدا عن أي خلط مع مكافحة الشعوب المشروعة للاحتلال الأجنبي. كيف لنا بالفعل أن نبقى مكتوفي الأيدي أمام التدهور الخطير للوضع الأمني والاجتماعي الاقتصادي والإنساني بفلسطين خاصة في قطاع غزة الواقع تحت طائلة تجاوزات جيش الاحتلال الإسرائيلي وحصار لا يطاق انتهاكا للشرعية الدولية ولأبسط قيم الضمير الإنساني. إننا ما فتئنا نكرر أن السلم العادل والشامل والدائم بالشرق الأوسط لا يمكن فصله عن حق سوريا في استعادة الجولان المحتل وحق لبنان في بسط سيادته على كل أراضيه. وضمن منظور إشاعة الانسجام وتوحيد الصفوف ندعو إلى المصالحة الوطنية في العراق وإلى احترام السلامة الترابية واستقلال وسيادة هذا البلد الشقيق الذي نرى أنه في مقدوره طرق سبيل الاستقرار مجددا حالما يتم وضع رزنامة لجلاء القوات الأجنبية عنه. إن السلم والأمن في الشرق الأوسط وفي قاطبة هذه المنطقة الكبرى يقحمان مسألة الانتشار النووي الحيوية الانتشار الذي تتسبب فيه دولة واحدة لا غير ألا وهي إسرائيل. من ثمة نجدد التزامنا الصارم إزاء إقامة منطقة خالية من السلاح النووي تمكن الشرق الأوسط على غرار إفريقيا وأمريكا اللاتينية من تخصيص طاقته وموارده للتنمية المستدامة. وغني عن القول أن الدول الأعضاء في معاهدة عدم الانتشار النووي تملك الحق المشروع والمعترف به بموجب نص الاتفاقية في التمكن من التكنولوجيا النووية لأغراض مدنية وسلمية ومن أجل تحقيق أهداف إنمائية. في هذا المنظور بالذات يندرج مسعى الجزائر التضامني التي تعترف بالحق المشروع لكل بلد في التمكن من التكنولوجيا النووية لأغراض سلمية. وتبقى الجزائر في الوقت ذاته على ثقة بقدرة إيران على طرق كافة السبل المؤدية إلى ترقية تسوية تفاوضية للنزاع الناجم عن احتجاج بعض البلدان على طبيعة برنامجه النووي. فخامة الرئيس وأخي العزيز إننا نتابع ببالغ الاهتمام سياسة التقارب التي ينتهجها إيران مع جيرانه العرب. إن المسعى المحمود هذا قمين بالفعل بتعزيز الفضاء العربي الإسلامي في المنطقة في توجهه نحو السلم والتعاون والتضامن والصداقة بين شعوب تتقاسم الكثير من القيم المشتركة. إن الدينامية المستقبلية هذه هي بالذات الدينامية التي تسعى الجزائر جهدها إلى ترقيتها في المغرب العربي بكل صدق وبصفة شاملة لا يحدوها سوى الحرص على المصلحة العليا لشعوبنا والطموح إلى تلبية تطلعاتها ببناء تجمع يسوده الاستقرار والازدهار المشترك. ولئن كان نزاع الصحراء الغربية ما يزال يعوق تحقيق هذا الهدف المندرج ضمن منظور تاريخي لا محيد عنه فذلك ليس بالتأكيد بفعل الجزائر التي أظهرت على الدوام عزمها على مواصلة مسار الاندماج المغاربي بعيدا عن مسألة تصفية الاستعمار غير المكتملة هذه التي تؤول مسؤولية تسويتها أول ما تؤول لمنظمة الأممالمتحدة. إنني لأغتبط بهذا الشأن لتأكيد مجلس الأمن مرة أخرى للقرارات السابقة لمنظمة الأممالمتحدة من خلال تبنيه القرار 1813 الذي يدعو المغرب وجبهة البوليساريو إلى مواصلة المفاوضات المباشرة دون شروط مسبقة قصد التوصل إلى حل يراعي حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره. بودي قبل أن أختتم حديثي أن أجدد لكم وللمرشد العام للثورة الإسلامية الإيرانية وللشعب الإيراني الشقيق خالص شكري على ما حظينا به من حفاوة استقبال وكرم وفادة، معربا عن غاية سعادتنا بوجودنا اليوم مرة أخرى بين ظهرانيكم.