احتضنت قاعة ‘'سيلا'' بصالون الكتاب أول أمس، نقاشا موسعا حول موضوع «الإعلام والثقافة جنبا إلى جنب أم وجها لوجه؟»، نشطته مجموعة من الأسماء التي خاضت في شؤون الثقافة ومدى حضورها في المشهد الإعلامي خاصة المكتوب منه. في هذا الإطار، اعتبر الأستاذ سعد بوعقبة أن الثقافة كانت مظلومة في المؤسسات الإعلامية، وتأتي في مؤخرة القاطرة. وذكر أنه عندما كان رئيس تحرير جريدة «الشعب» كان هو نفسه لا يلتفت كثيرا للصفحة الثقافية ويفضل عليها الحدث أو الاقتصاد أو غيرها من الصفحات، على الرغم من أن عناصرها كانوا أكفاء في الجريدة، وكان يترأسها نائب رئيس التحرير، وبقيت هكذا الصفحة الضحية. وذكر من الأسماء التي كانت تشتغل بها الوزير عز الدين ميهوبي ومهدي لزوم وبوعلام رمضاني والصادق بخوش وغيرهم. لكن استطاع هؤلاء -حسب بوعقبة -فرض أنفسهم ومدوا يد العون للكثير من المواهب الشابة، وخلقوا حراكا فرضوا به الاحترام والاعتراف. كما أشار المتحدث الى أن تلك الفترة وحتى الثمانينيات شهدت انتعاشا ثقافيا، منه السينما التي كانت تسكن في السينماتيك وتشهد النقاشات والفعاليات إلى ساعات متأخرة من الليل. كما خرج الإعلام إلى الأوساط العلمية والثقافية وإلى المدرسة، فظهر ما عُرف ب «بين الثانويات» و»الحديقة الساحرة» وغيرها. ثمّن بوعقبة جيل الرواد الذي تغلّب على الأحادية والبيروقراطية، وقدم صوتا آخر وإبداعا راقيا ترسخ في المشهد الإعلامي، عكس أيامنا التي تشهد الانحطاط الثقافي في وسائل الإعلام، خاصة المرئية، مما أجبره على مقاطعة مشاهدتها. أما الأستاذ بلقاسم مصطفاوي من المدرسة العليا للصحافة فتحدّث عن العولمة الثقافية التي أصبحت تخضع للاقتصاد والإديولوجيا، وظهر ما يسمى بالثقافة المعلوماتية، وهي ديناميكية تدخل ضمن التحولات الجيوستراتيجية، كما أنها آلة ضغط فرضها التاريخ وليس الطبيعة. أصبحت الثقافة -حسب المتدخل- صناعة قائمة بذاتها، منها المادية ومنها غير المادية، تحمل قالبا جديدا ومختلفا، من ذلك تحول المعرفة من كتاب ورقي إلى كتاب إلكتروني، وهكذا . للصناعات الثقافية كمنتوج مسوّق بعض السلبيات، منها تكريس مظاهر الرداءة نتيجة الاستهلاك السريع؛ تماما كالمنتوجات الغذائية الجاهزة أو مواد التجميل. حث المتدخل على ضرورة مواكبة مبدعينا العولمة الإيجابية. وللوصول إلى هذا الانتشار العالمي لا بد من تطوير تراثنا الفكري والإبداعي وتجاوز التسويق الفلكلوري للثقافة الجزائرية المتسمة بالتعدد والتنوع، إضافة إلى ضرورة انخراط المستثمرين لإقامة مشروع صناعي ثقافي ذي خصوصية وطنية. بدوره، تناول سعيد خطيبي لغة الصحافة الثقافية عندنا، مشيرا إلى بعض النقائص المتمثلة في الإقصاء (أسماء جزائرية لامعة) وعدم تمكنها فيما قبل التسعينيات من كسر بعض الطابوهات، مما جعل هذه الصحافة غير مقروءة، لكنه بالمقابل، ثمّن تجربة الشباب رغم افتقارها للحرية والحس النقدي البنّاء، حيث تم تناول موضوعات جديدة في الساحة الإعلامية الثقافية، وبالتالي تم تجاوز بعض الطابوهات. ومع كل ما تحقق يبقى المشهد الثقافي عندنا شبه ميت، فالنشاط الثقافي أو الفني أصبح يشبه المجازفة، ذلك لأنه عموما لم يعد قادرا على إقناع الناس، ولم يعد الإعلام القوة الناعمة أو المحرك الذي يقود الإبداع؛ لذلك لا بد من فهم السوق ومتطلبات المجتمع لتسويق هذه الثقافة وعدم الاكتفاء بسرد الأفكار حتى لا تتحول الصفحة الثقافية إلى وكالة أنباء.