إذا كان الجسر الروماني منذ 19 قرنا يربط بين ضفتي وادي الحي لمدينة القنطرة (بسكرة)، فإن الدشرة الحمراء بمثابة الجسر الآخر الذي تمر من خلاله موجات بشرية وحضارات متعاقبة منذ أزمنة غابرة، مثلما تعكسه الحقيقة التاريخية لهذه المنطقة. على ضوء دراسة أكاديمية للباحث الجزائري عمر كبور حول "المواقع التاريخية والأثرية بمنطقة القنطرة في العهدين القديم والإسلامي" يتجلى من خلال أبحاث أثرية تناولت المنطقة استيطان الإنسان بها منذ قرون، ووجود بعض الإشارات التاريخية التي تؤكد الخلفية العريقة للقنطرة التي تسمى الدشرة الظهراوية. .. أطلق عليها اسم "القرية الحمراء" بسبب لون تربتها وبناياتها الحمراء في فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر (1830-1962). وبذلك فإن مدينة القنطرة تعاقبت عليها عدة حقب تاريخية، بدءا بفترة ما قبل التاريخ الذي تشهد عليه تلك البقايا الأثرية من الرسوم الصخرية الموجودة بضواحي المدينة، وباعتبار هذه الأخيرة همزة وصل بين الشمال والجنوب ومركز عبور الجيوش، فقد استوطنها الرومان في القرن الأول للميلاد، بالإضافة إلى تلك البصمات الرومانية المتمثلة في الجسر الروماني الشهير وقطع أثرية موجودة بمتحف المدينة. كما أن القنطرة التي تعد شاهدا على الماضي العريق "من أهم الحواضر في منطقة الزيبان، بحيث تمتاز الدشرة الظهراوية بتراث ثقافي وحضاري ثري وتعد امتدادا للمعالم المصنفة وطنيا، على غرار الجسر الروماني الذي تم تشييده في القرن الأول الميلادي، وهو مصنف منذ عام 1900، ومضيق القنطرة ذي الشهرة العالمية المصنف منذ عام 1923. تقع الدشرة الحمراء التي تتربع على ما يقارب 6 هكتارات بين سفح الجبل والضفة الغربية لوادي الحي، تحدها شمالا شعبة الدفلاية ومن الشرق والجنوب واحات النخيل ومن الغرب تجزئة من قطع أرضية صالحة للبناء. تأخذ هذه الدشرة نمط مجمع عمراني من بنايات متلاصقة، تتخللها شوارع وأزقة ضيقة، لها ثلاث بوابات رئيسية، واستعملت مواد محلية في البناء من ذلك الحجارة والطوب في تشييد الجدران وجذوع النخيل على مستوى الأسقف والأبواب، مما يدل على أنها حافظت على طابعها المعماري الخاص المنسجم مع الطبيعة. أما المنازل، فعلى الرغم من الاختلافات البسيطة بين بيت وآخر، إلا أن كل واحدة منها بها ما يسمى ب"السقيفة" التي هي عبارة عن حجرة كبيرة مخصصة لاستقبال الضيوف، وكذا حجرات متعددة لإيواء أفراد العائلة، وهناك "الحوش" الذي هو ساحة كبيرة وكذا فتحات في السقف بالحجرات قصد إضاءة المكان ووجود فتحات جانبية على شكل مثلت، مخصصة للتهوية تسمى "الطاق"، حسبما لوحظ. تتميز الجدران بسماكتها التي تصل إلى 40 سنتيمترا، بما يمكن من الحفاظ على استقرار درجة الحرارة داخل المساكن، بالتالي تلطيف الجو صيفا وشتاء. كما تحتوي القرية زيادة على النسيج العمراني السكني على مرافق اجتماعية واقتصادية ومؤسسات دينية وثقافية، منها حمامات ومقاه ودكاكين لممارسة التجارة وبعض الحرف ومساجد وأضرحة وزوايا ومدارس قرآنية بالإضافة إلى متحف يضم تشكيلات من قطع حجرية تعود إلى العهد الروماني، يلاحظها كل من يزور المكان. تعتبر النواة القديمة لمدينة القنطرة، أي "الدشرة الحمراء" التي تتميز بكونها مأهولة بالسكان من النماذج الثقافية رفيعة القيمة من حيث أسلوب بنائها، وتقسيم شوارعها وتنظيم منازلها ووجود ساحات تتوسطها ومواد بنائها المحلية المختلفة وطابعها المعماري المنفرد الخاص بالمنطقة، وفق مقاربة مدير الثقافة الولائي الحاج مسحوب. تتمتع الدشرة بمكانة سياحية واعدة بحكم موروثها المادي واللامادي العريق الذي تدعمه مناظرها الطبيعية الساحرة وبساتين النخيل والأشجار والخصائص التضاريسية المتنوعة من أودية وسهول وهضاب وجبال، وفقا لما ذكره رئيس جمعية الديوان المحلي للسياحة بالقنطرة، نور الدين شلي.