أنهت الجزائر جميع التحضيرات المتعلقة باستقبال آلية التعاون الإفريقي "أفريبول"، التي ستتخذ من أرض الشهداء مقرا لها. وبعد جهود واجتماعات ماراطونية، وجد هذا المشروع الإفريقي طريقه نحو التجسيد على أرض الواقع الإفريقي، الذي ينشد الاستقرار والسلم الذي غيّبته الصراعات والأزمات والأطماع الخارجية، التي شكّكت في قدرة إفريقيا على حل مشاكلها، وراحت تقترح تواجدها العسكري ومساعداتها "الأمنية" عبر قواعد ووسائل حربية تخفي نوايا مبيَّتة.. وسيؤكد الأفريبول أنه الحلقة القوية في سياق التحالف الاستراتيجي ضد الجريمة المنظمة. ..اليوم تعيش الجزائر حدثا هاما واستثنائيا سيُدخلها تاريخ السلم والأمن العالميين، وهي التي رافعت دوما لأجلهما عبر المحافل القارية والدولية، وقبلها نجحت بامتياز في استتبابهما على أرضها لتكون أهلا لقيادة قاطرة الأمن في إفريقيا باحتضانها "أفريبول"، وهي الآلية التي ستشجع التعاون الشرطي الإقليمي، وتعمل على تقريب وجهات النظر بين رؤساء الشرطة في مجال تقييم التهديدات وتحديد السياسات وتعزيز القدرات المؤسساتية الشرطية في ميدان التكوين والشرطة العلمية وإدارة أجهزة الشرطة، التي تقوم على احترام حقوق الإنسان والعدل والمساواة وكذا تبادل الممارسات السليمة. وسيكون للمؤسسة الشرطية الجزائرية الفضل في تجسيد هذا المشروع الذي تبنّته فكرا ومضمونا، وهذا ليس بالغريب عنها وهي التي رفعت على مدار الأعوام الماضية، التحدي الأمني للبلاد؛ باعتباره مطلبا شعبيا، وتصدت لكل التهديدات بتقديم تضحيات جسام، لتثبت في كل مرة إخلاصها التام للوطن، ومواصلتها عهد جيل نوفمبر 1954؛ الأمر الذي أكسبها احتراما وتقديرا شعبيا ورسميا. .. وبعدما أوفت الشرطة بالتزامات رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، الذي طالب الجهاز سنة 1999 بتأمين هذا الشعب من الخوف.. ها هي اليوم توفي بتعهداتها إزاء القارة السمراء التي أنهكتها النزاعات والحروب وحالة اللااستقرار واللاأمن؛ الأمر الذي جعل منها فريسة سهلة لجميع أشكال الظواهر والآفات، بل وأرضا "خصبة" لعصابات التهريب والاتجار اللامشروع وحتى الجماعات الإرهابية، التي وجدت لنفسها قواعد ومنطلقا لتنفيذ تهديداتها ومخططاتها. ويؤكد قرار إنشاء الأفريبول وعي الدول الإفريقية وإيمانها بمصيرها المشترك وبالقيم التي تتقاسمها، وحرصها على السماح لمؤسسات الشرطة الإفريقية بالتموقع في كنف الأنظمة الأمنية الدولية؛ بغية تعزيز قدراتها الوقائية ومكافحة الجريمة المنظمة بشتى أنواعها والإرهاب، وهو الطرح الذي طالما رافع من أجله الرجل الأول بجهاز الشرطة اللواء عبد الغني هامل، الذي سرّع عملية إنشاء الآلية الإفريقية للشرطة؛ لمواجهة مختلف المشاكل الأمنية التي تواجهها دول القارة السمراء ومكافحة مختلف أشكال الجريمة بها. وسيسمح هذا الإنجاز الإفريقي الهام برفع التحديات وإيجاد الحلول الجادة والفعالة للجرائم العديدة التي تواجهها بعض الدول الإفريقية، مثل تنامي الجرائم الإرهابية، تهريب المخدرات، القرصنة البحرية، تبييض الأموال، الجرائم المعلوماتية والغش في المواد الصيدلانية. كما إن الأفريبول سيشكل قيمة مضافة لرصيد التعاون الشرطي الإقليمي والدولي، ناهيك عن كونها المحرك والحلقة القوية في سياق التحالف الاستراتيجي ضد الإرهاب والجريمة بكل أشكالها، واللذين ما فتئا يشكلان اليوم تهديدا حقيقيا على السلم والأمن بالنسبة لدول العالم بدون استثناء. ومرت فكرة إنشاء الأفريبول عبر مراحل أساسية قبل أن تتجسد اليوم بفضل المسعى والنظرة الإفريقية الموحدة، في مواصلة العمل المشترك في مجال تعميق التعاون الأمني. وأولت الجزائر أهمية بالغة للمشروع. وقبلها قامت بالعديد من المبادرات في مجال التعاون مع عدد من أجهزة الشرطة للدول الإفريقية، طالت تخصصات مهنية وعملياتية وقانونية. كما تم تكثيف تبادل التجارب المتميزة والخبرات على المستوى الإقليمي والدولي، والتي تجلت من خلال تطبيق عدة برامج في مجالات هامة، من بينها التكوين التخصصي، ورفع جودة التدريب والتأهيل واستعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال وكذا تعزيز العمل وفقا لمبادئ الشرطة الجوارية.