افتتحت أمس بمقر رئاسة مجلس الوزراء السوري بدمشق أشغال الدورة الأولى للجنة العليا المشتركة الجزائرية-السورية برئاسة كل من رئيس الحكومة السيد أحمد أويحيى ورئيس مجلس الوزراء السوري السيد محمد ناجي عطري. ويشارك في أشغال هذه الدورة - التي ستدرس وتصادق على عدد من الاتفاقيات والبرامج التنفيذية - وفد جزائري هام يضم وزيري التجارة السيد الهاشمي جعبوب والتعليم العالي والبحث العلمي السيد رشيد حروابية والوزير المنتدب المكلف بالشؤون الإفريقية والمغاربية السيد عبد القادر مساهل. كما يضم الوفد ممثلين عن عدة قطاعات وزارية أخرى منها الفلاحة والصحة والثقافة والاتصال والخارجية والتضامن الوطني وكذا وفد عن رجال الأعمال يمثل مختلف قطاعات الصناعة والتجارة. وفي كلمة ألقاها خلال جلسة الافتتاح أبرز السيد أويحيى أهمية انعقاد هذه الدورة قائلا: "إننا جئنا إلى دمشق محملين بتوجيهات من رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة من أجل تكريس الإرادة التي يتقاسمها مع شقيقه الرئيس بشار الأسد الرامية إلى جعل التعاون الجزائري السوري مثاليا". كما أعرب رئيس الحكومة عن ثقته بأن تكون آفاق العمل بين البلدين "واسعة و واعدة نظرا لما يتمتع به البلدان من مؤهلات وقواعد متينة يمكن الارتكاز عليها لتحقيق انطلاقة فعلية بينهما تعتمد على نظرة إستراتيجية تشمل الفضاء الاقتصادي بكل أبعاده". وأضاف بأن هذه الدورة "ستتيح لنا الفرصة والوسائل التي تمكننا من تعزيز علاقات قوية وديناميكية لتحقيق التوازن في المصالح والمنفعة المتبادلة تجسيدا للإرادة المشتركة لرئيسي دولتينا وللرصيد السياسي الهام الذي يربط الجزائر بشقيقتها سوريا". بدوره ذكر رئيس مجلس الوزراء السوري في كلمته بأن هذا اللقاء "له دلالة على متانة العلاقات القائمة بين البلدين وعمقها التاريخي" مشيرا إلى أن الاجتماع يعد "فرصة لبحث آليات ومتطلبات زيادة حجم التبادل الاقتصادي و التجاري ومعالجة الصعوبات التي تعترضه لاسيما من خلال تطوير أشكال التعاون بين الغرف التجارية والصناعية وتفعيل دور رجال الأعمال والمستثمرين". تجدر الإشارة إلى أن رئيس الحكومة كان قبل ذلك قد عقد لقاء على انفراد مع نظيره السوري. كما قام بجولة إلى بعض المعالم التاريخية بمدينة دمشق بدأها بقصر الأمير عبد القادر حيث كان في استقباله أحفاد الأمير وانتقل بعدها إلى الجامع الأموي بدمشق القديمة حيث تلقى شروحات حول تاريخ الجامع ثم زار قصر العظم الذي يضم المتحف السوري للفنون الشعبية والصناعات اليدوية. وكان رئيس الحكومة السيد أحمد أويحيى شرع أمس في زيارة رسمية إلى سوريا تدوم يومين يرأس خلالها مع نظيره السوري أشغال الدورة الأولى للجنة العليا المشتركة الجزائرية السورية التي سيتم التوقيع الرسمي على إنشائها بين رئيسي حكومة البلدين تطبيقا لتوجيهات رئيسي البلدين السيدين عبد العزيز بوتفليقة وبشار الأسد النابعة من الرغبة المشتركة في الدفع بالعلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين إلى مستوى العلاقات السياسية المتميزة التي تجمع بين الجزائرودمشق منذ أمد بعيد. وبالفعل تعكس زيارة رئيس الحكومة السيد أحمد أويحيى الحالية إلى سوريا والتي سينقل خلالها رسالة من الرئيس بوتفليقة إلى نظيره السوري بشار الأسد الرغبة المشتركة لقيادة البلدين في تدعيم العلاقات الإقتصادية والتجارية المتواضعة والرقي بها إلى مستوى العلاقات السياسية المتميزة وهو الهدف الذي ستعمل اللجنة المشتركة على تحقيقه. وكان في استقبال رئيس الحكومة احمد اويحيى -الذي رافقه عدد من أعضاء الحكومة إضافة ووفد اقتصادي يضم رجال أعمال يمثلون حوالي 18 مؤسسة اقتصادية وطنية عمومية وخاصة- بمطار دمشق رئيس مجلس الوزارة السوري السيد محمد ناجي عطري. وتعد الدورة بداية لدورات أخرى تعقدها اللجنة العليا المشتركة بين الجزائر و سوريا على مستوى رئيسي الحكومة بعاصمتي البلدين بالتداول مرة كل سنة. وسيكون لرئيس الحكومة السيد أحمد أويحيى على هامش الدورة لقاءات مع مسؤولين سوريين منها جلسة محادثات مع نظيره السوري محمد ناجي عطري سيتم خلالها التطرق إلى عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك. كما يلتقي أويحيى بالجالية الجزائرية المقيمة في سوريا ويقوم بزيارة لبعض المواقع الأثرية التاريخية بدمشق ومنها قصر الأمير عبد القادر الجزائري بدمر (شمال دمشق) وجامع الأمويين بدمشق القديمة. وتتميز العلاقات الجزائرية السورية بعلاقات ضاربة في العمق تقوم على أساس رصيد ثقافي وسياسي وديني وجغرافي وأيضا أواصر المصاهرة والعيش المشترك. وترجع الجذور التاريخية لهذه العلاقات إلى احتضان بلاد الشام (سوريا) مع نهاية القرن 19 أبطالا للمقاومة الجزائرية وذويهم وعلى رأسهم الأمير عبد القادر الجزائري مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة والعديد من زعامات المقاومة الشعبية بعده الذين تم نفيهم من الجزائر تحت القهر الإستعماري. ومع السنوات اندمج أفراد العائلات من أصل جزائري والذين يعدون بالآلاف في سوريا وتبوؤوا مناصب رسمية سامية في الهيئات السياسية والجيش واستشهدوا في معارك الكرامة ضد العدو الصهيوني إلى جانب السوريين وعلى الأرض السورية، وهي عوامل ساعدت على توطيد العلاقات بين الشعبين الجزائري والسوري. وكان لسوريا مواقف مشرفة خلال الثورة التحريرية الجزائرية، إذ احتضنت معاهدهم العسكرية ضباط الجيش الوطني الشعبي وفتحت جامعاتهم للطلبة الجزائريين وساهم الأساتذة السوريون مع بداية الاستقلال في تجسيد المشاريع الثقافية والتربوية التي سطرتها الحكومات الجزائرية لتكوين الإطارات الجزائرية عماد المؤسسات الجزائرية المستقلة. وانعكس هذا الإرث التاريخي المجيد بين الجزائر وسوريا على مستوى العلاقات السياسية التي تميزت على الدوام بالتشاور والتنسيق في المواقف سواء في المحافل الدولية أو على المستوى الجهوي والإقليمي وقد تجسد هذا جليا مؤخرا في الدور الجدي الذي قامت به الجزائر في القمة العربية التي احتضنتها العاصمة السورية في 2006 لكسر أي تردد حيث كان رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة أول رئيس يعلن مشاركته في هذه القمة. كما ساهمت الجزائر في دعم موقف سوريا في المحافل الدولية في العديد من المرات وكسر الحصار المضروب ضدها من طرف الغرب حيث لعبت الجزائر في إطار الحوار المتوسطي دورا مهما في انفتاح أوروبا على سوريا. أما على مستوى لقاءات القمة فنذكر أنه كانت هناك عدة لقاءات رسمية وتشاورية بين الرئيسين عبد العزيز بوتفليقة وبشار الأسد سواء في الجزائر أو في دمشق وكذا خلال مناسبات أخرى دولية ومن ذلك اللقاءات التي جمعتهما خلال القمة العربية بسوريا وكذا خلال لقاء القمة المصغر بسرت (ليبيا) في إطار التشاور بشأن إنشاء الإتحاد من أجل المتوسط وكذا بباريس أثناء قمة الإعلان عن تأسيس هذا الإتحاد. وتحتضن الجزائر جالية سورية قدر عددها بحوالي 7 آلاف نسمة في حين تقيم في سوريا جالية جزائرية تقدر - حسب مصادر ديبلوماسية - ب5 آلاف نسمة من بينهم حوالي مائتي طالب جزائري في الجامعات السورية. وتعد اللجنة المشتركة بين البلدين الأولى مع دولة عربية - خارج إتحاد المغرب العربي ومصر- تهدف إلى الدفع بالعلاقات الاقتصادية والمبادلات التجارية والتعريف بالإمكانيات المتوفرة في البلدين سواء من حيث احتياجات السوق أو من حيث السلع المتوفرة أو مجالات الاستثمار المتاحة والامتيازات التي يمنحها القانون. ويؤكد الخبراء على ضرورة العمل من أجل رفع التبادل التجاري بين البلدين الذي يوجد في مستوى متواضع لا يتعدى حدود 339 مليون دولار إلى رقم يعكس الإمكانيات التي يتوفر عليها البلدان في مجال الإنتاج الصناعي والخبرة البشرية أو في مجال التسويق الخارجي. كما أن الجزائر تطمح لرفع حصتها في ميزان التبادل التجاري التي لا تتعدى حاليا 32 مليون دولار -مقابل 307 مليون دولار لسوريا- إلى مستوى يعكس إمكانيات البلاد الحقيقية. ولهذا الغرض تم إشراك وفد هام من رؤساء المؤسسات الجزائرية المرافق لرئيس الحكومة في الأشغال التمهيدية للجنة العليا المشتركة للتعرف من خلال نظرائهم السوريين على احتياجات السوق السورية والتعريف بمنتوجاتهم. في هذا السياق صرح السيد براهيم بن جابر رئيس الغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة على هامش أشغال الدورة الأولى للجنة العليا المشتركة الجزائرية السورية بدمشق أن حجم التبادل التجاري بين الجزائر وسوريا "يمكن ان يصل في ظرف سنة الى حدود مليار دولار"، موضحا أن تحقيق توازن في الميزان التجاري ورفع قيمة المبادلات التجارية بين البلدين هو طموح مشترك جزائري سوري ويشكل "هدفا أساسيا" بالنسبة لرؤساء المؤسسات الاقتصادية الوطنية على الأمد القريب. ويبلغ حجم المبادلات التجارية بين سوريا والجزائر - حسب إحصاء الغرفة الجزائرية للتجارة والصناعة - 339 مليون دولار تمثل منه صادرات الجزائر نحو سوريا 32 مليون دولار بينما تمثل صادرات سوريا نحو الجزائر307 مليون دولار مع الإشارة إلى أن هذه الإحصائيات لا تشمل تجارة الحقائب (من سوريا نحو الجزائر). وحسب رئيس الغرفة الجزائرية للتجارة فإن رفع قيمة المبادلات التجارية "هدف يمكن تحقيقه في الأمد القريب" عن طريق فتح ميادين جديدة للاستثمارات في البلدين مثل قطاع النسيج السوري وقطاع المحروقات الجزائرية مذكرا بأن قانون الاستثمارات الجزائري "يوفر ضمانات محفزة مثل الحماية" معربا عن أمله في أن تعامل الاستثمارات الجزائرية في سوريا بالمثل. كما اعتبر إنشاء مجلس رجال الأعمال جزائري-سوري الذي سيعقد مؤتمرا له لاحقا "مثمر للطرفين ودعم للعلاقات الاقتصادية بين البلدين وسيكون له دورا في إعطاء دفع للاتفاقيات الموقعة بين الطرفين". وبشأن إعادة التوازن للميزان التجاري يرى بن جابر أن ذلك ممكن "إما بزيادة في حجم الصادرات الجزائرية نحو سوريا أو عن طريق استقطاب الاستثمارات السورية" مذكرا بأن "هناك طموح مشترك" لإعادة هذا التوازن. وارجع ذات المصدر الإختلال في الميزان التجاري إلى "نقص في الإعلام والتواصل" بين المتعاملين في البلدين وقال أن "هدفنا في المستقبل هو الترويج للمنتوج الجزائري والتعريف به لدى المتعاملين السوريين من خلال تكثيف المشاركات في المعارض التي تنظم في البلدين". وأشار إلى أن المنتوج الجزائري له قدرة تنافسية واثبت جودته في السوق الجزائرية ولهذا "يمكن أن يجد له مكانا في السوق السورية وحتى في أسواق الشرق الأوسط".