تعدّ الروائية والإعلامية سارة زهرة جقريف واحدة من الأقلام الشبابية التي استطاعت أن تقتحم عالم الإبداع الأدبي من بابه الواسع، بعد ما تمكنت من فرض نفسها في عالم الكتابة النسوية، "المساء" التقت بها في قصر الثقافة والفنون على هامش الطبعة السادسة من "أوراق سكيكدة الأدبية" وأجرت معها هذا الحوار. ^ من أين نبدأ اللقاء؟ ^^ سارة زهرة جقريف كاتبة روائية وصحفية تبلغ من العمر 26 سنة، متحصّلة على شهادة دراسات عليا من المدرسة الوطنية العليا للصحافة وعلوم الإعلام وحاليا أحضر لشهادة الدكتوراه في علوم الإعلام والاتصال. ^ وماذا عن نشاطك الإبداعي؟ ^^ لي مجموعة من الأعمال الإبداعية أغلبها روايات، الأولى بعنوان "الآباء ليسوا ملائكة" نشرت بدار "سندباد" في القاهرة سنة 2009، قبل أن تصدر الثانية بعنوان "رائحة الورق" عن منشورات "الأنيس" سنة 2013 وآخر رواياتي تحمل عنوان "رائحة الورق"، كما كتبت سنة 2009 سيناريو فيلم بعنوان "الضباب"، وسبق أن تحصّلت على الجائزة الثالثة في مسابقة "أوراق سكيكدة" الأدبية عن قصة "لقاء الأمير" كما توّجت قصتي "التقينا فهل نفترق؟" بالجائزة الثالثة في مسابقة "قراءة في احتفال" بمدينة سكيكدة. ^ نالت "رائحة الورق" اهتمام كل من اطلع عليها، ترى ما السر في ذلك؟ ^^ طبيعة الموضوع الذي عالجته الرواية التي سلّطت من خلالها الضوء على واقع المجتمع الجزائري من خلال تطرّقي إلى الثوابت والمعتقدات والمنظومة التعليمية وفاعلية الصحافة فيه والارتباط بتكنولوجيات الاتصال الجديدة وعلاقة الجزائري اليوم بالفنون والنظرة الدونية لأبناء الخونة والحركى أثناء الثورة التحريرية وتقديس المجاهدين والشهداء وغيرها من القضايا التي تصبّ في الهوة الواسعة بين المدينة والقرية التي عملت الرواية على تجسيدها. ^ هل لك أن تلخصي لنا مضمون روايتك الأخيرة؟ ^^ تدور أحداث الرواية في قرية صغيرة من قرى سكيكدة تسمى "الريحانة" وتتناول قصة "خلود" الفتاة القروية التي تمارس حرفة صناعة الفخار، تعرّضت وهي طفلة إلى تحرّش جنسي من قبل قائد جماعة إرهابية خلال "العشرية السوداء" مما خلق لعائلتها عقدة نفسية كبيرة اتّجاه "أنوثتها" فتحاول تحويلها إلى ذكر بينما تحاول هي ممارسة أنوثتها. بطل الرواية طارق شاب شاعر يعمل كمكتبي في وسط المدينة يعاني من شكّ عقائدي، وهو قريب الفتاة وابن خالتها الذي درس معها في مرحلة التعليم الابتدائي قبل أن يفترقا، لكن يبقى الشاب يراسلها عبر الكتب والقصائد، وفي أحد الأيام يقع في يده دفتر رث من أخ البطلة يحمل توقيعها ليكتشف به الكثير من الأمور الغامضة والمتناقضة والأحداث المتداخلة والمضطربة، فيقرّر البحث عنها لتحلّ له لغز الدفتر، فيصطدم بواقع مختلف عن العالم الذي كان يعيش فيه داخل مكتبته وبين كتبه، فيكتشف نوعا جديدا من ضحايا العشرية السوداء. ^ كيف تقيمين كمبدعة واعدة الحركة الإبداعية الشبابية اليوم؟ ^^ أعتقد أنّ المستقبل للشباب اليوم فقد أثبتوا في مجال الإبداع الأدبي والفني أنّهم يستحقون مكانة كبيرة سواء في مجال الرواية أو الشعر أو القصة القصيرة، وأنّهم يملكون من الطاقة والموهبة ما يؤهّلهم للبروز في عالم الأدب، فمعيار العمر لم يعد من أسس تقييم جودة النص الأدبي وتميّزه، لكن تبقى التحديات التي تواجه الشباب المبدع في الجزائر كثيرة، فالعديد من المواهب الشابة يتم اغتيالها عن طريق الإهمال وضعف الحركة الجمعوية وتراجع المقروئية وتهميش الثقافة في وسائل الإعلام وغيرها. ^ وهل يمكن للجيل الحالي أن يكون أفضل خلف لجيل ديب، بن هدوقة، وطار والأعرج؟ ^^ أعتقد أنّ لكلّ جيل خصائصه ومميّزاته ولا يمكننا مقارنة هذا بذاك، لكن الأهم أنّ ذلك الجيل كان مبدعا وترك أعمالا خالدة وهذا الجيل يبدع والقارئ والزمن وحدهما قادران على تحديد والكشف عن الأعمال التي تستحق الخلود. ^ بماذا تفسّرين ضعف المقروئية في بلادنا، خاصة عند الفئة المثقفة؟ ^^ ضعف المقروئية يعود إلى الكثير من العوامل التي لا يمكن حصرها، لكن سأحاول هنا ذكر التوجّه الجديد لمجتمعنا نحو تكنولوجيات الإعلام والاتصال وما أفرزته من انتشار الفيديوهات والمؤثرات السمعية البصرية والشبكات الاجتماعية، والمجتمع الجزائري اليوم يعاني من أزمة عدم تطويع هذه التكنولوجيات التي ماتزال حديثة بالنسبة له ومن أزمة الوقت في عصر السرعة، بمعنى أنّ الشخص أصبح يفضّل مشاهدة روبورتاج حول شخصية معينة في ربع ساعة على أن يقرأ كتابا من 200 صفحة ونفس الشيء يفضّل مشاهدة الرواية كفيلم على قراءتها في كتاب، مع أنّ المجتمع الحالي في رأيي والتغيّرات الجديدة التي لمسته تجعل القراءة ضرورية أكثر من أيّ زمن مضى. أمّا الحديث عن الطبقة المثقفة، إذا كنت تقصدين بها الكتّاب هنا، فلا يمكنني تصوّر مثقف لا يقرأ لأنّه في رأيي أشدّ الناس حاجة إلى القراءة في التاريخ والأنثربولوجيا والفلسفة والعلوم التجريبية وغيرها ليفهم ما يحدث حوله. ^ ماذا تمثل الكتابة بالنسبة إليك؟ ^^ الكتابة أنواع ومستويات أيضا، فإذا كنا نتحدّث هنا عن الكتابة الأدبية بصفة عامة فهي بالنسبة لي أسلوب حياة قبل كلّ شيء، نمارسها كأيّ نشاط آخر في حياتنا اليومية، وتتحوّل أحيانا إلى حاجة بيولوجية لا يمكنني الاستغناء عنها، فأكتب قصصا ونصوصا وخواطر وغيرها دون التفكير في النشر أما إذا كنا نتحدّث عن الرواية فهنا تتحوّل الكتابة إلى فكر ورسالة نبحث من خلالها إلى إثارة تساؤلات في ذهن القارئ. ^ ما موقفك من دور النشر؟ ^^ دور النشر مؤسّسات تجارية تستثمر في الكتب وتبحث عن التسويق والترويج والربح، وهذا أمر طبيعي جدا، وهي ليست جمعيات خيرية يبقى على الكاتب أن يتعامل مع دور النشر التي تحترم نفسها وتحترم حقوقه ولا يقبل باستغلاله من قبل أي ناشر.