يحبس البريطانيون أنفاسهم يومين قبل موعد أهم استفتاء سيحدد مستقبل المملكة المتحدة في نطاق الاتحاد الأوروبي بالخروج منه أو البقاء فيه. ودخل المؤيدون لخيار الانسحاب من أكبر تكتل اقتصادي في العالم والمعارضون له سباقا ضد الساعة من أجل كسب هذه المعركة الداخلية ذات الأبعاد الدولية رغم التحذيرات من نتائجه الكارثية في حال فاز دعاة الخروج بنتيجة هذا الاستفتاء المصيري. ورغم أن كل نتائج عمليات سبر الآراء التي أنجزت قبل أسبوع رجحت كفة الداعين لخروج بريطانيا من المنتظم الأوروبي إلا أن المتشبثين بالبقاء تمكنوا في آخر لحظة من قلب المعادلة دون حسمها بعد أن أصبحوا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق التعادل في عملية لا تقبل القسمة على اثنين. ويبدو أن عملية اغتيال النائب جو كوكس بسبب موقفها المعارض لفكرة انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي كان حاسما في تمكين المعارضين للخروج من تقليص الفارق مع المؤيدين لمثل هذا الخيار. وإذا كانت عملية الاغتيال شكلت ضربة قوية في حينها لدعاة البقاء تحت مظلة الاتحاد الأوروبي إلا أنها ما لبثت أن تحولت إلى ورقة إقناع قوية مكنتهم من استعادة الموقف لصالحهم بعد أن قلصوا الفارق بين المؤيدين والمعارضين إلى واحد في المئة بعد أن بلغت نهاية الأسبوع الماضي خمسة بالمئة. ولأن القضية عويصة ومعقدة وذات أبعاد حضارية فقد أدت إلى إحداث شرخ في مواقف الناخبين البريطانيين وحتى في صفوف الأحزاب السياسية البريطانية نفسها التي انقسم مناضلوها بين مؤيد ومعارض لفكرة الخروج. وهو ما عكسه موقف بوريس جونسون رئيس الحزب المحافظ الذي أيد فكرة الخروج في تعارض مع موقف رئيس الحكومة ديفيد كامرون الذي يبقى من أشرس المدافعين عن الخيار الأوروبي واعتبر بقاء بلاده ضمنه من أكبر المكاسب التي لا يجب تضييعها لما لانسحابها من انعكاسات كارثية على الاقتصاد البريطاني وحتى العالمي. وقال كامرون محذرا البريطانيين من مغبة تغليب كفة الخروج وشبه الانسحاب من الاتحاد بشخص قفز من الطائرة ولكنه لم يتمكن من العودة إليها عندما حاول فعل ذلك في إشارة إلى أن العودة إلى الاتحاد الأوروبي لن تكون ممكنة في حال رغبت بريطانيا في ذلك لاحقا. مقاربة قلل بوريس جونسون من أهميتها وقال حاثا الناخبين البريطانيين أن لا يخشوا شيئا في حال خرجت بلادهم من المنتظم الأوروبي لأنها قادرة على تسيير أمورها وضمان نموها الاقتصادي وبقائها قوة اقتصادية عالمية. وتحولت مختلف وسائل الإعلام البريطانية المكتوبة والمرئية إلى منابر حقيقية لهؤلاء وهؤلاء ضمن حرب دعائية بينهما من أجل إفشال خطة الطرف الآخر.