أمر رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة وزير المالية بإدراج مستقبلا في أية دارسة لانجاز مشروع استثماري عمومي جميع النفقات الخاصة به، بما في ذلك نفقات التسيير لتفادي التأخير في الانجاز، ورفض من جهة أخرى فكرة إنشاء صندوق سيادي لاستثمار الأموال العمومية في الخارج واعتبر الاقتراح "مجازفة". شرع الرئيس بوتفليقة أول أمس في عقد جلسات الاستماع للوزراء التي أصبحت تقليدا للسنة الثانية على التوالي وكان أول "ضيوف" رئيس الجمهورية وزير المالية السيد كريم جودي. وكان اللقاء فرصة للقاضي الأول في البلاد لتوجيه تعليمات وتقديم توجيهات تتعلق بكيفية ترشيد الأموال العمومية والمواصلة في تطبيق الإصلاحات الاقتصادية وتنفيذ المشاريع التنموية. وبعد ان لاحظ الرئيس بوتفليقة بأن الخزينة العمومية لا تزال تشكل المحرك الرئيسي للتنمية في البلاد، وبأنها المحرك الرئيسي لقطاع الاستثمار في الوقت الراهن ذكّر بتوجيهاته السابقة لأعضاء الحكومة "من اجل أن يتم وضع حد للتبذير بكل أشكاله وأن يتم ترشيد النفقات العمومية بشكل اكبر"، وأمر وزير المالية كريم جودي ان يتم الأخد بعين الإعتبار عند دراسة أي مشروع استثماري عمومي مستقبلا نفقات التسيير والنفقات الأخرى التي غالبا مع تعطل انجاز المشاريع، واعتبر أن هذا التوجه لا يرمي الى التقليل من جهود الدولة في تدارك النقائص المسجلة في التنمية ولكن يهدف الى تعزيز الرؤية على المديين المتوسط والطويل فيما يخص مجال التنمية، وطالب وزير المالية بأن يتم تحضير البرنامج الخماسي المقبل للفترة 2009-2014 على أساس ميزانية تأخذ بعين الاعتبار جميع النفقات الخاصة به، وأضاف أن هذا البرنامج يجب ان يمنح الأولوية للمشاريع التي شكلت محور دراسات مسبقة للشروع فيها دون تأخير أو إعادة تقييم"، علما ان العديد من المشاريع عرفت تعطلا استمر ليس لأشهر فقط ولكن لسنوات بسبب عدم وضوح الرؤية او لبروز نفقات جديدة لم تكن مدرجة. وفي سياق تقديمه لملاحظاته حول عقلنة وترشيد الموارد المالية للبلاد أعطى رئيس الجمهورية تعليماته لوزير المالية ببدء التفكير في إنشاء آلية مالية وطنية تكون الخزينة من خلالها قادرة على تجنيد وإثراء جزء من التوفير الهام للدولة من أجل دعم عملية تمويل الاستثمار الاقتصادي في البلاد. وأكد الرئيس بوتفليقة تمسكه بمواصلة في نهج استثمار الأموال العمومية لتحقيق التنمية واعتبر مقترح إنشاء صناديق سيادية يتم من خلالها إيداع احتياطي الصرف في البنوك بالخارج مقابل الحصول على فوائد على غرار العديد من الدول المنتجة للنفط "مجازفة" وقال "أنني اعتقد ان البلد لا زال في حاجة ماسة إلى رؤوس أموال لتنمية الاقتصاد الوطني وهذا لا يدعو البتة اللجوء الى هذا الخيار". وبعد أن ابرز ضرورة وضع إستراتيجية تنموية على المستوى المتوسط والبعيد تطرق الرئيس بوتفليقة الى نشاط المحافظة المكلفة بالتخطيط والاستشراف وشدد على إلزامية التحكم في أداة الإحصاء بغرض ضمان معرفة دقيقة بمواطن العجز والواقع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد والذي على أساسه يمكن المبادرة ببرامج تنموية. وقال" أننا بفضل تخطيط استدلالي وفعال سوف نستطيع توجيه المصاريف العمومية للتنمية بالمزيد من العقلانية وتوجيه الاستثمار نحو القطاعات التي تعتبر بلادنا من البلدان أنها تحظي بالأولوية ونحو المناطق التي نريد ان نركز عليها في إطار التوازن الجهوي وتهيئة الإقليم" وامر في هذا السياق الحكومة بإيلاء عناية كبيرة للمحافظة المكلفة بالتخطيط والاستشراف وتمكينها من جميع الإمكانيات الضرورية التي تمكنها من الاضطلاع بمهامها. ومن جهة أخرى أكد رئيس الجمهورية لدى استماعه للعرض المقدم من طرف وزير المالية حول الإصلاحات الجبائية ضرورة ايلاء عناية أكبر للمصالح الجبائية والجمركية وكذا الإصلاحات التي مست أجهزة العدالة والشرطة والدرك وحرس الحدود، وأمر وزارة المالية بوضع برنامج خاص بهما، وأوضح ان تحقيق هذا المسعى سيمكن من تعزيز دولة القانون "وندعم إطارا شفافا من اجل التنمية الاقتصادية ونقضي على مصادر الغش والمال غير المشروع". وحول عمل البنوك الأجنبية في الجزائر أمر رئيس الجمهورية سلطة النقد والقرض باتخاذ معايير جديدة في اعتماد هذه البنوك ترتكز أساسا على الالتزام بتخصيص "وجوبا جزء من حقائبها لتمويل الاستثمار تمويلا حقيقيا وليس الاقتصار على مرافقة التجارة الخارجية او تشجيع القروض للاستهلاك"، وأوضح الرئيس ان احترام الجزائر للمعايير الدولية ولشركائها الأجانب يجب ان يقابله "احترام لمصالح الجزائر". وحول نشاط البنوك العمومية الوطنية أعطى رئيس الجمهورية تعليمات الى وزير المالية بالحرص على البحث عن الطرق والوسائل الكفيلة بمضاعفة القرض لتمويل أي استثمار منتج وسليم ونزيه. وغير بعيد عن الانتقادات التي وجهها شهر جويلية الماضي في خطابه أمام رؤساء البلديات بخصوص الطريقة المعتمدة في تنفيذ المشاريع الاستثمارية أكد رئيس الجمهورية على وجوب تشجيع الاستثمارات المنتجة الجديدة وليس تلك القائمة على المضاربة، وأشار إلى أن المعيار الحقيقي للقول بنجاح الاستثمارات يعتمد على مدى مساهمتها في توفير ثروة فعلية وفي خلق مناصب الشغل وأمر في هذا الإطار "الحكومة بإيجاد حلول لهذه المسألة". ومن ناحية أخرى وحول ملف مسح الأراضي الذي سجل تأخرا كبير في تنفيذه أصدر الرئيس بوتفليقة تعليمات الى وزير المالية للتقليص من المدة المحددة مسبقا والتي تمتد الى غاية 2017، وحدد مدة أقصاها خمس سنوات وطالب باستخدام جميع الوسائل لإتمام العملية بما في ذلك الأقمار الصناعية وقال "ان عملية استكمال المسح تكتسي أهمية أساسية خاصة بالنسبة لتهيئة الإقليم والعمران والصفقات والاستثمار أيضا". تحقيق نسبة نمو ب6.6 خارج المحروقات كشف العرض الذي قدمه وزير المالية السيد كريم جودي امام رئيس الجمهورية تحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي طوال السنوات الخمس الماضية، وتوقع ان تتواصل خلال السنة المقبلة من خلال تسجيل نسبة نمو إجمالي تقدر ب4.1 بالمئة، و6.6 بالمئة خارج المحروقات. ومن جملة المؤشرات الايجابية للاقتصاد الوطني، هو بلوغ نسبة نمو الناتج الداخلي الخام العام الماضي3 في المائة بصفة عامة و3ر6 في المئة خارج المحروقات، وذلك نتيجة ارتفاع الاعتمادات المالية العمومية الموجهة لبناء المرافق العمومية. أما التضخم فقد حافظ على مستوى معقول في ظل مصاريف عمومية قوية، بينما الفائض التجاري بقي هاما ب33 مليار دولار أمريكي في 2007 رغم استمرار ارتفاع عمليات الاستيراد. وفي ظل ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية بلغ احتياطي الصرف 133 مليار دولار أمريكي في جوان الماضي مقابل حوالي 78 مليار دولار أمريكي نهاية العام الماضي 2007. ونجحت الجزائر في السنوات الخمس الماضية من خفض حجم الديون الخارجية من 21مليار دولار سنة 2004 الى 623 مليون دولار أمريكي في نهاية جوان 2008 وذلك كنتيجة لسياسة التسديد المسبق للديون الذي اقره رئيس الجمهورية سنة 2005. وفي نفس النهج وبناء على التعليمات الرئاسية الخاصة بتسديد الدين العمومي الداخلي فقد سجل هذا الأخير انخفاضا قدر ب60 في المئة. وبيّن عرض وزير المالية بأنه في ظل ارتفاع الاعتمادات المالية الموجهة خاصة لانجاز العديد من المشاريع والمرافق العمومية فإن الحكومة بادرت بآليات كثيرة لضمان الرقابة حيث تم تكثيف نشاط المفتشية العامة للمالية التي تشعبت التزاماتها في عمل مراقبة التسيير المالي للدولة وتوسعت صلاحياتها الى المؤسسات العمومية الاقتصادية وإلى المهن الحرة. واظهر العرض من جهة أخرى مدى تقدم الإصلاحات التي مست البنوك العمومية من خلال إدخال أنظمة تسيير جديدة تساهم في تجسيد الإصلاح المالي والمصرفي على النحو الذي يقحم البنوك مباشرة في قطاع الاستثمار من خلال المساهمة في تمويل المشاريع.