من قال إن الآلة الراقنة لم يعد لها وجود في ظل اقتحام التكنولوجيا عالمنا اليوم، فعلى الرغم من أن جهاز الكمبيوتر أصبح متوفرا في كل المؤسسات والبيوت، إلا أنه لم يستطع أن يلغي الوظيفة التي طالما انفردت بها الآلة الراقنة، وهو ما يؤكده جمال، كاتب بأحد شوارع ساحة الشهداء. يقول جمال (35 سنة) " أمارس وظيفة الكتابة منذ 16 سنة، وأملك آلتين، واحدة باللغة العربية وأخرى باللغة الفرنسية، وأزاول هذه المهنة من الثامنة صباحا إلى غاية الثالثة زوالا، وأملك تصريحا من البلدية من أجل استغلال المكان لمزاولة هذا النشاط، وعادة أقوم بكتابة كل الوثائق الإدارية على اختلاف أنواعها كالشكاوى والعرائض القضائية، والاستمارات...". وأهم ما تتطلبه هذه المهنة - كما يضيف محدثنا - هي السرعة والخبرة، إذ لا يمكن لأي كان أن يمارسها، كما يعد الصبر عملا هاما: "فالشخص عندما يقصدنا نسأله أولا ماذا يريد بالضبط، وعادة يروي لنا المتحدث قصته بكل تفاصليها فنحررها وفقا لطلبه، ولكنه كثيرا ما يغير رأيه ويرغب في تغيير الرواية، وتعد هذه الحالة أحد أهم المشاكل التي نصادفها، لأنه ينبغي أن نعيد الكتابة من جديد". وأما بخصوص ميزة الكتابة بالآلة التقليدية، فيقول جمال أن أهمها عدم تعرضها المستمر للعطب، كما أنها لا تتطلب الكهرباء لتشغيلها ومن يحدد لها اتجاه عملها هو عقل الكاتب وليس عقلا إلكترونيا. أما عن الأثمان فهي رمزية، حسب محدثنا، إذ يختلف الثمن باختلاف نوع الوثيقة والعدد " فمثلا إذا كان الأمر يتعلق بتحرير وثيقة ذات طابع إداري، فنطلب 100 دج". وعن مدى استمرار الطلب على خدمات هؤلاء الكتاب، رد عينا جمال قائلا " يمكن أن نقول عنه أنه حسن نوعا ما، والفئة الأكثر إقبالا علينا هم كبار السن الذين لا يعرفون كيفية الكتابة والتعبير عما يريدون بالضبط عند طلب تحرير الشكاوى خاصة". أما أهم المتاعب الناجمة عن آلة الكتابة، فهي التزوير، ويوضح " يقصدنا البعض من الشباب لطلب تحرير وثائق مشابهة لتلك التي يحملونها، على اعتبار أن الآلة قديمة، وعند تحرير وثيقة ما فإنها تكون مشابهة إلى حد كبير لتلك التي يحملها الطالب، وهو ما نرفض القيام به لأنه بكل بساطة يسيء إلى مهنة الكاتب.