يؤكّد الفنان حمزة فوغالي في هذا الحوار الذي خصّ به "المساء"، أنّ الفنان يحتاج إلى الاهتمام والعناية، خاصة أنّه في "جهاد دائم"، حيث غالبا ما يعاني "الغربة" والابتعاد عن أهله، لكنّه صاحب قلب واسع وكبير ولا تجده -رغم ظروفه المعيشية الصعبة- ينقم على بلده، بل دائما يردّد عبارة "تحيا الجزائر". ❊ كلمة عن مشاركتك في إطار تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة العربية"؟ — شرف كبير أن نكون حاضرين في هذه التظاهرة الثقافية الكبيرة، وأثمّن هذه المبادرة التي أعتبرها فرصة سانحة للقاء بين الفنانين والمثقفين من كلّ ربوع الوطن، كانت فرصة للتعارف داخل المجال الفني والثقافي وحقيقة الفرحة كانت كبيرة، ولولا هذه المهرجانات والمناسبات الثقافية، لكان لقاء الفنانين فيما بينهم من الأمور التي يصعب تحقيقها، أشكر القائمين على هذه التظاهرة التي سمحت بجمع ثقافة، عادات وتقاليد المناطق الجزائرية، فكانت جسور تواصل ومحبة بين الشرق والغرب، الجنوب والشمال. ❊ إذن هذه المناسبات مفيدة للفنانين، حسب رأيك؟ — صحيح، هي لقاءات مفيدة جدا، خاصة من ناحية نسج علاقة بين مختلف الفنانين الجزائريين وحتى الأجانب، لكن الفنان وزيادة على ضرورة توفير الظروف له للمشاركة في مختلف المهرجانات واللقاءات الفنية والثقافية، هو بحاجة إلى العناية والاهتمام، لا يجب أن ننظر إلى الفنان نظرة ضيقة ونشبهه باللوحة الزيتية التي نلمعها عندما نحتاجها، ونتركها عرضة للغبار والإهمال عندما لا نحتاجها. ❊ بالحديث عن وضعية الفنان الجزائري، لمسنا من حديثك عدم الرضا، هل من إضافة؟ — الفنان الجزائري يعاني، وأغلب الفنانين لم ينالوا أية استفادة مادية من العمل والتضحيات التي قدموها طوال سنوات عديدة من عمرهم، باستثناء الشهرة وحب الناس لهم، الفنان يتعب ويعاني من الغربة والبعد عن أسرته وعائلته، فهو في جهاد دائم، وفي المقابل لا يجد ما يسدّ به رمقه ويلبي احتياجاته ويضمن له العيش الكريم له ولعائلته، أنا شخصيا لو لم أكن أتلقى تقاعد وظيفتي عندما كنت عاملا في المستشفى، لكان الأمر جد صعب عليّ في تدبّر معيشتي، ورغم هذه الوضعية المزرية، فالفنان يحمد الله، له قلب واسع وكبير ولا تجده -رغم ظروفه المعيشية الصعبة- ينقم على بلده، بل بالعكس هو دائما يردّد عبارة "تحيا الجزائر". ❊ لكن هناك قانون الحماية الاجتماعية للفنان وغيرها من مساعي تحسين ظروفه الاجتماعية، ألا تشجعّك هذه المبادرة؟ — حقيقة، سمعنا عن هذه المبادرة وعن البطاقة المهنية للفنان، التي من المفترض أن تقدّم العديد من الامتيازات، لكننا صراحة لم نلمس أيّ تغيير على أرض الواقع، وأحدثكم عن واقعة حدثت لي شخصيا، عندما نزلت بأحد الفنادق وقدمت بطاقة الفنان في مكتب الاستقبال، تفاجأت بتأكيد الموظف في الفندق أنّ هذه البطاقة غير مجدية ولا فائدة منها، إذن ما فائدة هذه البطاقات التي وزّعت علينا من طرف الوزارة إذا كانت لا تحمل أية مزايا؟ من جهة أخرى يبقى القانون الخاص بالفنان غامضا ولا تعرف عنه الكثير، نتمنى من وزير الثقافة أن يتدخل في الأمر من أجل توضيح الأمور والإسراع في تطبيق قانون الفنان على أرض الواقع. ❊ بالرجوع إلى مسيرتك الفنية التي لا ينكرها إلا جاحد، خاصة في دور "ما مسعودة"، هل ندم حمزة فاغولي على دخوله الفن والتمثيل؟ — صراحة، ندمت على دخول مجال الفن والتمثيل، وسأمنع أبنائي مستقبلا من دخوله.. من يريد الفن فليجعله أمرا ترفيهيا ولا يجب أن يعتمد عليه من أجل الاسترزاق، صحيح أنّ حمزة فاغولي ربح حب الناس والجمهور الذي دعمنا كثيرا في كلّ تنقلاتنا، إلاّ أنّه لو يعاد الزمن لما اخترت هذا الطريق، كنا نربي الأجيال ونفرّط في أبنائنا، كنت أرى أبنائي سوى 5 أيام في الشهر، بسبب العمل والمقابل...!؟ لا أدري، وأروي لكم حادثة ستبقى راسخة في ذهني ما حييت، كنت يوما مدعوا إلى حفل بالجنوب نظّمته شركة "سوناطراك"، وكان معي فنان موسيقي، عندما كنا على طاولة الأكل، كان ذلك الفنان يذرف الدموع وعندما استفسرت سبب بكائه، أخبرني وليته لم يخبرني، قال بأنه لم يأكل اللحم منذ سنتين، هي وضعية صعبة حقا للفنان والمشكل أن الأمور تزداد سوءا دون انتباه الوصاية، المهم نحن صابرون والمثل يقول "الصابر ينال". ❊ ولكن لا يجب على الفنان الاتكال فقط على الدولة، هناك مؤسسات إنتاج خاصة و"كل وشطارته"!؟ — صحيح ما تقولون، لكن هذا الأمر بالنسبة للعارفين يبقى نظريا فقط، فالسينما في الجزائر وخاصة في العاصمة، هي "سينما الأصدقاء"، إذا كان لك صديق بالعاصمة ومعارف، ستكون ضمن المحظوظين الذين يتصل بهم من وقت إلى آخر للمشاركة في أعمال فنية، أما إذا كان العكس فستكون من التعساء المغضوب عليهم والمهمّشين.. في العديد من المرات التي يسألني جمهوري عن الغياب وعن عدم الرجوع إلى التمثيل والمشاركة في الأعمال الفنية العديدة التي تنتج كل سنة، لا أجد الإجابة المقنعة، والحقيقة أنني لا أستطيع أن أفرض نفسي بالقوة على المخرجين، رغم أنني أملك من الخبرة 50 سنة من التواجد الفني، هم يعرفوننا ويعرفون أماكن تواجدنا وإذا أرادوا أن نكون معهم، فما عليهم إلاّ الاتصال بنا. ❊ من خلال خبرتك الفنية، هل تظن أنّ الجيل الجديد يضم مواهب فنية تستحق العناية؟ — طبعا لكلّ جيل حقه، والجيل الجديد يتمتع بمواهب يمكنها أن تحقّق نجاحات كبيرة إذا لقيت الدعم والمتابعة، نحن عندما بدأنا سلسلة "الحديقة الساحرة"، اكتشفنا مواهب جدّ رائعة وكانت تنبؤ بمستقبل كبير، لكنّها لم تلق الرعاية اللازمة، فاختفت وانطفئ نورها، كما أنّ العديد من المواهب الصغيرة التي شاركت في أفلام وطنية كبيرة، هي الأخرى اختفت ولم نعد نسمع عنها أية أخبار.. أظن أنّ الجيل الجديد لم يأخذ من الجيل القديم ولم نستطع ترك الخلف في ظلّ غياب سياسة واضحة للتكوين في هذا المجال، نتأسّف عن رحيل عمالقة مثل بوبقرة، المفتش الطاهر، رويشد، حديدوان وآخرون، دون أن يتركوا وراءهم من يحمل المشعل. ❊ وزير الثقافة دعا الخواص إلى الاستثمار في القطاع الثقافي، وهناك اهتمام أجنبي بالسينما، هل سيساهم هذا حسب رأيك في دفع السينما الجزائرية؟ — صراحة.. إذا لم تتغيّر الذّهنيات السائدة في الوسط الفني ببلادنا وبقي الاعتماد على المحسوبية و"المعريفة" بعيدا عن الكفاءات والاحتراف، لن تغيّر هذه الأمور أيّ شيء في تطوير السينما الجزائرية بالخصوص، وقطاع الثقافة بشكل عام. ❊ من خلال احتكاكك الدائم بمجال السينما والتمثيل، ما الفرق في رأيك بين الجزائر ومصر التي جعلت من السينما قطاعا اقتصاديا؟ — في مصر توجد أبحاث ودراسات كثيرة كانت في خدمة تطوير السينما المصرية وفق منهجية علمية، كما أنّ هناك أساليب الترويج والتسويق الحديثة التي اعتمدت، حيث أصبح القطاع السينمائي سوقا مفتوحة تباع فيها الأفلام وتحقّق أرباحا كبيرة من خلال عروض قاعات السينما أو البيع للقنوات الخاصة، على عكس ما هو قائم في الجزائر، حيث ينتج الفيلم، ويبقى المنتج في انتظار القطاع العمومي أو الدولة من أجل شراء منتوجه، لم ندخل بعد إلى الاحترافية في غياب مؤسّسات خاصة لتسويق الأفلام. ❊ وأنتم كفانين، أين محلكم من الإعراب في ظلّ هذا الواقع المعيش؟ — أظن أنّ الفنان هو أوّل من يتأثّر في حالة كساد السينما، وهو من يستفيد في حالة ازدهارها، نحن نقدّم محاولات شخصية كلّ حسب مقدرته، ربما تبقى محدودة، لكننا نصرّ على تبليغ الرسالة النبيلة ونريد أن نوصلها إلى الأجيال المقبلة، سواء عن طريق السينما أو حتى عن طريق المسرح أو الحصص الإذاعية، فأنا شخصيا أقوم بزيارة المدارس لتقديم عروض تربوية في قالب فكاهي من أجل زرع الأفكار النيرة في عقول التلاميذ ونشر الأخلاق الحميدة، على غرار التمسك بالصلاة والمحافظة على البيئة وطاعة الوالدين، ورغم هذا نواجه بعض الصعوبات من طرف بعض المعلمين الذين لا يرون في هذا العمل الفني إلا جانبه المالي. ❊ ماذا تمثّل لك شخصية "ما مسعودة" في "الحديقة الساحرة"؟ — أنا فخور بتجسيد هذه الشخصية، لقد أثّرت "ما مسعودة" في جيل بأكمله، وقد كنت الأم الثانية للأطفال من خلال النصائح التي كنت أقدّمها لهم من خلال حديدوان، من أجل تربيتهم وتنشئتهم على الطريق الصحيح، بعيدا عن الانحراف، أشعر بفخر كبير عندما أجد إطارات في الدولة سواء في القطاع المدني أو العسكري، والذين يخبروني بأنهم كانوا من متابعي وعشاق "الحديقة الساحرة" وأنّهم ترعرعوا على مبادئ ونصائح "ما مسعودة"، أكشف أمرا أنه من بين أمنياتي قبل الموت هو رؤية "الحديقة الساحرة" من جديد على شاشة التلفزيون الجزائري، وقد طلبت شخصيا من رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة عندما التقيته في مناسبة فارطة، بإعادة بعث الحياة في سلسلة "الحديقة الساحرة" أو إخراجها من الأرشيف وإعادة بثها. ❊ ما هو شعورك عندما تتذكّر الفنان الراحل محمد يكاش المعروف بشخصية "حديدوان"؟ — فقدت الساحة الجزائرية اسما لامعا، هو محمد يكاش المكنى بحديدوان، عملنا مع بعضنا كثيرا في سلسلة "الحديقة الساحرة"، وكان فنانا موهوبا ومربيا.. أظنّ أنّ الساحة الفنية لن تخلف اسما مثل حديدوان، لقد كنا مثل الفريق الوطني لسنة 1982، كانت الوطنية تجري في دمائنا ولا نعير أيّ اهتمام للجانب المالي، على عكس واقع السينما والتمثيل اليوم، التي أصبح الممثل فيها يبحث عن الربح المادي أولا قبل كلّ شيء. ❊ هل من مشاريع في الأفق؟ — أنهيت مند مدة قصيرة تصوير فيلم "طاولة العمليات"، الذي بدأ تصويره في ولاية برج بوعريريج وأنهيانا التصوير بولاية وهران من إخراج مسري الهواري، قصة الفيلم تحكي عن "الجورة" (الجيران) وعن العلاقة بين أخوين، حيث يقدم أحدهما على قتل الآخر، كما أحضر لمسلسل لشهر رمضان مع نفس المخرج، وهنا نرجع إلى العمل المناسباتي، حيث تتناول كل حلقة من حلقات هذا المسلسل موضوعا مختلفا، بطل هذه الدراما شيخ مجاهد يدعى "عمي العربي"، ويصوّر المسلسل يومياته والروتين الذي يعيشه، وأحضر أيضا لتصوير الجزء الرابع من فيلم "بوضو". ❊ هل من كلمة أخيرة؟ — أشكر كلّ من يمد لنا يد المساعدة، على غرار مديرية الثقافة في ولاية تيارت، التي تتذكرنا من وقت إلى آخر، كما أطلب من المسؤولين بوزارة الثقافة، المزيد من الاهتمام بالفنان وتوفير فرص عمل خاصة للذين لا يملكون أيّ عمل سوى التمثيل، أتمنى الاهتمام أكثر بالفنانين في حياتهم قبل مماتهم، كما أوجّه كلمة إلى الجمهور الجزائري العريض وأتمنى من خلالها لكل العائلات الجزائرية السعادة وتحقيق أمنياتهم.