كشفت مصادر مطلعة لجريدة المساء أن اجتماع وزراء خارجية الدول الست المؤسسة للاتحاد الأوربي (ألمانياوفرنسا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورغ) قبل أيام لتدارس انسحاب بريطانيا من "الاتحاد" وانعكاساته المباشرة وغير المباشرة سياسيا واقتصاديا وحتى دبلوماسيا وأمنيا على مجموعة البلدان الأوروبية لم يجر في جو هادئ حتى وإن لم يرق إلى درجة التشنج. وكذلك الأمر بالنسبة لاجتماع القادة الأربعة الذي تبع اجتماع وزراء خارجية المؤسسين (ألمانياوفرنسا وإيطاليا وهولندا). مصادر "المساء" تحدثت عن "توتر" في تدخل الأطراف يكاد يشبه التراشق في تحميل المسؤوليات. كل طرف أراد "تبرئة" بلده من قرار انسحاب بريطانيا. لكن التوتر كان واضحا لدى المتدخلين في ذلكم الاجتماع "الاستثنائي". لم يخف المؤسسون خوفهم من امتداد فتائل التصدع والانسحابات إلى بلدان أخرى لاحقا كهولندا والنمسا واليونان وإيطاليا، أو حتى إلى بلدان حديثة الانضمام كسلوفينيا ... وتساءلوا عما إذا لم يكن انسحاب بريطانيا سيناريو شبيها بما حدث في الاتحاد السوفياتي سابقا بعد قرار روسيا غورباتشيف القيام بإصلاحات تخلصها من أثقال "المستضعفين" فيها من الجمهوريات الفقيرة التي كانت تشكل الاتحاد السوفياتي قبل "البروسترويكا". وكانت تلك الإصلاحات بمثابة بداية التفكك لأكبر معسكر شرقي. سعى المتدخلون خلال هذا الاجتماع الاستثنائي الطارئ إلى جرد كل الدوافع والأسباب المحتملة التي كانت وراء انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وحوصلوها في ثلاثة أسباب رئيسية. أولها امتعاض بريطانيا من الثنائية القطبية في قيادة أوروبا رغم المؤسسات الموجودة للاتحاد. والمقصود بالثنائية ألمانياوفرنسا. حيث بات البريطانيون عموما يعتبرون ذلك تقزيما لدورهم فى الساحة الدولية و تهميشا على الأقل إعلاميا لنفوذهم كقوة تاريخية، ألحق ضررا "معنويا" بالأجيال الجديدة من البريطانيين الذين يعتبرون أنفسهم ومكانتهم ومن ثمة بلادهم القاطرة وليس العربة المجرورة. خبراء الاقتصاد والأمن .... وراء القرار المصادر ذكرت أيضا أن القرار البريطاني لم يكن اعتباطيا أومتسرعا، بل جاء تبعا لدراسات وتقارير خبراء يحظون بالاستقلالية والبراغماتية في مواقفهم من السياسيين المستقلين عن العمال والمحافظين على حد السواء. ومن خبراء الاقتصاد والأمن والباحثين الضالعين في الاستشراف والجيواستراتيجية. التقارير التي استغرق إعدادها وقتا كافيا من الرصد والتشريح والمتابعة استندت إلى مقاربات واستنتاجات تقوم أساسا على لغة الأرقام. وبينت أن مجموعة البلدان الأوروبية وإن تقاسمت الأعباء وأثقال الفواتير، فهي لا تتقاسم "الفوائد" والمحصول. وحددت طرفين اثنين يعتبران من أكبر المستفيدين سياسيا واقتصاديا، وهما ألمانياوفرنسا. هذان البلدان والمحوران يتقاسمان أكثر من نصف السوق والاستثمارات الأوروبية. ويحتكران نسبة هامة من الاستثمارات الأوروبية خارج أوروبا، لكن بمرجعية دعم أوروبي. يكفي أن نعلم كما تؤكد تلك التقارير أن الاقتصاد الألماني في عهد السيدة ماركيل بات يشكل قرابة 60 في المائة من المنتوجات والبضائع الأوروبية المسوقة محليا أي في السوق الأوروبية، فيما هي أيضا تقريبا نفس النسبة التي تحققها عائدات السياحة في فرنسا التي تعتبر الوجهة السياحية الأولى في أوروبا، وفي العالم. وذكر الخبراء البريطانيون أن هذه القطبية وهذا التفوق "الثنائي" الألماني الفرنسي يستمد قوته أيضا من التأثير السياسي والدبلوماسي للبلدين على الساحة الأوروبية والدولية. وينظرون إلى ذلك على أنه سبب رئيسي في "تحييد" الدور البريطاني، واعتبروه شكلا من التهميش يعطي الانطباع وكأن بريطانيا مجرد "دولة" في الاتحاد الأوروبي، غير فاعلة وغير مؤثرة، بل لم تعد قوة، مما فوت عليها فرصا كثيرة في الاستثمارات وحصد الصفقات داخل أوروبا وخارجها. وهو شعور تنامى لدى الشباب البريطاني الذي باتت تحركه نزاعات للأسف جنحت إلى "التطرف" وإلى الوطنية المتعصبة، وهو شعور بات يتأجج في عديد البلدان الأوروبية الأخرى التي سبقت الإشارة إليها في مقدمة هذا الموضوع. أزمة اللاجئين عجلت الانسحاب إضافة إلى السببين السالفي الذكر اللذان كانا وراء انسحاب بريطانيا من "أوروبا"، تم سبب رئيسي يعتبر في نظر مصادر "المساء" من الأسباب التي رجحت كفة الأصوات الراغبة في الطلاق أمام المتمسكين بالبقاء، بل يعتبر سببا قويا في التعجيل بالانسحاب وهو المتعلق بالأزمة الناجمة عن تدفق اللاجئين. أبدت عديد الدول الأوروبية تحفظها في معالجة أزمة تدفق اللاجئين على أوروبا. التحفظات توزعت بين رافض أصلا لاستقبال "كوطة" من هؤلاء وتوطينهم مع المطالبة بإرجاعهم إلى بلدانهم الأصلية والاكتفاء بمساعدات خيرية واجتماعية ومالية حفاظا على النمط الأوروبي سواء كان اقتصاديا أو اجتماعيا أو دينيا... وأولئك الذين أدرجوا "الأزمة" في منظور إنساني محض، وعليه هم يدعون إلى توطين دائم أو شبه دائم للاجئين والتكفل بهم بصفة ادماجية تدريجية. هذا النزوح أصبح يشكل أزمة أمنية حركت فتائل التطرف والعنصرية، وبات هؤلاء مادة رئيسية لأحزاب اليمين المتطرف في غالبية البلدان الأوروبية وغير الأوروبية. بريطانيا تعتبر من الدول التي لم تقبل بطريقة علاج هذه الأزمة وأسلوب معالجتها. ومن ثمة استعجلت خروجها تفاديا لالتزامات عضويتها في الاتحاد الأوروبي. حروب الخليج وسوريا وليبيا .. والنيباد عن سؤال آخر لجريدة "المساء" حول تفاصيل أو أمثلة عن تلك الاختلافات التي سجلت في اجتماع برلين، ذكرت المصادر بأن ممثلي الدول الفاعلة في الاتحاد الأوروبي الحاضرة في الاجتماع المشار إليه (ألمانياوفرنسا وإيطاليا) وهي الدول الثلاث المنتمية إلى مجموعة الدول (الثمانية ناقص واحد / الدول المصنعة الأكثر ثراء في العالم) تواصلت بصراحة مطلقة خلال الاجتماع، حيث توقفت عند سببين رئيسيين لم يحظيا بدراسة متأنية وعميقة وأدرجا في خانة القرارات المتسرعة وليس الخطأ (أي بتحفظ عن استعمال كلمة الخطإ، مع أنه خطأ واضح وفاضح)، الأول يخص حرب الخليج الثانية، والتدخل العسكري في سوريا، ثم ليبيا لاحقا لقلب أنظمة الحكم تحت غطاء وضع ثورات الربيع العربي. السبب الثاني الذي شكل محور نقاش حازم وجازم في الاجتماعين المتتاليين هو عدم إعطاء الأهمية اللازمة ل "النيباد" ... (تطالعون غدا الجزء الثاني من هذه الأوراق المسربة عن لقاء برلين حول انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي / كونوا أوفياء لا تغيروا الجريدة. نحن الأقرب إليكم).