لا يزال مصير "هيدورة" أضحية العيد المبارك يختلف من أسرة إلى أخرى، فالبعض لا يزال يحتفظ بها بعد غسلها وتنقيتها لتفريشها، في حين تفضل بعض ربات البيوت إزالة الصوف واستغلالها، ليبقى البعض الآخر لا يعيرها أي اهتمام ويكون مصيرها الرمي مع الفضلات، في الوقت الذي تبحث عنها جمعيات خيرية لجمعها وبيعها والتصدق بعائداتها. اختلاف العادات والتقاليد من منطقة إلى أخرى في ولايات الوطن، هي الظاهرة التي تؤشر على تنوع النسيج الثقافي المرتبط بالبيئة المحلية بشكل مباشر وذهنيات سكانها، وفق تراكمات متتالية من جيل إلى آخر، ولو أن بعضها يتباين في العديد من النقاط إلا أن عادات متشابهة بشكل كبير يمكن رصدها في تلك التقاليد، على غرار "الهيدورة" التي تبقى استعمالاتها تشهد مصيرا متشابها بين سكان نفس المنطقة وقد تختلف بين سكان مناطق أخرى. رغم هذا، يبقى الكثير من الناس أوفياء لبعض العادات يستذكرونها كلما حل موعدها الذي غالبا ما يكون مرتبطا بأعياد دينية، ومنها عيد الأضحى الذي أرادت "المساء" أن تسلط الضوء عليه من خلال التقاليد التي تبنتها العائلات الجزائرية بعد التفرغ من نحر وسلخ الأضحية. "روتين أوتوماتيكي"هكذا استهلت السيدة زهرة حديثها قائلة: "إنني أجدد توصية ابني وزوجي على عدم رمي الهيدورة .. فبعد القيام بعملية النحر والسلخ التي تتم خارج البيت على قارعة طريق الحي، وسط أجواء يميزها تعاون الرجال الذين يحوم حولهم عدد من الأطفال الصغار، فأطلب من ابني الحفاظ على "الهيدورة" ومحاولة قدر الإمكان عدم تلطيخها بالدماء وغير ذلك حتى لا تتعفن، فبعد أن تتم العملية النحر والسلخ، أعطي لطفلي قطعة كبيرة من البلاستيك وكيس من الملح الخشن وأطلب منه أن يضعه عليها فوق البلاستيك حتى لا تتسخ بالطين، بوضع جهة الصوف على الأرض والجلد مقابل الشمس، مع وضع كمية سخية من الملح الخشن على كافة الجلد تطبيقا للعادات التي كانت تقوم بها جداتنا قبل أمهاتنا حتى تجف، وبعد ثلاثة أو أربعة أيام من ذلك نحملها إلى البيت لغسلها وإزالة كل الشوائب الملتصقة بها وأحتفظ بها على شكلها لاستعملها كفراش في القعدات العائلية، فهي تشعر الجالس عليها بالدفء، فضلا على رائحتها المميزة التي تبدو للبعض غريبة ومنفرة، إلا أنني أحبها وتشعرني بالحنين لعاداتنا القديمة. من جهة أخرى، أوضح عبد الكريم 60 سنة بأن "الهيدورة سابقا كانت معيارا لاختيار الأضحية وذلك حسب طول الصوف الذي يغطي الجلد، كما كان لونها يشكل مصدر اختلاف بين البعض، فمنهم من يحبها بيضاء ناصعة لا تتخللها نقطة سوداء أو صفراء، في حين يفضل البعض تلك "المزركشة" بالبني أو المصفرة، وأشار المتحدث إلى أن الأمهات كن يحرصن على تنظيفها لتكون فراشا أو لنزع صوفها واستعمالات لملء الوسائد والمفارش "المطارح"، وكانت أخريات في مناطق ريفية تصنعن منها ألبسة صوفية جملية، لكن اليوم تغيرت المعايير وباتت العديد من السيدات يفضلن رمي تلك "الهيدورة"، لتفادي بذل جهود في غسلها، حيث من المعروف أنها تتطلب وقتا كبيرا حتى يتم إزالة تلك الرائحة منها عن طريق غسلها عدة مرات بالماء الساخن ومسحوق الغسيل. اقتربنا من بعض الشابات لنعرف إن كن لازلن يحتفظن بتقليد أمهاتهن في غسل "الهيدورة"، وهنا تقول سهام 30 سنة: "لم أتبن التقليد عن أمي في المحافظة على الصوف، وإنما أقوم بذلك من أجلها للتسهيل عليها، فأنظفها وأزيل الصوف من الجلد وأقدمها لها، لأنني لا أستعملها في بيتي ونحن في غنى عنها، إلا أن والدتي لا تزال تستعملها لملء العديد من الوسائد الإضافية تحسبا لوجود الضيوف. أما حياة 28 سنة، فترى أن فتاة اليوم لا تهتم بهذه الأشياء، فهي لا تحتاج إلى "الهيدورة"، لأنها تفرش الأرض بالزرابي والأفرشة من مختلف الأحجام والألوان، كما أنها تتفادى كل التعقيدات لغسلها كونها مرهقة ولا تغسل في آلة الغسيل، وإنما لابد من غسلها باليد. من جهتها، أوضحت زهرة 35 سنة، بأنها لا تزال تحتفظ ب"الهيدورة"، وكشفت لنا عن طريقة توارثتها عن جدتها في إزالة الصوف وذلك بوضع كمية كبيرة من الملح ومادة الكلس "الجير" على الصوف لمدة ثلاثة أو أربعة أيام داخل كيس بلاستيكي كبير إلى وقت يمكن ملاحظة أو شم رائحة كريهة تتصاعد من الكيس، هذه الطريقة تسهل عملية نزع الصوف ولا تأخذ وقتا كبيرا، وأشارت في هذا الخصوص إلى أنها على دراية جيدة بأن الصوف الطبيعية صحية ولا يمكن أبدا استبدال جودتها بتلك المفروشات التي تباع والتي تكون بعضها مجهولة المحتوى. وعلى صعيد آخر، كشفت لنا الجولة التي قمنا بها في بعض شوارع العاصمة عن أن بعض العائلات لا تتعب نفسها مطلقا، فبعد السلخ مباشرة توضع "الهيدورة" في كيس وترمى مع النفايات، هذا ما كشف عنه وليد عون نظافة بحي باب الزوار، مؤكدا أن بعض الأسر تشارك في تراجع قيمة ومكانة "الهيدورة" في ديكور البيت، موضحا أن مصالح النظافة تجمع أحيانا أكثر من 40 "هيدورة" في الحي الواحد، فبعض العائلات تفضل الاستغناء عنها بدل غسلها والاحتفاظ بها، ولقد أكد المتحدث أن هذا العدد يتزايد مع مرور السنوات ومع توفر وتنوع المفروشات في الأسواق أصبح التخلي عنها أمرا يسيرا. وفي بعض الولايات، يقوم مجموعة من الشباب وبعض الأئمة بحث الناس على التبرع بالإيهاب لتعاونيات أو جمعيات خيرية، لجمع المئات من "الهيدورات" المرمية حتى يتم غسلها ونزع الصوف منها، ثم بيعها، وأشارت زميلة مختصة في ملف الجمعيات، إلى أن تلك الأموال تجمع لتستغل في قضايا خيرية كتهيئة المساجد أو مساعدة الفقراء واليتامى.