مباشرة عقب انتهاء العرض الشرفي لفيلم "كريم بلقاسم"، نشّط مخرجه أحمد راشدي ندوة صحفية بقاعة "الموقار"، تناول فيها تفاصيل العمل، وردّ على بعض ملاحظات الحضور، خاصة فيما تعلّق بإيقاف مسار الراحل كريم بلقاسم عند لحظة إمضائه وثيقة مفاوضات إيفيان بدون الوصول إلى سنة اغتياله في 1970. كما شارك المخرج أعضاء طاقم الفيلم، الذين عبّروا عن استفادتهم من هذه التجربة التي أقحمتهم في صميم الأحداث التاريخية، علما أن أغلبهم من جيل الشباب. اعتبر المخرج أنّ موضوع فيلمه ليس بالسهل، خاصة أنّه مرتبط بشخصية مثل شخصية كريم بلقاسم، الذي يُعدّ من ألمع رموز الثورة التحريرية، عاش كلّ مراحل الكفاح قبل وأثناء وبعد الثورة، وشارك في كلّ القرارات والاجتماعات والمؤتمرات واللجان الرسمية للنظام الثوري، ويكفيه فخرا أنه بدأ الثورة في بلاد القبائل سبع سنوات قبل انطلاقها سنة 1954. كما أشار المخرج من جهة أخرى، إلى أنّ للسينما مقتضيات خاصة، حاول من خلالها التأكيد على شخصية كريم وزملائه؛ باعتبارهم بشرا وليسوا ملائكة، يمتازون بخلافاتهم وبترددّهم وخوفهم ونقاشاتهم. وأكّد السيد راشدي أنّ الفيلم جمع 74 ممثلا، جلّهم شباب وكذلك بالنسبة للعمل التقني، وميزانيته بلغت 33 مليار سنتيم، وهو مبلغ، حسبه، يبقى معقولا إذا ما قورن بتكلفة الإنتاج في الدول المجاورة. من جهته، حيّا الرائد عز الدين طاقم العمل الذي ساهم بشهاداته في كتابته، مؤكّدا أنّ كريم لا يحتاج إلى تكريم؛ "فتاريخه أنصفه وكرّمه قبلنا؛ فهو أسد الجبال، كذلك رفقاؤه الذين أعطوا حياتهم للجزائر، وكانوا بشرا يحبون هم أيضا الحياة، وكان كلّ واحد من هؤلاء العظماء له تصوّره ومشروعه لجزائر الثورة والاستقلال، لكنّهم كانوا يجتمعون على كلمة واحدة في الوقت المناسب والمصيري للجزائر". وتدخّل في الندوة الدكتور جمال يحياوي مدير المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة 1 نوفمبر (تابع لوزارة المجاهدين)، وهي الجهة التي أنتجت وموّلت الفيلم، الذي أشار إلى أنّه يدخل ضمن مشروع سلسلة من الأفلام الخاصة برموز الثورة. وفي ردّه على مدى تدخّل عائلات هؤلاء القادة في الفيلم والإنتاج، قال راشدي: "نحن دائما ننطلق من زاوية تمجيد الشخصية؛ باعتبارها رمزا وطنيا، وأذكر مثلا أّن ابن أخ عبّان رمضان بعث إلينا رسالة من 15 صفحة، يقدّم فيها تصوّره لمعالجة الفيلم. والحقيقة أنّنا نسجّل كلّ الملاحظات والشهادات من رفقاء وأهل المعني، وعندما تكتمل كتابة النص يصبح نصا مقفولا في ميدان التصوير، أما فيما يخص اللغة، فهي لغة وسط لتوصيل الأفكار والأحداث؛ فلا هي فصحى ولا دارجة". وأكّد المخرج أنه زار الأماكن التي احتضنت حياة ونضال كريم في الجزائر وفي الخارج، ومنها البناية التي دارت فيها مفاوضات إيفيان، والتي وجدها تغيّرت، لكنّه أعاد بناء بالديكور، قاعة المفاوضات وأيضا بناء المعارك، التي هي أصعب شيء في التصوير، لينوّه بدور الجيش الوطني ومساعدته. وفي سؤال آخر عن لحظة اغتيال عبان رمضان في الفيلم وكيف بقيت غامضة، أجاب بأن لا أحد يوثّقها ويعرف تفاصيلها حتى المقربين، وقال إنه لم يجد وثيقة عن ذلك حتى في تطوان بالمغرب حيث اغتيل. أمّا اغتيال كريم في حدّ ذاته، فهو مرحلة أخرى تمتد إلى سنة 1970؛ أي بعد الثورة، وهي مرحلة تحتاج إلى أدوات ووثائق وشهادات وعمل وسيناريو، وإذا ما توفّرت فسيكون، كما قال، "أوّل من ينجز فيلما عن اغتيال كريم وعن حياته بعد 62 بدءا من صدور قرار إعدامه". وانتهى الفيلم بعبارة "المهمة انتهت" التي تلفّظ بها كريم، وبإمضائه لوثيقة إيفيان التي كان له شرف توقيعها باسم الشعب الجزائري كلّه، وهو أعظم تكريم وتشريف للراحل الذي عبّر عن معجزة الثورة. للإشارة، فقد تدخّل في الندوة أيضا بطل الفيلم سامي علام، الذي قال: "تقمصت شخصية تاريخية، وهي رمز كبير، وكنت ملتزما معها، خاصة أني قبائلي، لكني في لحظة ما تخلصت من ذاتيتي وكنت هادئا وحكيما في التعامل مع الزعيم كريم بلقاسم، لأعطي المصداقية لمسيرته. واستفدت من تجارب الأدوار التاريخية التي أديتها خاصة منذ فيلم ابن بولعيد، كما كان المخرج يؤطّرني من جانب الأداء والحس الإنساني الراقي". الممثل مصطفى لعريبي الذي تقمّص دور عبان رمضان، تحدّث عن نقاشاته الواسعة مع زميله سامي خارج بلاتو التصوير، ليؤكّد أنّ التزامه الوحيد كان السيناريو، كذلك الفنان كمال رويني، الذي فرض حضوره؛ لأنّه اكتشف أهمية السينما الثورية في أداء واكتشاف طاقات الفنان الجزائري. كاتب السيناريو بوخالفة أمازيت حاول من جهته، أن يبيّن أنّ الفيلم ليس وثيقة تاريخية، بل هو إبداع في المقام الأوّل، يرتكز على معطيات تاريخية حقيقية، كما راح يتناول في حديثه، تفاصيل تلك الفترة الفاصلة من تاريخ الجزائر المعاصر.