القرارات التي تضر بالشعوب لا يمكن وضعها إلا في إطار الارتجال والتشنّج السياسي والحسابات الضيقة لأصحابها سواء كانوا أفرادا أو جماعات، وسواء تعلقت بإثارة نزاع داخلي أو تدخل غير محسوب في شؤون الغير. وما شهده العالم العربي ومازال يشهده أو هو مقبل عليه يدعو للتأمل في دوافع ومآلات هذه النزاعات التي أتت على الأخضر واليابس. فالأحداث المأساوية التي عاشتها بعض الدول العربية ما كانت لتكون بهذه الحدّة من العنف المسلّح، واستهداف البنيات التحتية للدول لو احتكم المتنازعون على النفوذ وعلى السلطة إلى المنطق، ولجأوا إلى الحوار رأفة بالشعوب وصونا لقدرات الدول الاقتصادية على وجه الخصوص، لكن تجري الرياح بمالا تشتهي السفن في عالم عربي غزته الفتن، وتنازعته المذاهب والعرقيات في مقابل عالم أصبح يعتمد أكثر فأكثر على التكتلات الاقتصادية والتحالفات العسكرية لحماية مصالح شعوبه في أدنى الأرض وأقصاها. ويحدث ما يحدث في وطن عربي لم يشفع له اتصاله الجغرافي واللغوي والديني والتاريخي، فخيب أمال شعوبه في مشاريع الوحدة والتكامل الاقتصادي والثقافي، وأفرغ مفهوم الأخوة من معانيها.. فأصبحت فلسطين خارج الإجماع العربي، ومنه خارج الصراع العربي - الإسرائيلي الذي هو سبب كل المآسي التي تضرب هذه المنطقة من المحيط إلى الخليج. وبدل أن تتجه البوصلة إلى هذه الأرض المغتصبة والشعب المشرد جلّه والمحاصر كله ها نحن نعيش زمن تحرش العرب بعضهم ببعض، وتحريض بعضهم على بعض، وتدخل بعضهم في الشؤون الداخلية للبعض الآخر وبقوة السلاح في نهاية المطاف. فماذا بعد هذا التشتت؟!