وصف الوزير الأول، عبد المالك سلال، الأوضاع التي تمر بها الجزائر حاليا ب"الصعبة" لأن الجزائر ستخسر حوالي 25 مليار دولار من مداخيلها في 2015، لكنه اعتبر أن الوضع "أحسن بكثير مما كان عليه في أزمة 86". واعتبره "فرصة" لاتخاذ "قرارات جريئة" وبناء "رؤية اقتصادية جديدة"، وهو ما قال إنه يشكل "هدف" الحكومة في الوقت الراهن. وطالب بإحداث "ثورة حقيقية" في الذهنيات، مشيرا إلى أن الحكومة ليست لديها "عقيدة اقتصادية جامدة" وإنما تؤمن ب"دولة قوية تنظم مجتمعا حرا في مبادرته ومتضامنا مع ضعفائه"، مضيفا أن بلادنا تتوفر اليوم على الإمكانيات التي تمكنها من مواجهة آثار الانخفاض المتواصل لأسعار النفط. وأمام المهمة "الكبيرة والشاقة" التي تنتظر الحكومة، فإن الوزير الأول تحدث عن وصفة مفادها أن "الإجراءات البسيطة والواضحة المطبقة بمساواة وشفافية هي أكثر نجاعة من أي جهاز لمكافحة الفساد". والهدف هو واحد ويتمثل في "تطوير الجزائر في كنف السلم والأخوة". وأمام أكثر من 70 خبيرا اقتصاديا جمعتهم أمس مائدة مستديرة، نظمها المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي، لمناقشة موضوع "المؤثرات الاقتصادية العالمية الجديدة وتقلبات السوق العالمية للمحروقات: ما هي آثارها على الاقتصاد الوطني وما هي التوصيات التي يمكن اقتراحها على صناع القرار؟".. استعرض السيد سلال مجهودات الحكومة والتحديات التي تواجهها وطموحاتها، مع التأكيد أن حضوره وأفراد من الحكومة هذا اللقاء، هدفه "الاستماع" لآراء المشاركين من الجزائريين والأجانب. وقال في هذا الصدد "نحن ملتزمين بتنفيذ برنامج رئيس الجمهورية في الميدان، إلا أننا نغتنم الفرصة لنعرف هل التصور الذي سطرته الحكومة هو أحسن إجابة للوضع الاقتصادي في الجزائر؟". فهي "الفرصة التاريخية" بالنسبة للوزير الأول لإعادة توجيه اقتصادنا القائم على الريع البترولي، إلى اقتصاد "كنا نحلم به" وهو "اقتصاد حقيقي مبني على العمل وخلق الثروة". إلا أنه لم ينس التذكير بأن الحكومة بادرت للذهاب في هذا الاتجاه، وقال إنها "لم تقصّر" وقامت بعدة عمليات لترشيد الانفاق العمومي وتنظيم التجارة الخارجية، كما ذكر بأن الجزائر تتوفر اليوم على منشآت قاعدية وموارد بشرية هامة، إضافة إلى إعادة الاعتبار لصناعتها من خلال رؤية جديدة ترتكز على الاستثمارات العمومية والخاصة وتلك القائمة على مبدأ الشراكة، سواء بالنسبة للجزائريين أو الأجانب، ضاربا المثل بفرعي الحديد والإسمنت الذي استطاعت الدولة تقليص الواردات منهما، بفضل الاستثمارات الهامة فيهما، مشيرا إلى إمكانية تصدير هاتين المادتين في آفاق 2018. كما ذكر بالتدابير التي اتخذتها الحكومة منذ جويلية 2014 ، آخذة بعين الاعتبار إمكانية تراجع الأسعار. وكذا مجلس الوزراء في ديسمبر 2014 الذي حدد من خلاله رئيس الجمهورية خارطة الطريق لمواجهة انهيار أسعار النفط. تدابير يرى الوزير الأول أنها بدأت تؤتي أكلها، مشيرا بالخصوص إلى تراجع فاتورة الاستيراد وتخفيض ميزانية التسيير والتجهيز، دون المساس بالمكاسب الاجتماعية أو الطلب العمومي الذي يدعم النمو. وبدا السيد سلال مصرا على تحقيق النمو حين قال إنه "علينا رفض الأمر الواقع والنظر إلى المستقبل بتفاؤل وإرادة صارمة"، مشيرا إلى أن خيار النمو ليس "ظرفيا أو مجرد خطاب"، موضحا بأن الحكومة تراهن على المؤسسات والمقاول الجزائري، وستقوم بكل ما يجب لتطوير المؤسسة الوطنية. في السياق، اعتبر أن الأحكام التي تضمنها قانون المالية التكميلي 2015 والتي سيتضمنها قانون المالية 2016 تتضمن "إجراءات لتحسين مداخيل الميزانية ودعم المؤسسات". وجدد التأكيد على أن القطاعات ذات الأولوية بالنسبة للجزائر هي الفلاحة والصناعة والسياحة والاتصالات والطاقات المتجددة، وأن آليات مبسطة تم وضعها مؤخرا لحل إشكال العقار الصناعي، مشيرا إلى ميزانية 2016 التي تهدف إلى تحقيق نمو ب4.6 بالمائة، أي بزيادة نقطة واحدة عن 2015، لكنه ربط ذلك بمواصلة التحكم في التزامات الميزانية واللجوء إلى السوق للتمويل لاسيما عن طريق استغلال احتياطات الأسر والموارد في السوق الموازية، إضافة إلى حشد موارد جديدة ومكافحة التبذير والتهريب الذي يتسبب في إهدار 3 ملايير دولار سنويا فيما يخص الوقود فقط. لكن الوزير الأول عاد ليصر على ضرورة تغيير الذهنيات لإنجاح مسار التحول نحو الاقتصاد المتنوع والخروج من دائرة الريع. وقال "قبل القوانين والاجراءات، يجب إحداث ثورة حقيقية في العقليات والذهنيات... فالأمر ليس اقتصاديا أو ماليا، بقدر ما هو مشكل ذهنيات...لابد أن نعمل أكثر ونغير النظرة نحو العمل". إضافة إلى ذلك، اعتبر أنه من الضروري ترسيخ الثقة بين جميع الأطراف ورفض التشاؤم والإحباط وتحويل الإدارة من "متاهة مرهقة" إلى "هيكل استقبال ومرافقة". ودعا البنوك إلى البحث عن الزبائن وقال "يجب أن تفهم البنوك نهائيا أن دورها هو البحث عن الزبون لأن دخلها من الزبون وليس العكس". كما أنه على الموظف العمومي أن يفهم أن دوره هو "خدمة المواطن وليس الوصاية عليه"، وعلى الجميع أن يفهموا يضيف الوزير الأول - أن "المواطن الصالح لا يبذر الماء والخبز والطاقة، لأنها لا تقدر بثمن ولكن لها تكلفة عالية". وجرت أشغال لقاء "الكناس" عن طريق تنظيم ثلاثة أفواج عمل في جلسات علنية، الأول كلف بمناقشة "الوضع الدولي وانعكاساته على الاقتصاد الوطني" تحت إشراف الوزير السابق والخبير الاقتصادي علي بوكرامي. أما الفوج الثاني فكلف بتقييم وتحليل أصعب العقبات وكذا مختلف التحديات والرهانات التي يواجهها الاقتصاد الوطني، تحت إشراف الخبير الاقتصادي مصطفى مقيدش، فيما كلف الفوج الثالث باستخراج العناصر الأساسية لاستراتيجيات معالجة الوضع والتي من شأنها الخروج بتوصيات محل إجماع من قبل الخبراء، وذلك تحت إشراف الخبير رفيق بوكلية حسن.