مازالت العائلات التلمسانية تتمسك بعاداتها وتقاليدها التي تعتبرها رمزا للأصالة والتمسك والانتماء، وما يصاحب هذه الممارسة من أعمال خيرية اجتماعية جماعية، حيث يتم الاحتفال بعيدي الفطر والأضحى، المولد النبوي، الختان أو "الطهارة"، وكذا عاشوراء. تشكل هذه المناسبة التي تصادف العاشر من شهر محرم بالنسبة لسكان تلمسان، مناسبة لإحياء عادات مفعمة بتقاليد توارثتها الأجيال في هذه المنطقة التي يغلب عليها طابع التشبث بالأصالة التلمسانية العريقة، بغرض رسم الابتسامة على وجوه الصغار. كما يعتبر هذا اليوم فرصة للصيام والعبادة وترسيخ قيم التضامن الاجتماعي عن طريق منح الفقراء والمحتاجين الزكاة، حيث يعتبر بعض التجار والباعة بالمنطقة التجارية العتيقة لمدينة تلمسان، مثل "القصارية وسيدي حامد" و«المدرس"، عاشوراء فرصة سانحة لتزكية الأموال وانتعاش الأعمال، من أجل تطهير أموالهم عن طريق توزيع زكاتهم العينية أو النقدية على الفقراء والمساكين، فيما يفضل البعض الآخر توجيه تلك الأموال لصندوق الزكاة حتى توزع فيما بعد على مستحقيها من قبل الجهات المعنية. في المقابل، يغتنم الفقراء الذين استلموا نصيبهم من أموال الزكاة فرصة اقتناء حاجاتهم من ألبسة وأقمشة وأحذية ومختلف اللوازم المعروضة، فضلا عن ذلك، تتميز هذه المناسبة بزيارة المقابر للترحم على الموتى وتبادل الزيارات بين الأهل والأحباب وشراء الفواكه الجافة ولعب للأطفال، وممارسة بعض الطقوس المرتبطة بأجواء احتفالات هذه المناسبة، كما تكتسي شوارع وأسواق تلمسان منذ بداية شهر محرم حلة خاصة، إيذانا بالاستعدادات التي يخصصها أهل المنطقة لاستقبال مناسبة عاشوراء، حيث تكثر محلات بيع الفواكه الجافة أو ما يصطلح عليه محليا بأصحاب "الفاكية" التي تعتبرها الأسر شرطا ضروريا للاحتفال. ومن العادات التي تمارسها الأسر؛ إعداد أطباق محلية كالكسكسي ب«القديد" الذي يتم تحضيره من لحم أضحية العيد، وتوزيع الفواكه الجافة على أفراد العائلة، وكذا صناعة الحلويات والمأكولات الشعبية، منها على سبيل المثال "الثريدة" بالدجاج أو اللحم، وطبق "الشرشم" وهو حساء من القمح والفول أو حمص يضاف إليه "القديد" وبعض التوابل، ويقدّم بعد صلاة المغرب ليلة عاشوراء. كما تحرص بعض العائلات على إعداد "السفنج" و«المسمن" صبيحة يوم عاشوراء وتقديمهما مع الفواكه الجافة المشكلة من التمر واللوز والتين والزبيب. تقوم النساء في ليلة عاشوراء بوضع الحناء لكل أفراد أهل البيت، خاصة البنات، حتى تحن قلوبهن، إلى جانب التزين بقص خصلة من الشعر حتى يطول بسرعة، حسب اعتقادهن، مع وضع الكحل ولبس أجمل الملابس والتعطّر، وهكذا تكون عاشوراء فرصة ووسيلة في نفس الوقت لتوطيد الروابط العائلية والاجتماعية وإصلاح ذات البين.