اختتمت، أمس، الدورة الخريفية للبرلمان بحضور سلال وحكومته، تحت وقع قوي لمشروع الدستور المعروض للمصادقة الأحد القادم أمام نواب الغرفتين. لذلك ارتكزت مداخلة رئيس مجلس الأمة السيد عبد القادر بن صالح على أهمية موعد الأحد وإبراز المكاسب التي جاء بها الدستور الجديد الذي يعتبر تتويجا للإصلاحات السياسية التي وعد بها رئيس الجمهورية، وجاء موعد تنفيذها التزاما بوعوده الانتخابية. وهو نفس المسعى الذي رافع من أجله رئيس المجلس الشعبي الوطني الدكتور ولد خليفة الذي ثمّن المكاسب. بن صالح وولد خليفة لم يفوتا أيضا فرصة التطرق إلى الدورة البرلمانية المنتهية، والتي تميزت بحركية كبيرة في ظرف استثنائي، ما يقتضي من الجميع رص الصفوف وتوحيد المواقف بعيدا عن التشاؤم. بن صالح: حرية الرأي حق للجميع، لكن نرفض التضليل اختتم مجلس الأمة أمس أشغال دورته الخريفية لسنة 2015 في جلسة علنية ترأّسها رئيس المجلس عبد القادر بن صالح، حضر مراسمها رئيس المجلس الشعبي الوطني محمد العربي ولد خليفة والوزير الأول عبد المالك سلال، إلى جانب أعضاء من الطاقم الحكومي. وأكد عبد القادر بن صالح بالمناسبة، أن رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة جسّد الإصلاحات المعلن عنها في شتى القطاعات عمليا؛ من خلال إصدار الدستور، وهو الموقف الذي يبين بأن المسألة لم تكن مجرد كلام، بل إنجاز وجد ترجمته في تلك الوثيقة المرجع التي ستقدَّم للبرلمان. أدرج بن صالح مسألة التصويت على مشروع تعديل الدستور في خانة الدلائل التي تبرهن على مدى الحيوية التي تعرفها البلاد تحت قيادة رئيس الجمهورية، مضيفا أن ذلك يبرهن أيضا على أن الجزائر اختارت السير للأمام، ولن يوقفها في مسيرتها أحد، وهي ستواصل سيرها بغضّ النظر عما يقوله هؤلاء أو يدعيه أولئك. وانتهز بن صالح الفرصة للتطرق للتراشقات الكلامية التي شهدتها مؤخرا الساحة الوطنية حول السرد التاريخي لبعض الوقائع التي عرفتها الجزائر، وهو ما اعتبره أمرا لا يعدو في الحقيقة أن يكون فتح جرح عميق كنا نعتقد أنه قد اندمل. وإن حرص رئيس الغرفة العليا للبرلمان على تجنّب الخوض في دواعي وخلفيات ونوايا من يقفون وراء هذه التصريحات التي أدرجها ضمن حق الجميع في إبداء الرأي وتقديم الشهادة عن الوقائع التاريخية والأحداث الهامة في مسار الدولة، إلا أنه لفت إلى أن الحكمة تقتضي في هذه المرحلة تحديدا، التحلي بواجب التحفظ. ومن هذا الصدد، أكد بن صالح على أن الحقائق التاريخية لا يمكن أن تُتخذ ذريعة للتضخيم أو التقليل من دور أيٍّ كان في مرحلة من مراحل التاريخ، مضيفا أنه وإن كان الإدلاء بشهادات تاريخية من قبل صانعيها يُعد عملا محمودا إلا أن تحوّلها إلى مزايدات وتصفية حسابات لا ينجو منها أحيانا حتى الأموات، أمر مرفوض. وعاد بن صالح، من جهة أخرى، للحديث عن الوضع الاقتصادي الذي تمر به البلاد، على غرار دول العالم جراء تراجع أسعار النفط، وهو ما يُعد حقيقة، لكنه شدد، بالمقابل، على عدم إغفال حقائق أخرى، منها أن الجزائر سبق لها أن عرفت أوضاعا صعبة مماثلة تمكنت من اجتيازها. وأعرب في هذا الصدد عن قناعته بأن الجزائر بمقدورها مواجهة الوضع الاقتصادي الحالي، خاصة بالنظر إلى الإمكانيات التي تزخر بها والخبرة المتوفرة لدى أبنائها، والوعي الكبير الذي يتسلح به شعبها. وعلى المستوى الداخلي ذكر رئيس مجلس الأمة بأنه على الرغم من التراجع المستمر لأسعار النفط، إلا أن المشاريع الكبرى متواصلة، والتحويلات الاجتماعية لفائدة الشرائح الاجتماعية لم تُلغ ولم تتعطل وتيرتها. الأعضاء مطالَبون بتحديد المواقف من مشاريع قوانين حساسة للتكيف مع الدستور أكد رئيس مجلس الأمة أن أعضاء المجلس مطالَبون بدراسة وتحديد المواقف من مشاريع قوانين عضوية وعادية حساسة عديدة؛ قصد تكييفها مع المبادئ والأحكام الدستورية المستحدثة التي ستحملها الوثيقة القانونية السامية للبلاد، موضحا: "نحن مطالَبون في هذه الدورة أو في الدورات القادمة، بدراسة هذه القوانين وإثرائها بما يتلاءم وطموحات الشعب". كما يستدعي أيضا دراسة وإثراء هذه القوانين - يضيف بن صالح - بما يتناغم مع عملية التجديد والإصلاح التي انتهجتها البلاد تحت قيادة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بحكمة ورزانة، بعيدا عن كل مغامرة غير محسوبة العواقب، تفضي إلى الفوضى أو الانحراف المفكك للوحدة الوطنية وانسجام المجتمع الجزائري. وأشار رئيس مجلس الأمة في هذا الإطار، إلى أن هذه الدورة الخريفية للمجلس، ميّزها قرار رئيس الجمهورية إحالة مشروع تعديل الدستور على البرلمان بغرفتيه، والذي أتى بعد مشاورات واسعة دامت فترة ليست بالقصيرة، وعرف محطات حوار عديدة، مكّنت الرئيس بوتفليقة من تضمين العديد من مقترحاتها في الوثيقة المقترحة. ويرى رئيس مجلس الأمة أن إتمام المراجعة الدستورية سيُدخل بذلك الجزائر في عهد جديد كان ينتظره أغلب الجزائريين، عهد يقوم على قواعد استكمال بناء الدولة الحديثة، الذي سيتيح المجال أمام السلطات العمومية لتدشين ورشات سياسية وقانونية عديدة؛ حيث سنكون نحن أعضاء المجلس مدعوّين إلى الإسهام في دراستها، وتحديد الموقف منها". وعرض رئيس المجلس، بالمناسبة، حصيلة الجهد الذي بذلته هذه الهيئة في مناقشة القوانين والمصادقة عليها، لتزويد البلاد بتشريع منسجم لتنظيم ومراقبة مختلف جوانب الحياة في كل الميادين. وأشار، في هذا السياق، إلى قانون المالية التكميلي لسنة 2015 وقانون المالية لسنة 2016 وقانون العقوبات المعدل وقانون الإجراءات الجزائرية المعدل والمتمم ونص القانون المعدل والمتمم للأمر المتعلق بالقانون التجاري والقانون التوجيهي حول البحث العلمي والتطوير التكنولوجي. ولاحظ بن صالح أن هذه الدورة عرفت نشاطا رقابيا مألوفا، حيث نظم المجلس عدة جلسات لطرح الأسئلة الشفوية وتوجيه عدد من الأسئلة الكتابية، خاصة ببعض القطاعات الوزارية. أما في مجال الدبلوماسية البرلمانية، فعمل المجلس بالتنسيق مع الهيئات الرسمية المعنية لاسيما المجلس الشعبي الوطني، على التعريف بمواقف الدولة الجزائرية حول العديد من القضايا الإقليمية والدولية؛ سواء من خلال الحضور في المنابر البرلمانية الدولية والجهوية أو لدى استقباله الوفود البرلمانية الشقيقة والصديقة. وأكد بن صالح حرص هذه الهيئة على توفير أجواء حرية التعبير، واحترام التمثيل السياسي على اختلاف ألوانه، وذلك بقطع النظر عن وزنه العددي لتمكين المعارضة من القيام بدورها وفقا للأحكام التي جاءت بها الوثيقة السامية للبلاد، مشددا حرصه على العمل مع الهيئات الدستورية للبلاد، وتكثيف الجهود مع المجلس الشعبي الوطني لمنح النجاعة اللازمة للتنسيق البرلماني مع الحكومة؛ من خلال تكثيف وتنظيم العمل التشاوري ما بين الغرفتين وما بينهما وبين الحكومة، إلى جانب تفعيل الدور الرقابي للمجلس. واغتنم بن صالح الفرصة ليرد على الذين أعطوا أحكاما وتعاليق غير مؤسسة عن طريقة عمل المجلس، على حد قوله. وأضاف أن مجلس الأمة لم يمارس يوما سلطته الدستورية في التشريع تحت الطلب أو الضغط من أي جهة كانت. ولد خليفة: نشر اليأس ليس المقاربة الأمثل كان مشروع تعديل الدستور في لب تدخل رئيس المجلس الشعبي الوطني، محمد العربي ولد خليفة الذي اعتبر أنه تتويج ل«المشروع النهضوي التحديثي لرئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة"، مذكرا بأنه كان محل "استشارة واسعة"، بقيت مفتوحة لمدة طويلة، وأن هذه الاستشارة حققت "درجة عالية من التوافق بين الأغلبية الساحقة من الفعاليات السياسية وكل الحريصين على مستقبل الجزائر". وقال إن أمام نواب الشعب "فرصة تاريخية" لإعلاء صرح الديمقراطية والعدالة والتقدم وتعزيز النظام الجمهوري. وقال السيد ولد خليفة في كلمة اختتام الدورة الخريفية للبرلمان إن الهدف من هذا لتعديل هو "ترسيخ ديمقراطية تشاركية تجمع كل الإرادات المخلصة للوطن ولتطلعات شعبنا نحو الحرية والعدالة". وبالنسبة لرئيس الغرفة السفلى، فإن أهم ما حمله مشروع تعديل الدستور، ترسيم اللغة الأمازيغية، وكذا إبراز الديباجة لمأساة عشرية التسعينيات والعزم على الحفاظ على ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، إضافة إلى تكريسه للتداول الديمقراطي والفصل بين السلطات واستقلالية العدالة وحرية التعبير والاحترام الكامل لحقوق الانسان والمواطن وحماية وترقية المرأة في كل مجالات المسؤولية والمحافظة على الرعاية الاجتماعية ونبذ الفوارق الاجتماعية والسعي لبناء اقتصاد منتج وتنافسي وإعطاء الشباب المكانة التي يستحقها. كما أشار إلى تأكيده لمجمل المكاسب، لاسيما الحق في التعليم والصحة والسكن والعمل والضمان الاجتماعي. وبالنسبة للعمل البرلماني، فإن مشروع تعديل الدستور سمح حسب ولد خليفة - بتوسيع صلاحيات البرلمان بغرفتيه وأعطاه "دورا أكثر فعالية في علاقاته بالمؤسسات الدستورية الأخرى، وخاصة في علاقته بالهيئة التنفيذية، ومكّن المعارضة من مشاركة أقوى"، ماجعل رئيس المجلس الشعبي الوطني يقول إن البرلمان في الجزائر بحكم التعديل سيصبح "شريكا أساسيا في كثير من شؤون التدبير والتسيير". ولدى تقييمه لعمل المجلس في دورته الخريفية المختتمة أمس، أشار إلى أنه ناقش وصادق على عدد من مشاريع القوانين التي تهدف إلى "تعزيز وتحيين المنظومة التشريعية الوطنية بنصوص تهدف إلى تعميق مسارات الاصلاحات الشاملة". وذكر بأنه تم التصويت على 5 مشاريع قوانين تتعلق بالقانون التجاري والقانون التوجيهي حول البحث العلمي والتطوير التكنولوجي وقانون المالية التكميلي 2015 وقانون الاجراءات الجزائية وقانون المالية 2016. وأفرد جزءا معتبرا من تدخله للحديث عن هذا الأخير، حيث اعتبر أنه حظي "بمناقشة واسعة"، سواء على مستوى اللجنة المختصة أو في الجلسة العلنية، إلا أنه لم يفوّت الفرصة للإشارة إلى حالة الفوضى التي شهدتها جلسة المصادقة بسبب رفض بعض الأحزاب للقانون، وقال في السياق "إن واجب المصارحة الصادقة يقتضي أن نشير إلى أننا جميعا أغلبية ومعارضة ملزمون أولا باحترام النظام الداخلي لمؤسستنا التشريعية والاحتكام ثانيا إلى قواعد العمل الديمقراطي في المؤسسات الدستورية المنتخبة"، مضيفا أنه في الأنظمة الديمقراطية "يعطى الحق للأقلية في التعبير عن رأيها وليس من حقها منع الأغلبية من التصويت على أي مشروع قانون يقدم للمجلس". ودعا السيد ولد خليفة إلى تكاثف الجهود في المرحلة الراهنة لمواجهة التحديات الاقتصادية والمالية، مذكرا بالجهود التي بذلتها الدولة من الناحية التنموية، واعتبر أن التخويف من الأزمة و«نشر التشاؤم واليأس والاحباط" ليس مقاربة مفيدة لمواجهة انعكاسات هبوط أسعار الطاقة". وعبر عن اقتناعه بأن الجزائر تملك إمكانيات كبيرة في حاجة إلى استثمار، خاصا بالذكر الفلاحة والسياحة والصناعة والطاقات المتجددة. وبالنسبة للدورة الربيعية، فإن رئيس المجلس الوطني أعلن عن وجود 7 مشاريع محالة حالية على اللجان المختصة، وهي قيد الدراسة حاليا وستتم مناقشتها والمصادقة عليها في الدورة المقبلة، ويتعلق الأمر بمشروع قانون تنظيم مهنة محافظ البيع بالمزايدة ومشروع قانون مكافحة التهريب ومشروع قانون تسوية ميزانية سنة 2013، إضافة إلى مشروع قانون ترقية الاستثمار وتطوير المؤسسة ومشروع قانون يتعلق بالتقييس، وآخر يتعلق بقانون العقوبات وكذا استعمال البصمة الوراثية في الإجراءات القضائية والتعرف على الأشخاص.