بدأت خيوط مؤامرة ما يسمى ب »الربيع العربي« تنكشف ليتأكد الجميع حتى مما كانوا مبهورين بتلك »الثورات« الفوضوية التي اكتسحت العديد من الأقطار العربية ولا تزال نيرانها تلتهم سوريا، وممن نادوا بنقلها إلى الجزائر تحت عناوين الديمقراطية والحرية، أن الأمر يتعلق بأجندة غربية نفذتها مخابر القوى العظمى وبأموال بعض أعراب الخليج ليكون الحصاد المر عبارة عما لا يقل عن 800 مليا خسائر، وآلاف القتلة المشردين. يتأكد العالم في كل يوم أن ما يسمى ب »الربيع العربي« لم يكن لا نهضة ديمقراطية ولا يمت بأي صلة لتعطش الشعوب العربية للحرية والرغبة في الانعتاق من الأنظمة المستبدة التي تحكمها، إنما هو مخطط جهنمي يراد من ورائه إبقاء العالم العربي في التخلف وسلب مقدراته وهدم كل أدوات الإقلاع الاقتصادي لديه، فضلا عن قضية التقسيم والتجزئة كما سنرى فيما بعد. لقد خلصت دراسة أعدها البروفيسور بول ريفلين، وإسحاق غال ونشرت على نطاق واسع في العديد من المواقع الاليكترونية العربية، أن كلفة الربيع العربي وصلت إلى 800 مليار دولاربين2011 ونهاية عام 2014 وقالت الدراسة أن »ثورات الربيع العربي«، أدت إلى تفاقم مريع للفقر وزيادة كبيرة في مستوياته وانخفاض مستوى الخدمات العامة، وبحسب الأرقام التي قدمها مصرف »أش أس بي سي« تعتبر كل من مصر، وتونس، وليبيا، وسوريا، والأردن، والبحرين، ولبنان، من البلدان الأكثر تضررا من هذا »الربيع« ، مع العالم أن الخسائر المسجلة، حسب نفس المصرف تعادل 35 بالمائة من ناتج هذه الدول الإجمالي، مع الإشارة أيضا إلى أن عدد سكان هذه الدول مجتمعة سيرتفع ستة ملايين ليصل إلى 136 مليون نسمة، وعليه سيكون نصيب الفرد من الدخل أقل بما يقرب من 68 بالمائة مما كان يمكن أن يكون لو لم يجتاح »الربيع العربي« هذه الدول. ونشرت الدراسة أرقاما جد مهمة بحيث تبين المؤشرات الاقتصادية عمق الأزمة، وجرى التركيز على البطالة التي بلغت في سوريا 48 بالمائة وفي اليمن 3,17 بالمائة، وفي تونس 16 بالمائة، وفي ليبيا 15بالمائة، وفي مصر 5,13 بالمائة، كما تشهد هذه الدول تزايدا ملحوظا في مستوى الفقر وانخفاض مستوى الخدمات العامة، نتيجة تراجع معدلات النمو الاقتصادي، وارتفاع معدلات البطالة. التقارير الصادرة عن مؤسسات اقتصادية ومالية وبنوك عالمية، وتلك الصادرة عن المؤسسات الاقتصادية الدولية تدلل على عمق المأساة، التي تولدت في دول الربيع العربي، فعلى سبيل المثال يقدر صندوق النقد الدولي أن نمو الاقتصاد المصري خلال العام الجاري يتراوح بين 3,2 بالمائة إلى 7,2 بالمائة وهو ما يدل على استمرار الاتجاه التراجعي منذ العام 2010 وتحدثت الدراسة بإسهاب عن المشاكل المرتبطة بالعجز في الموازنات المالية في هذه البلدان، والصعوبات التي تواجها في الاقتراض لإعادة اقتصادها إلى السكة الصحيحة، وقدم أمثلة على تلك المساومات التي تواجهها مصر بسبب تعليمات أمريكية، وحتى ليبيا التي تعتبر دولة نفطية تواجه الموارد النفطية بها مشكلات كثيرة، فيما تقدر حاجة سوريا لإعادة إعمار ما خربته الحرب إلى ما لا يقل عن 200 مليار دولار. هذا عن الجوانب المرتبطة بالاقتصاد وبالآثار المترتبة عن تراجع نسب النمو على الجبهة الاجتماعية، ولم تتطرق الدراسة إلى الماسي الأخرى التي خلفتها »الربيع العربي« وإلى عدد الذين قضوا في المواجهات الدامية، خصوصا في ليبيا وفي سوريا، وعدد الذين سيحملون آثار هذه الحرب إلى قبورهم، وآلاف المشردين الذين خسروا عائلاتهم وخسروا بيوتهم، فضلا عن مئات الآلاف من اللاجئين الذين يعيشون في ظروف جد صعبة على غرار اللاجئين السوريين في مختلف أصقاع العالم. هذا »الربيع« الذي يبشر به البعض في الجزائر تحت عناوين براقة كالديمقراطية والحرية والتخلص من الاستبداد، أعاد دولا عربية كثيرة عقودا إلى الخلف، وأدخلها في متاهات غياب الآمن وغياب الاستقرار، بل وسلط عليها الجوع والحرمان وأنساها حتى الرغبة في الحرية والديمقراطية، فأصبح البعض يحن لديكتاتوريين أسقطهم الشارع بعض تضحيات جسام، بعدما تأكد أن الفرحة قد سرقت منهم بسبب القوى التي كانت تترصد هذه »الثورات« لتنفيذ أجندتها واستكمال مشروع ما يسمى ب »الشرق الأوسط الكبير« الذي من بين أهم أهدافه تقسيم العديد من الدول العربية ومن بينها الجزائر.