قطعت روسيا، أمس، خطوة عملاقة لتعكير أجواء السياسة الأمريكية في محيطها القريب في أمريكا اللاتينية بتوقيعها، أمس، على حلف استراتيجي مع فنزويلا رغم غيض واشنطن وسخطها المتزايد.وفضلت الدبلوماسية الروسية لعب الورقة الفنزويلية في رد فعل على الولاياتالمتحدةالأمريكية التي لعبت الورقة الجورجية للحد من التأثير الاستراتيجي الروسي في منطقة القوقاز. ووقع الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف ونظيره الفنزويلي هوغو شافيز بمدينة أورانبورغ في جنوب شرق روسيا، أمس، على هذا الحلف التي تضمّن بنودا عسكرية واقتصادية في مسعى واضح للتأثير على القرارات الأمريكية بالمراهنة على جورجيا وعدة دول شيوعية سابقة ضمن سياسة التعامل بالمثل. وقال الرئيس الروسي "إننا وقّعنا اليوم على عدة اتفاقيات لتدعيم تعاوننا" ولكن ملاحظين وصفوا طبيعة تلك الاتفاقيات على أنها ترمي الى إحداث شبه توازن استراتيجي مع الولاياتالمتحدةالأمريكية في سياق صراعهما المتجدد خلال الفترة الأخيرة لاقتسام مناطق النفوذ الاقتصادي في العالم. ووقع الرئيسان مديفيدف وشافيز ضمن سلسلة هذه الاتفاقيات على اتفاق غازي وصف بالاستراتيجي وقّع على أحرفه الأولى مديرا العملاق الروسي في مجال الغاز الطبيعي "غاز بروم" وشركة المحروقات الوطنية الفنزويلية. واستغلت موسكو تقاربها الجديد مع الرئيس الفنزويلي المعادي للسياسة الأمريكية للتوقيع على هذه الاتفاقيات في مسعى للرد على السياسة الأمريكيةالجديدة في منطقة دول شرق أوروبا التي كانت الى وقت قريب تسبح في المعسكر الشيوعي الأسبق وتحت السيطرة السوفياتية قبل أن تميل ميلة واحدة باتجاه الدول الغربية مباشرة بعد انهيار الإيديولوجية الشيوعية التي غذّت العلاقات الدولية لقرابة نصف قرن من الزمن. وتكون موسكو قد استغلت درجة العداء السياسي التي يكنّها الرئيس الفنزويلي للإدارة الأمريكية للتوقيع على مثل هذه الاتفاقيات لإثارة نفس درجة التذمر التي أصيبت بها قبل أسابيع، وهي ترى واشنطن توقع على اتفاقيات دفاع استراتيجية مع دول الجوار الروسي وخاصة مع بولونيا وجمهورية التشيك. ولإثارة حمق واشنطن لم يفوت الرقم الأول الروسي السابق والوزير الأول الحالي فلاديمير بوتين التأكيد على أن بلاده عازمة على إقامة مشاريع نووية في فنزويلا وتجسيد الاتفاقيات البحرية بينهما ميدانيا. ويأتي الإعلان عن هذه الاتفاقيات في وقت ينتظر أن تجري فيه القوات الروسية والفنزويلية أكبر مناورات عسكرية بحرية، الأسبوع الجاري، في عرض المياه الفنزويلية تشارك فيها مقنبلات استراتيجية وبوارج حربية روسية وسط ترقّب أمريكي ومتابعة حثيثة من طرف البنتاغون، الذي لم يعد ينظر بعين الرضا الى التقارب الحاصل في المدة الأخيرة بين العديد من العواصم الأمريكو لاتينية وموسكو. وتعد هذه أكبر مناورات روسية مع دول الجوار الأمريكي منذ انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي قبل ست عشرة سنة وفي منطقة يعتبرها واضعو الاستراتيجية الأمريكية ضمن مجال الأمن القومي القريب ومنطقة نفوذ ذات أهمية بالغة بالنسبة لبلدهم. وكانت روسيا وافقت على منح قرض بقيمة مليار دولار يخصص لشراء أسلحة روسية تضاف الى صفقة أسلحة أخرى وقّعها البلدان قبل عام بقمية 4،4 مليار دولار تضمّنت تمكين فنزويلا من طائرات استراتيجية من طراز سوخوي وطائرات مروحية وترسانة من الأسلحة الخفيفة. وما كان كل ذلك ليرضي واشنطن التي تنتظر الفرصة المواتية للرد على غريمتها السابقة وبعد زوال سنوات ودّ بينهما لم تعمّر طويلا فاتحة المجال أمام عداء مستفحل وقد يفتح الباب أمام حرب باردة جديدة بينهما بمعطيات ودوافع أخرى.