شقّ طريقه الفني في التمثيل عبر التلفزيون، محقّقا رغبة قاومته وهو في بدايات الطريق، تلك الرغبة في الوصول إلى محاكاة الماضي، من خلال التاريخ وهي تجربة ليست بالسهلة، خاصة وأنّ الفرصة الأولى في الظهور أمام الجمهور والشاشة الصغيرة لتبدو سهلة إلا إذا كان المرء يمتلك الإرادة في المزج بين الحقيقة والخيال، لأنّ تقمّص الأدوار ليس بالأمر السهل. إنّه الفنان جزار زيان، الشاب الطموح صاحب المواهب المتعددة، خريج أعرق مدرسة في القيم والأخلاق الكشافة الإسلامية، من الإنشاد إلى الموسيقى إلى الكتابة الأدبية، إضافة إلى عمله التطوعي في الحركة الجمعوية من خلال جمعية فرسان الخير لمدينة بريكة ومنصبه كنائب رئيس لها. «الشعب» التقته وأجرت معه هذا الحوار بعد الدور الذي حقّقه في الفيلم الذي تمّ بثه في شهر رمضان. ^ هل لكم أن تخبرونا كيف جاءت فكرة التمثيل؟ ^^ الفنان جزار: التمثيل حلم راودني منذ الطفولة، فلطالما أحببته بحيث أتذكّر لمّا كنت صغيرا كنت أقابل المرآة وأبدأ بتقليد شخصية لبطل فيلم أو مسلسل ما، وكنت دائما شغوفا بمعرفة كواليس التصوير والتمثيل والإخراج، كنت دائما وأنا تلميذ بالمتوسط أقرأ الروايات لمصطفى المنفلوطي وألف ليلة وليلة، وكنت أعيش الحالة النفسية للبطل في القصة، محاولا محاكاة شعوره وكلامه، وأنا مقابل للمرآة. بعدها بدأت احتكّ بالمجال، بصفتي عضوا في اتحاد الكتاب وأحيانا بصفتي عضوا بالفرقة الإنشادية وجدت نفسي مجذوبا متيّما بمجال الفن حتى آتت الفرصة لكي أعمل في إحدى المسلسلات في مجال الاكسيسوار، فرآني المخرج الأردني الغني عن كل تعريف الأستاذ كمال اللحام، فأعجب بأدائي ورجّحني لدور في مسلسله، بعد أن طلب منّي في مقهى أن أقدّم عرضا له فأبهرته، ومن هنا كانت البداية. ^ ما هي أهم الأعمال التي شاركتم فيها؟ ^^ من أبرز الأعمال التي شاركت فيها هي المسلسل التاريخي الجزائري الضخم «فرسان الهقار» المنتج من طرف التلفزيون الجزائري بمشاركة الشركة المنتجة المنفذة (فضاء لقاء برود). المسلسل يسلّط الضّوء على كفاح ونضال سكان الهقار والطوارق ضد المستعمر الفرنسي، حيث كان عملي فيه دور المقران، ذلك الشاب في العشرينات من عمره، وسيم جدا في فرقة تدعى جاراكار المكونة من شباب وبنات تجوب الصحراء لإحياء الحفلات في مدنها الرئيسية، حيث تصادفت مع مدينة تمنراست فأرادت الاستقرار بها، ولكن واجهتهم صعوبات من بعض الشيوخ المتشددين ونبذونها لأنها فرقة غنائية تنشر الفساد بزعمهم، لكن المقران بدت له فكرة أن يبدأ التعلم في الجامع من كتابة وقراءة وحفظ القرآن قصد تحسين صورة الفرقة، وتغيير وجهتها الغنائية إلى وجهة أخرى ذات طابع ديني محافظ. باختصار المسلسل تطلّب جهدا ماديا كبيرا، وكان بفريق ضخم حيث أن الممثلين كانوا مزيجا بين وجوه فنية معروفة جزائرية وسورية، كما أن العمل كان صعبا بسبب ظروف الصحراء القاسية من حرارة مرتفعة نهارا وشديدة البرودة ليلا، مع مخاطر الإصابة بلدغات الأفاعي والعقارب، لكن الجو كان حماسيا والعمل كان ممتعا، حيث لم نشعر بطول الشهور التي تطلّبها هذا العمل الإبداعي. ^ ماذا قدّمت لكم هذه التجربة؟ ^^ بعون الله بعملي هذا تعلّمت الكثير من خلال احتكاكي بوجوه فنية مشهورة السورية والجزائرية، منهم النجم السوري فايق عرق سوسي وسهيل حداد ورواد عليو ويارا السكرية، والنجم الجزائري عبد القادر شلول وعبد القادر جريو وأحمد دحام ومحمر بن بركيتي، ناهيك عن الطاقم الفني من المخرج الأستاذ كمال لحام ومدير التصوير الأستاذ محمود لأفي ومهندس الصوت شاهين، وهم طاقم غني عن كل تعريف برصيدهم الضخم في الأعمال العربية من أفلام ومسلسلات وأشرطة وثائقية. كل هذا الاحتكاك والعمل معهم ساهم في تطويري وصقل مهاراتي كممثل صاعد يحلم بالكثير وطموحه بعيد. ^ هل أنتم من تختارون الأدوار أم المخرج؟ ^^ قد يختار المخرج أو أختار أنا، حسب دور الشخصية في العمل الفني، الاختيار مرهون بما أريد تجسيده وبما يتطلّبه الدور، لذا فأنا أريد أدوارا تناسب طموحاتي وآمالي وبما أرى نفسي قادرا عليه، فأنا في كل أموري أقصد الأفضل أو لا شيء، أي أحب إتقان الأمور وعملها على وجهها الصحيح بلمسة إبداعية تعبر عن شخصي وانفعالي في الدور المراد تجسيده. ^ من خلال هذه التجربة التي تعتبرها أول الغيث انطلاقا من الدور الذي أديتموه في شخصية المقران، هل تلقّيتم عروضا أخرى؟ ^^ الآن تلقّيت عروضا أخرى وأنا بصدد دراستها والتحضير لعمل جيد الشهر القادم، وأتمنّى أن يكون حضوري هذا المرة في أحسن صورة، لأنّ رغبتي في تحقيق المراد حلم راودني وأظن أنّ تجربة «فرسان الهقار» هي فاتحة الطريق أمامي إن شاء الله. ^ مؤخرا قامت وزيرة الثقافة بفتح باب التشاور مع الشركاء في الحقل الثقافي، ما تعليقكم على هذه المبادرة؟ ^^ الجزائر بإمكانها تقديم الأفضل فنيا وثقافيا والذي سيوصلها للريادة، لأنّنا نملك طاقات خام كبيرة في كل الميادين من السينما والمسرح والإبداع والإخراج والكتابة والتصوير..وغيرها، كما نمتلك أجيالا صاعدة تحتاج صقلا من الخبرات التي توفرها هاته الشركات مع وجوه وامكانيات خارجية التي بدورها ستبرز امكانياتنا من باب المقارنة، كما أنّه من الرائع تجسيد صورة تاريخنا وحضارتنا وثقافتنا بأفلام ومسلسلات تحاكي واقعنا من عادات وتقاليد وموروثات وأعراف ولهجات وغيرها، أنا أرى ما قامت به الوزيرة شيء جميل سيكون له ثماره. ^ هل يمكن القول إنّ الجيل الجديد قادر على حمل المشعل؟ ^^ بكل تأكيد هو قادر على حمل المشعل، الجيل الجديد كله شباب وحيوية وطاقة ونشاط، وفيه رغبة كبيرة لتمثيل الجزائر في المحافل الدولية، فهذا الجيل توفّرت له من الإمكانيات ما لم تتوفّر في الأجيال السّابقة، وهذا راجع للدّور الفعّال لوزارة الثقافة والتلفزيون الجزائري والإذاعة الوطنية، والفضل للأجيال السابقة من الفنانين والممثلين الذين كان لهم دور فعّال في تعبيد الطريق للأجيال التي من بعدها، إن شاء الله يكون في المستوى وأكثر. ^ هل من كلمة أخيرة؟ ^^ شكرا لجريدة «الشعب» على هذه المساحة التي خصّصتها لي عبر صفحاتها، وفتحت لي نافذة أمام القرّاء والمشاهدين، متمنيا أن يكون دوري في «فرسان الهقار» قد نال إعجاب المشاهد الكريم الذي عرض في شهر رمضان، مع أنّ غزة تنزف دما للأسف، وترقّبوني في عمل قادم أكبر إن شاء الله وأكون فيه أكثر تألّقا وإبداعا.