يؤكد الخبير في النظافة الاستشفائية ورئيس مصلحة الأوبئة في المستشفى الجامعي بني مسوس، البروفيسور عبد الكريم سوكحال في هذا الحوار، أن ما لا يقل عن 15% من نزلاء المستشفيات في الوطن يصابون كل سنة بأمراض مرتبطة بالعلاج، أي بالوسط الاستشفائي، وأن أكثر من 70 % من حالات العدوى الاستشفائية سببها قلة النظافة وقلة الوعي من طرف عمال الصحة بأهمية غسل الأيدي. وطالب الوزارة الوصية بأهمية التكوين وإعادة تأهيل عمال الصحة فيما يخص أهم المستجدات العالمية في ملف التعقيم والنظافة الاستشفائية. ^ تقام الكثير من الملتقيات والأيام الدراسية حول النظافة الاستشفائية، فما هو الهدف من كل هذا؟ — تدخل هذه الأيام الدراسية حول النظافة الاستشفائية في إطار التكوين المتواصل لعمال وممارسي الصحة من أجل تحيين معارفهم حول النظافة الاستشفائية، كلنا نعلم أن المعرفة تتطور والعلم يتطور وكذلك منتوجات التعقيم الخاصة بالمستشفيات والهياكل الصحية تتطور هي الأخرى، فما كان ينفع بالأمس أصبح محظورا اليوم... اليوم نحن أمام إشكالية كبيرة وهي نقص النظافة داخل هياكل العلاج وليس فقط داخل المستشفيات، بما في ذلك العيادات الخاصة أو حتى وحدات العلاج القاعدي أو باقي الهياكل الصحية، والخطر واحد لأن قواعد النظافة الاستشفائية واحدة ولأن هذه القواعد تمثل بحد ذاتها الوقاية من العدوى الاستشفائية، وهنا أشير إلى أن هذه العدوى كانت فيما مضى تخص المستشفيات كونها مراكز لاستشفاء المرضى لأسابيع وأيام، لكنها تعدت ذلك اليوم بكثير وأصبحت لا تستثني أي هيكل صحي، والسبب يعود بالدرجة الأولى إلى عدم احترام مقاييس النظافة، لذلك أشير إلى أننا نواجه خطرا متزايدا يهدد الصحة العمومية بسبب التهاون في احترام مقاييس النظافة الاستشفائية. ^ أين وصلت الأبحاث المتخصصة وما مدى العمل وفقها في الجزائر؟ — اليوم، الأبحاث في مجال النظافة الاستشفائية تطورت كثيرا بهدف إيجاد حلول أنجع لمحاربة كل أشكال الجراثيم الاستشفائية، لكن المهمة وإن بدت صعبة، إلا أنها ليست مستحيلة. فاليوم تطورت الدراسات العلمية المتخصصة كثيرا في هذا المجال، وظهرت منتوجات للتعقيم أكثر نجاعة، إلا أن مقابل ذلك ظهرت جراثيم جديدة مقاومة تهدد الصحة العمومية، ومنها فيروس «الإيبولا» الذي ظهر بعد أكثر من ربع قرن على ظهور وباء عالمي يتسبب فيه فيروس خطير وهو «في إي أش-سيدا»، وبعده أيضا ظهر وباء الالتهابات الكبدية وأخطرها من نوع «س»، اليوم تجد الصحة نفسها أمام تحدٍ آخر وهو فيروس «الإيبولا»، والمنظمة العالمية للصحة بالتعاون مع منظمة الأممالمتحدة وكذا مجلس الأمن، طالبت من كل البلدان أخذ كافة التدابير اللازمة والمقاييس الواجبة من أجل تأصيل أبجديات الوقاية الصحيحة ضد خطر الإصابة بعدوى هذا الفيروس الخطير، ونحن نتحدث هنا عن قواعد النظافة الاستشفائية وأساليب التعقيم الصحيح للعتاد الطبي، لذلك فإن الأيام الدراسية والتكوينية حول النظافة الاستشفائية المنعقدة هنا وهناك تهدف بالدرجة الأولى إلى تحيين المعلومات حول هذه القواعد والأساليب للكوادر الطبية، ونقصد بهذا الاحتياطات القياسية التي يجب الالتزام التام بتطبيقها دون أدنى خطأ في كل الهياكل الصحية. ^ لكن هل تحيين هذه المعلومات والالتزام بها الالتزامات يؤخذ بعين الاعتبار ويتم العمل وفقها؟ — هياكلنا الصحية اليوم تسجل المستويات الأدنى في مجال النظافة الاستشفائية، وهنا أسوق لكم أمثلة تبين المستوى المتدني جدا لمستوى النظافة الاستشفائية، الأول إشكالية غسل اليدين، والجزائر صادقت على الاتفاقية الدولية في هذا الإطار قبل سنوات، إلا أننا نسجل إلى غاية اليوم مستويات متدنية جدا في الإطار، معناه أن أقل من 10 % من ممارسي الصحة من يهتم بنظافة اليدين، بالرغم من أن هذا الأمر سهل وأساسي لصحة الممارس والمريض على حد سواء، والقصد بنظافة اليدين أن يتم غسلهما جيدا بإزالة الأوساخ عنهما ببساطة، وبعدها يتم تعقيمهما باستعمال المحاليل الخاصة، وحاليا وقبيل شهرين فقط تم رفع نسبة الاهتمام بمسالة تعقيم اليدين بمحلول خاص أكثر تركيزا كفيل بقتل الجراثيم بما فيها «الإيبولا» لأن هذا الفيروس تحديدا بالنسبة لمن يجهل الأمر- ينتقل عن طريق اليدين، لذلك تظهر الأهمية القصوى لنظافة اليدين. وثاني مثال أسوقه في الموضوع هو لباس عمال الصحة، هنا أؤكد تأكيدا قاطعا أن عمال الصحة في كل الوطن ليس لديه كلباس مهني سوى المئزر الأبيض، وهو مئزر واحد وفقط والعامل مهما كانت درجته من عاملة النظافة، إلى الجراح، إلى الأستاذ المساعد، وإلى البروفسور رئيس المصلحة، هو المسؤول عن غسل مئزره! فأين النظافة الاستشفائية هنا؟ ليس لدي كمهني الحق في مئزرين اثنين لتبديلهما؟، وهذا غير معقول تماما، فنحن نحمل معنا المئزر إلى بيوتنا من أجل تنظيفه، يعني حمل خطر العدوى بفيروسات خطيرة ونحن بهذا داخل حلقة درامية مخيفة جدا، ثم يتم الحديث عن النظافة الاستشفائية! فاللباس الطبي لا يعني المئزر الأبيض أبدا، هو مجموعة من ألبسة خاصة ذات معايير عالمية، ومنها أغطية الرأس زائد حذاء خاص آمن وهذه الأطقم تحمي العامل من كل أنواع العدوى، لذلك فإن المئزر ما هو إلا أكسسوار إضافي وليس لباسا طبيا، أضف إلى أن هذه الألبسة والمآزر يجب ألا تخرج من المستشفى ولا من أي هيكل صحي آخر بأي شكل من الأشكال، ويجب أن تغسل وتعقم داخل هذه الهياكل، ويجب العمل وفق هذا النظام حفاظا على الإصابة بعدوى الوسط الاستشفائي، إلا أننا في هذا المجال لانزال بعيدين جدا عن القواعد العامة والأساسية للنظافة الاستشفائية وليس لقواعد والمعايير الدولية في هذا السياق. أما المثال الثالث للمستوى الدراماتيكي لهذه المسألة فيتعلق بالبيونظافة، يعني تنظيف الأرضيات بالممسحة الخاصة، فنحن إلى اليوم مازلنا نستعمل (النشاف) وهذا معناه لا وجود للنظافة، لأن (النشاف) عامل حامل للجراثيم وليس للتنظيف، لا يعقل أننا نواجه في أي لحظة خطر «الإيبولا» ونتساءل هل نحاربه ب(النشاف)؟. إن عدم احترام قواعد النظافة عموما، خاصة من طرف عاملات النظافة في كل المصالح وتحديدا داخل قاعات العلاج باستعمال نفس المياه بكل المصالح والقاعات دون تغييرها، يسبب نقل العدوى والجراثيم داخل هذه المؤسسات الاستشفائية بحوالي 90%، فهل هذا معقول؟ طبعا لا، ونحن إلى اليوم لا نزال ننتظر من الوصاية تدخلا صارما في هذا السياق. بالإضافة إلى تسجيل نقص فادح في عدد المنظفات وافتقاد الأغلبية منهن لقواعد النظافة العلمية، فضلا عن نقص المناشف وحتى المياه ببعض المؤسسات الاستشفائية. وأعتقد كمهني أن إضافة مادة النظافة والوقاية من الأمراض المتعلقة بالوسط الاستشفائي أمر إجباري في التكوين والتعليم المتواصل للممارسين الصحيين من أطباء وشبه طبيين، كاستراتيجية تمّكن قطاع الصحة عموما من الاستغناء عن استعمال المضادات الحيوية وإنفاق الملايير على العلاج في الوقت الذي تبقى الوقاية خير علاج. ^ لا تتعلق مسألة النظافة بغسل الأيدي واللباس فقط، وإنما ترتبط أيضا بمسألة التعقيم للعتاد الطبي، فما هو تعليقكم؟ — هذه إشكالية أخرى أكثر تعقيدا، فحاليا يتم الحديث على المستوى العالمي حول تعقيم كل عتاد نظيف كإجراء أمني ووقائي، ونحن مازلنا نتحدث عن إهمال كامل للقواعد الأساسية للنظافة الاستشفائية! أضف إلى ذلك أن مسألة شراء العتاد الطبي لانزال يمر عبر مناقصات وعبرها يتم دائما إرساء الأمر على الذي يقدم العرض الأقل عطاء أي ‘الأرخص» وهذا معناه العتاد الأقل كفاءة وأداءً، لذا فإننا لا نتمكن اليوم من الوصول إلى العمل وفق المعايير الدولية، ويجب توضيح الأمر هنا أن المعايير الدولية حاليا توضح أن العتاد إما أن يكون معقما أو لا يكون كذلك، ولا وجود لعامل الوسط هنا أي معقم ‘نص نص'، وهذا معناه بطريقة مباشرة نقل العدوى الاستشفائية من مصلحة إلى أخرى ومن قسم إلى آخر وهكذا. إذن التعقيم وفق المقاييس المعمول بها إجباري ولا يعقل أننا مازلنا بعد مع كل الإمكانيات البشرية والمادية المسخرة والهياكل الصحية التي تبنى وتفتح هنا وهناك تهمل عامل النظافة كعامل محوري في الوقاية ونعتمد بدل ذلك على العلاج المكلف جدا، ومن حق المواطن المطلق الحصول على خدمات صحية في المستوى لأن كل الموارد متوفرة. ^ لكن ما هي أنواع الأمراض التي تتسبب فيها العدوى الاستشفائية؟ — لا يمكننا عد أنواع هذه الأمراض، لكن نقول؛ إنه من غير المعقول أن تدخل حامل إلى مصلحة الجراحة لتلد فتخرج بعدوى خطيرة، هذا غير مقبول تماما، ونحن في دراسة متخصصة أجريناها في هذا الإطار حول عينة من النساء اللواتي أجريت لهن عمليات قيصرية لمعرفة نسبة الإصابة بعدوى الاستشفاء في أقسام الجراحة، وجدنا أن نسبة 13 % منهن أصبن بالعدوى، والنسبة في دول أوروبية في حدود ال1%، يعني لدينا مجموع إصابة أكثر ب13 مرة، وإذا حدث والتقطت امرأة حامل في مصلحة الجراحة جرثومة عالية المقاومة، فإنها تموت في الحال! فهل من المعقول أن تأتي الحامل لتهب الحياة لرضيع فتموت! حتى وإن تفطن الأطباء إلى العدوى الاستشفائية لا يمكنهم فعل أي شيء بسبب نقص الإمكانيات. ^ لكن بروفسور، منذ سنوات يتم الحديث عن خطر العدوى الاستشفائية والأمور لم تتحسن إلى اليوم، فأين الخلل إذن حسب تحليلكم ؟ — الخلل يكمن في انعدام ميزانية خاصة لمكافحة العدوى الاستشفائية، ويجب أن يكون ضمن الميزانية الخاصة بالصحة، سجل خاص بالنظافة الاستشفائية مع تحديد الميزانية الخاصة به، وهذا يعني التسيير العقلاني للمورد المالي الموجه لهذا الملف بما ينعكس إيجابا على الصحة العمومية كافة، تماما مثلما هو حاصل مع ملف الأدوية والميزانية المخصصة له، وكذا ميزاينة شراء العتاد الطبي. ^ وهل قانون الصحة الجديد يجيب على استفساراتكم في هذا المجال؟ — لم أطلع بعد على هذا القانون، ونحن نأمل أن يسد القانون الجديد للصحة كل الثغرات التي تؤثر على السير الحسن للمنظومة الصحية عموما. وإلا فإننا سنبقى في حدود محاولة إيجاد حلول كلٌ من موقعه وفي الهيكل الصحي الذي يعمل فيه وفقط، وهذا حسب اعتقادي ليس حلا بالمرة، وسيظل الوضع ضبابيا كما هو، وهذا مناف لحق المواطن في الصحة كما يخوله له ويضمنه القانون الجزائري.