يعد الفنان والعازف والباحث في علم الموسيقى؛ حفيظ موات، من أبرز الوجوه الفنية بسكيكدة، عازف متميز على كل الآلات الطربية. وما يشدك إليه بقوة؛ كونه موسوعة فنية في قمة التواضع. ”المساء” التقته بقصر الثقافة وأجرت معه هذه الدردشة. من هوحفيظ موات؟ — فنان موهوب من سكيكدة، من مواليد عام 1955. ما هي قصتكم مع الفن والإبداع والبحث؟ بدايتي الأولى مع الفن كانت في أواخر عام 1960 مع المجموعة الصوتية للكشافة الإسلامية الجزائرية، وبعدها بفترة التحقت بجمعية ”الاتحاد الفني الموسيقية” لمدينة سكيكدة التي كان يشرف عليها الأستاذ بدر الدين بوغنجيو، حيث درست على يده السولفاج والآلات الموسيقية وتاريخ الموسيقى بصفة عامة، ولا أخفي عليكم التأثير الإيجابي الذي تركته في شخصي هذه الجمعية المتميزة التي أعتبرها بكل صدق، مدرسة أكاديمية حقيقية لقنتني أصول الموسيقى كعلم وليست كأداة للتسلية. وفي سنة 1980 التحقت بالمعهد البلدي للموسيقى كأستاذ للكمان والسولفاج وتعليم الغناء وقد مكثت به 07 سنوات، بعدها أصبحت عضوا مؤسسا لعدد من الجمعيات الموسيقية التي ظهرت في سكيكدة، آخرها ”جمعية الفن والأصالة” لمدينة سكيكدة المتخصصة في النوع الأندلسي، أو ما يصطلح عليه ب«الصنعة العاصمية”، كما درست الموسيقى في بعض الإكماليات، وكنت مشرفا على ورشة الغناء والموسيقى بأقسامها الثلاث؛ ابتدائي، متوسط وثانوي، التابعة لقصر الثقافة. ماذا عن أعمالكم الفنية بعد كل هذا المشوار الفني الناجح؟ — علاقتي بالفن لا تنقطع، فهي كالدم الذي يسري في شراييني حاليا منكب على البحث عن التراث الموسيقي الجزائري بوجه عام والتراث الفني للمنطقة بوجه خاص، لعلمكم قمت بمعية 03 من زملائي الفنانين بإنجاز كتاب حول قدماء الموسيقيين في ولاية سكيكدة خلال الحقبة الاستعمارية إلى غاية سنة 1962، إلى جانب هذا، لي مدونتين حول الموسيقى ومدون آخر حول البيئة، وأقول لكم؛ لا أحد يعرف قيمة البيئة كالفنان، كما أقوم بتقديم محاضرات في العديد من ولايات الوطن. كيف تقيمون واقع الموسيقى الجزائرية في ظل العصرنة؟ — من ناحية حفظ التراث، أقول لكم، والحمد لله، بأن الجزائر تمكنت من حفظ كل تراثها الموسيقي الواسع، لكن حاليا وفي ظل العصرنة، لابد من إعادة النظر في مفاهيم التراث بالطريقة الأكاديمية من خلال الانتقال من الشفوي إلى المكتوب المدروس وهنا أؤكد على دور الجامعة والمعاهد العليا للموسيقى التي أرى أن من واجبها الآن، التدخل لإعادة الاعتبار لموروثنا الفني التقليدي. هل يعني هذا أنه يجب إخضاع الفنان لتكوين أكاديمي؟ — بالطبع تكوين الفنان أكاديميا يبقى أكثر من ضرورة لأنه كلما كان الفنان مثقفا ملما بكل قواعد وأصول وتاريخ الفن كلما ارتقى أداؤه وارتقى معه موروثنا الغنائي، ومنه يتم الانتقال من الدائرة المحلية إلى العالمية. وكيف تقيمون دور الجمعيات الفنية في الجزائر؟ كما لا يخفى على الجميع وأمام النقص الفادح المسجل فيما يخص المعاهد البلدية للموسيقى، إذ يوجد حاليا في الجزائر حوالي 10 معاهد بلدية لا تزال تنشط، فإن الجمعيات هي التي احتضنت التكوين وساهمت بشكل كبير في المحافظة على التراث ونشره وحاليا أعتقد أن دورها التقليدي انتهى مع دخولنا إلى الألفية الثالثة، لذا فهي مطالبة بأن تتأقلم مع الأوضاع الراهنة كأن تنتقل من النشاط الغنائي التقليدي إلى النشاط الغنائي العلمي المدروس على أسس قواعد مضبوطة. ماذا تقولون عن المواهب الغنائية الشابة؟ — في كل جيل تظهر مواهب فذة، لكن في جيلنا هذا أرى أن الفنان بحاجة إلى التكوين النظري الذي يعتمد أساسا على معرفة التراث الغنائي القديم وأبجديات الموسيقى بكل أصولها ومدارسها، ثم السعي من أجل إثراءه وترقيته، لأن الفنان الحقيقي ليس حنجرة وأصابع وإنما رسالة وكيان موسيقي يمثل أمة كاملة. وماذا تقولون عن الشهرة؟ — طبعا، الفنان دائما طموح وانشغاله الأساسي هو الارتقاء بمستواه الفني لكن عندما يصل إلى مستوى معين، فمن حقه أن يطمح إلى النجومية وهذا ما يجب أن يكون، لكن حاليا الفنان أصبح يلهث وراء الكسب المادي السريع على حساب قيم الفن الأصيل الذي يعد رسالة خالدة به ترتقي الأمم وتتطور. كيف تفسرون ظاهرة وجود الكلام السوقي في الأغنية خاصة الشبابية منها اليوم؟ الكلام السوقي في الغناء استثناء وليس قاعدة، لأنه لا يمثل البعد الحقيقي للغناء وروحه، أما الغناء السوقي فهدفه تجاري، وهواة الموسيقى الأندلسية وممارسوها المنخرطون من الجامعيين والأطباء والمحامين يمارسون الموسيقى والطرب الأندلسي. لأن هذا النوع من الفن يعتمد على الكلمات النقية والقواعد العلمية المدروسة المرتبطة بالبعد الحضاري لأمتنا، خاصة الحضارة الأندلسية، وعلى القيم الأخلاقية التي تعد مفتاح كل نجاح. كيف تنظرون إلى مستقبل الموسيقى الأصيلة الأندلسية الكلاسيكية؟ — صراحة، لست متفائلا لأسباب نذكر منها النقص الفادح في المعاهد البلدية المتخصصة في الموسيقى، فمن أصل 48 ولاية لا يوجد سوى 10 مدارس بلدية أغلبها لا ينشط حسب المقاييس البيداغوجية المعروفة، إضافة إلى معهد وطني عال للموسيقى يتواجد في العاصمة بفروعه الخمسة. في الوقت الذي يتواجد في كل مدينة بالشقيقة تونس معهد بلدي للموسيقى و05 معاهد عليا للموسيقى، بالتالي فالنقص في الهياكل يؤثر على المردود لذا أتمنى أن يتم تدارك هذا النقص لترقية الأغنية الجزائرية والوصول بها إلى العالمية. كلمة أخيرة. — أشكر يومية ”المساء” على الفرصة التي أتاحتها لي واهتمامها الكبير بالفن الأصيل متمنيا لها الكثير من النجاح والتألق.