عرفت أزقة وأسواق مدينة تلمسان، تزامنا ويوم عاشوراء، نشاطا متميزا يعكس حرص سكان عاصمة الزيانيين على إحياء هذه المناسبة، وحفاظهم على العديد من العادات والتقاليد التي تعود إلى عدة قرون خلت، وتتكرر طقوسها سنويا• وبإمكان المتجول في الشوارع والأحياء العتيقة للمدينة ملاحظة تلك الحركة غير العادية أمام المحلات التجارية وعلى الأرصفة التي يتخذها الباعة المتجولون فضاء لعرض منتوجاتهم، وما ينجر عنه من ازدحام بفعل توافد المواطنين، خاصة العنصر النسوي لاقتناء مختلف المواد والسلع• وهذا الإقبال الكبير للناس حوّل المدينة إلى مهرجان شعبي ضخم على صورة سوق كبير تطول أجنحته كل الشوارع، حيث تعرض البضائع النسوية والعقاقير ولوازم الزينة التقليدية من حناء وغسول وكذا مواد العطارة و''البخور''• ويعتبر بعض التجار والباعة بالمنطقة التجارية العتيقة لمدينة تلمسان مثل ''القصارية'' و''سيدي حامد'' و''المدرس'' عاشوراء فرصة سانحة لتزكية الأموال وانتعاش الأعمال• وتشكل هذه المناسبة فرصة بالنسبة للعديد من المواطنين الميسورين، مثل التجار والأغنياء بصفة عامة الذين تتوفر فيهم شروط الزكاة، من أجل تطهير أموالهم عن طريق توزيع زكاتهم العينية أوالنقدية على الفقراء والمساكين• فيما يفضل البعض الآخر توجيه تلك الأموال لصندوق الزكاة قبل أن توزع على مستحقيها من قبل الجهات المعنية• ويغتنم التجار في نفس الوقت هذا اليوم لبيع البضاعة المكدّسة بأثمان متواضعة تغري الزبائن وتجعلهم يتهافتون عليها بشكل ملفت للنظر، حيث يرى بعض الباعة ''أن هذه العملية تسمح بالمساهمة في العمل الخيري ونيل بركة هذا اليوم المبارك من جهة، والتخلص من المخزون المكدس وبالتالي تجديد الأنشطة وإنعاشها من جهة أخرى''• وبالمقابل يغتنم الفقراء الذين استلموا نصيبهم من أموال الزكاة كرم السوق و''رحمته'' الموسمية بغية اقتناء حاجاتهم من ألبسة وأقمشة وأحذية ومختلف اللوازم المعروضة• ومن الناحية الاجتماعية يرتبط يوم عاشوراء بعدد من العادات والتقاليد النابعة من صميم المجتمع والمتوارثة أبا عن جد، حيث تتميز بالاختلاف والتنوع من وسط اجتماعي إلى آخر، وكل منطقة صارت تضفي على هذه الطقوس شيئا من خصوصيتها التراثية والإجتماعية• فتجد مثلا الطرق الصوفية الدينية التي تجعل من هذه المناسبة الفرصة المواتية للقيام ببعض الأنشطة على مستوى الزوايا، كالطريقة الجزولية العيساوية التي تكثف من ''حضراتها'' بالأذكار والإبتهالات الروحية• كما تتميز الاحتفالات بهذا اليوم على مستوى عاصمة الزيانيين بتحضير الأطعمة في أجواء عائلية، حيث تتشكل تلك الأطباق من بقايا لحوم الأضحية التي تم تجفيفها وتصبيرها خصيصا لهذه المناسبة، وكذا صناعة الحلويات والمأكولات الشعبية، منها على سبيل المثال ''الثريد'' و''السفنج''، مع الإقبال على صيام هذا عاشوراء ويوم قبلها أو بعدها، عملا بسنة المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم•