شكلت قضية تعامل الإعلام العربي مع الثورة التحريرية الجزائرية، محور ملتقى دولي احتضنته جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة يوم الخميس الفارط، بمشاركة عدد من الإعلاميين العرب والجزائريين، الذين سلّطوا الضوء على التجربة المصرية في التعامل مع أحداث ثورة التحرير، وخصوا بالذكر جريدة "الأهرام" كنموذج، وهو الملتقى الذي افتتحه السيد سعد الدين نويوات ممثل رئيس الجمهورية، بحضور وزير الثقافة عز الدين ميهوبي، والمدير العام للأرشيف الوطني عبد المجيد شيخي. وأكد الدكتور محمد فايز فرحات محمود مدير عام مؤسسة "الأهرام" المصرية، أن المقالات الصادرة بالجريدة التي تحتفل بالعيد ال140 لتأسيسها والتي تُعد أقدم مؤسسة إعلامية عربية، قد لعبت دورا هاما في توجيه الرأي العام وفي دعم ومساندة الثورة الجزائرية، مضيفا خلال الكلمة التي قدّمها على هامش فعاليات الملتقى، أن المسألة لم تقتصر وقتها على ما هو مكتوب فقط، وإنما كان التركيز على مضمون الأخبار والمقالات، حيث واكبت "الأهرام" الثورة الجزائرية مند بدايتها وبداية ملامحها، وهو الأمر الذي لعب دورا في توجيه الصحف الأخرى للقضية الجزائرية وقتها. وقال ضيف الجزائر إن مؤسسة "الأهرام" حاولت خلال هذا الملتقى الهام، تقديم عيّنة بسيطة جدا مما كُتب في جريدة "الأهرام" مند بدء الثورة الجزائرية، مضيفا أن مضمون الأرشيف كان داعما قويا للثورة الجزائرية. وأكد أن هذا الأرشيف تم تنظيمه وفق مناهج وقواعد علمية من طرف مركز متخصص تابع للمؤسسة، يسمح بالاطلاع على أي موضوع تم تناوله في الجريدة أو ملاحقها الأدبية، السياسية وغيرهما. واعتبر الدكتور محمد فايز فرحات محمود أن الإعلام المصري من خلال "الأهرام"، حاول وقت الثورة الجزائرية، لفت الأنظار بأن هناك شيئا يحدث بالجزائر، وتحدّث عن الثورة وعن أبطالها وقياداتها، مما أثر، حسب رأيه، على الصحف الأخرى التي سارت في نفس الاتجاه، مضيفا أن عملية نقل الأخبار كانت تتم، من خلال الاعتماد على المراسلين بالأساس، في ظل قلة وسائل الاتصال وقتها وضعفها، مشيرا إلى أن المطّلع على الأرشيف الذي تناول أحداث الثورة الجزائرية، يجد أن جميع المقالات كانت تُمضى من طرف مراسل خاص للأهرام، وهي إحدى ميزات الجريدة منذ نشأتها. وقال المدير العام لمؤسسة الأهرام المصرية، إن وسائل الإعلام العربية مطالَبة بوضع طموحات شعوبها على الطريق الصحيح؛ من خلال تقديم رؤية موضوعية وحقيقية أمينة تلتزم بالمسؤولية الأخلاقية، السياسية والاجتماعية، لنقل الواقع المعيش وتحدياته، مضيفا أن هناك بعض الوسائل الإعلامية التي لعبت دورا سلبيا في تحريف نضال الشعوب العربية على خلفية الربيع العربي. من جهته، أكد الدكتور عبد اللطيف عمران، مدير عام ورئيس تحرير دار البعث السورية، أن قوات الاحتلال الفرنسي حاولت مرارا التأثير على وسائل الإعلام السورية، قصد تحريف رسالتها والتضليل، ومنعها من التأثير على الرأي العام العربي والسوري تجاه القضية والثورة الجزائرية، وقال إن الصحف السورية كانت تتناول أخبار الثورة الجزائرية، وما يحدث على أرض الواقع ليس بشكل يومي، لكنه أضاف أن أحداث وأخبار الثورة الجزائرية لم تنقطع في الصحف السورية من باب دعم قضية عادلة من جهة، ومن جهة أخرى دعم دولة عربية في نضالها للاستقلال في إطار الدفاع عن العروبة. واعتبر المدير العام ورئيس تحرير دار "البعث" السورية، أن الماضي شبيه بالحاضر، حيث وصف ما عانته الجزائر من تحريف لمسار نضالها ضد المستعمر كما تعيشه سورية اليوم؛ من ضغط ومحاولة لتدميرها وتمزيق أرضها، مضيفا أن الدول التي وقفت مع الجزائر إبان ثورتها، هي نفس الدول التي تقف اليوم مع سوريا في محنتها، وأكد أن الشعب السوري سيخرج منتصرا رغم كيد الكائدين. وقدّم الدكتور الفلسطيني عيسى عبد الحفيظ مداخلة حول الثورة الجزائرية في صحافة المشرق العربي، معتبرا أن سوريا ومصر هما من أكثر الدول العربية التي قدمت دعما للثورة الجزائرية، مضيفا أن سوريا وإلى حد الساعة، لم تتخلّ عن مواقفها النبيلة تجاه الشعب الفلسطيني ولا تفرق بينه وبين شعبها، وقال إن أحد أهم الأسباب في تفهّم الشعب السوري للقضية الجزائرية إبان الثورة التحريرية وإدراكه لمعاناة الجزائريين، هو وجود الأمير عبد القادر وحاشيته التي استقرت في الشام. الأستاذ المحاضر في مادة العلوم السياسية بالأكاديمية العسكرية بجامعة الاستقلال بفلسطين، قال إن الجالية الجزائرية التي كانت موجودة بسوريا، ساهمت بشكل فعال في تعزيز الروابط بين الشعبين، وإن الموقف الرسمي لسوريا الذي جاء على لسان رئيس مجلس النواب السوري معروف الدواليبي، أعلن صراحة، سنة 1951، استنكار الاستعمار الفرنسي للجزائر مطالبا باستقلال هذا البلد العربي، وهو الأمر، حسب المتدخل، الذي أثار حفيظة فرنسا، التي دبرت وشجعت الانقلاب على حكومة ذلك الوقت. وأكد المحاضر أن حكومة صبري العسلي كان لها دور بارز في إدراج القضية الجزائرية في مؤتمر دول عدم الانحياز بباندونغ سنة 1961. كما تحدّث المتدخل عن موقف البرلمان العراقي من الثورة الجزائرية، مؤكدا أن ما جاء في الصحافة العراقية وقتها، كان يعكس توجه قيادة البلاد، الداعي إلى تحرير الجزائر وتحميل المجتمع الدولي مسؤولية المجازر التي كانت تقترفها فرنسا، كما حمّلت المسؤولية بعض الدول العربية التي كانت تلتزم الصمت. وفي الأردن، يضيف المحاضر، دعت وسائل الإعلام عبر خطاب الملك حسين بن طلال، إلى مساندة الثورة الجزائرية والجهاد دينا وعروبة وسياسة، واعتبرته أمرا محتّما وواجبا، وهو الأمر الذي دفع ضباط الجيش الأردني يتبرعون براتب شهر لصالح الثورة الجزائرية. وقدّم طارق شريف، عضو اتحاد الصحفيين السودانيين ورئيس تحرير جريدة "حدس"، مداخلة، تحدّث فيها عن دعم "الأهرام" المصرية للثورة الجزائرية، مضيفا أن الإعلام السوداني هو الآخر وقف وقفة كبيرة مع الثورة الجزائرية، شأنه شأن المواقف السياسية، وقال إن الإعلام السوداني كان له شعور وطني خالص لدعم هذه الصورة من منطلقات إنسانية نابذة للاستعمار، وأن أول موقف إعلامي سوداني مساند للجزائر في قضية تحررها، كان في الإذاعة السودانية التي تأسست سنة 1940، من خلال بث الأغاني الجزائري التحررية، مضيفا أن جريدة الرأي العام السودانية التي أنشئت منتصف الأربعينات والتي تُعد من أهم الصحف بالسودان، عبّرت عن الضمير الواعي للثورة الجزائرية، ونقلت قصص الثوار ومعاناتهم في سبيل تقديم صورة كاملة عن هذه الثروة. وعرف الملتقى العديد من المداخلات القيّمة التي تناولت قضية الثورة التحريرية بمختلف وسائل الإعلام العربية، وكذا مداخلات عرّفت بأبطال الثورة الجزائرية، وعلى رأسهم المجاهدة جميلة بوحيرد التي تناولتها الصحافة المصرية بإسهاب خاصة في جريدة الأهرام. وكان وزير الثقافة عز الدين ميهوبي ذكّر، خلال كلمة الافتتاح، بالصدى الكبير للكتابات الصحفية والحصص الإذاعية العربية، و«أثرها المحفّز في صفوف المجاهدين والشعب الجزائري، الذين وجدوا أنفسهم مقتنعين أكثر بعدالة قضيتهم، وعازمين أكثر على مواصلة الكفاح المسلح والتخلص من الاستعمار". ومن جهته، أكد المدير العام للأشيف الوطني السيد عبد المجيد شيخي على "الأثر المعنوي" للحصص الإذاعية المخصصة للثورة الجزائرية، مذكرا بباقي الدول العربية التي تبنت القضية الجزائرية، ووضعت وسائل إعلامها في خدمة ثورة نوفمبر.