انفردت جريدة «المساء» بهذا الحوار مع الدكتورة أميناتا درامان طراوري، «ثائرة خارج الحدود» كما توصف في الإعلام ودوائر الدبلوماسية والسياسة. مالية تجهر بمواقفها وتدافع باستماتة عن بلادها وعن إفريقيا وعن كل المستضعفين في العالم. امرأة انتزعت التقدير والإعجاب في كل أنحاء العالم. وزيرة سابقة للثقافة في مالي (1997/ 2000) استقالت لأنها لم تستطع كسر قناعاتها في التحدث عن كل شيء بلا حدود وبلا قيود. فأعيب عليها أنها «متمردة» عن العرف في عدم التقيد ب«واجب التحفظ» الذي تفرضه مثل هذه المناصب السيادية، فألقت باستقالتها وعادت لنشاطها داخل مالي وخارج الحدود. مناضلة إفريقية من طراز عال. ترافع عن قضايا بلادها والقارة في كل فرصة وفي كل مكان دون توقف. تريد تغيير الأوضاع من أجل عالم أكثر إنسانية وأكثر مساواة وعدلا بين البشر. لم تخف عداءها للرأسمالية التي تعتبرها السبب الرئيسي للفقر والفقراء. دافعت عن موغابي وقالت إنه مرفوض من الغرب لأنه دافع عن ثروات بلاده وشعبه. هاجمت الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي الذي اتهمته بالعنصرية وعراب للاستعمار الجديد في إفريقيا والعالم. حمّلته كوارث ما يحدث في ليبيا وسوريا. ترشحت لمنصب الأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة مؤخرا. وقالت بأن ترشحها يندرج في شكل من النضال لا غير لإحداث التغيير وكسر هيمنة سلطة الرجال على المنظمة رغم التضحيات المتزايدة للمرأة في العالم. وفعلا كما تؤكد أن ترشحها حقق أهدافه من خلال إقدام الأممالمتحدة على برمجة – ولأول مرة – نقاش جدي لدور المرأة في التنمية العالمية وإسهاماتها في عالم يقوم على المساواة بين الجنسين وبين الشعوب. ❊ لقد ترشحتم سيدتي إلى منصب الأمين العام للأمم المتحدة. ما هي دوافع الترشح لمثل هذا المنصب؟ ❊❊ لم أترشح نتيجة إغراء المنصب في حد ذاته. ولكن ترشحي أعتبره امتدادا ومواصلة لنضالي. فلأول مرة في تاريخ المنظمة الأممية وبعد كسر احتكار الترشح للرجال فقط طبعا حين ترشحت، يتم فتح نقاش جدي وواسع حول الدور الفعال للمرأة في التنمية ووظائفها. ❊ هل ترشحتم تلبية لمطالب من جهات معينة أم بدافع تحد شخصي؟ ❊❊ هو قرار شخصي فرضته على نفسي نتيجة غياب حوار ديمقراطي فعلي حول منظمة الأممالمتحدة، رغم كونها تلقي بأثقال قراراتها فيما يتعلق بمصير بلداننا، وخاصة بالنسبة لبلادي مالي. ❊ في اعتقادكم ما هي الأسباب الحقيقية أو الخلفيات التي لم تمكنكم من الفوز برئاسة الأممالمتحدة؟ ❊❊ لا يمكنني أن أطمح أو أحقق الفوز لأن الحظوظ والترشيحات الرسمية تدعمها الدول التي تقف وراء مرشحيها، وهو ما لا أتمتع به بسبب جرأة مواقفي. ❊ هل تعتقدون أن عدم الاحتفاظ بترشحكم ناجم عن ضعف في برنامجكم أم بسبب نظرة «معادية» للمرأة لدى دول في المنظمة الأممية؟ نزيف الهجرة هو انعكاس لفشل السياسات الاجتماعية والاقتصادية ❊❊ كما سلف الذكر، لم أقدم ترشحي ليحتفظ به. لقد أدرجته في خانة نضال متقدم داخل أروقة المنظمة وهياكلها. وهو نفس النقاش والأفكار المتحررة التي عرضتها في العديد من البلدان. ❊ لو فرضنا أنكم فزتم برئاسة الأممالمتحدة، ما هي أولوياتكم الإصلاحية كأول تحرك؟ ❊❊ أول ما سأعمل من أجله هو إلغاء حق الفيتو. هذا التمييز الذي يكرس في واقع الأمر عدم المساواة بين أعضاء المنظمة الأممية. كما سأعمل على تخفيض «نفوذ» المؤسسات.... التي أصبحت «أحجامها» عاملا مؤثرا في سير المنظمة. الأممالمتحدة فقدت «روحها» التي تأسست من أجلها في عام 1945 ❊ هل تعتقدون سيدتي أن الدور أو بالأحرى المهام التي تقوم بها منظمة الأممالمتحدة حاليا مازالت صالحة ومفيدة للشعوب، لاسيما تلك الرازحة تحت الاحتلال؟ ❊❊ على غرار أعضائها فإن منظمة الأممالمتحدة «ترأسملت» وفقدت روحها التي تأسست من أجلها. نحن بعيدون عن عالم خال من النزاعات والحروب، كما وعدتنا عند تأسيسها سنة 1945، لتكون في صف الشعوب ووعودها فإن المنظمة مطالبة بتغيير بوصلتها. لكن العكس هو الذي نلاحظه. أعضاؤها الفاعلون في مجلس الأمن هم الذين فرضوا الحرب في العراق وليبيا. لابد من إلغاء «الفيتو» للخروج من «قانون الأقوى هو الأفضل» ❊ «الفيتو» أو حق النقض الذي يتمتع به الأعضاء الكبار الدائمون في مجلس الأمن. هل تعتبرونه ميكانيزما أو سلطة ضبط أم مفاضلة؟ وإذا تمكنتم يوما افتراضا من سلطة التغيير ما هو الدور الذي تمنحونه لمجلس الأمن: هل تلغون المجلس أم ترفعون عدد الأعضاء إلى دول أخرى فاعلة على الساحة الدولية، كالهند واليابان والبرازيل وجنوب إفريقيا...؟ ❊❊ حق الفيتو كما تعلمون تتمتع به الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا وبريطانيا والصين وروسيا منذ 70 سنة. أليس هذا مثيرا للتساؤل والتناقض أن هذه المنظمة التي تطالب البلدان الأخرى بانتهاج التداول على السلطة لا تطبق هذا المبدأ على نفسها؟ إن إصلاح منظمة الأممالمتحدة أصبح حتمية وضرورة ليس فيما يتعلق برفع عدد أعضاء مجلس الأمن ولكن من الجانب «الأخلاقي» أساسا للخروج نهائيا من منطق «قانون الأقوى هو الأمثل». وأعتقد أن أفضل مخرج وأجدى إصلاح هو إلغاء حق الفيتو. ❊ ماذا تستخلصون من عدم الاحتفاظ بترشحكم؟ الجزائر لها تجربة كبيرة في التصدي للغزاة والمناورين ❊❊ لا أعتبر الأمر فشلا، لأن هدفي في الأساس ليس الفوز برئاسة الأممالمتحدة. أقول مرة أخرى بأن ترشحي أدرجه في النضال المتواصل والذي لن يتوقف بالتأكيد. أشعر بالارتياح والفخر لأنني تمكنت من فرض نقاش جاد وأسئلة جوهرية بات يطرحها حتى أناس ومواطنون عاديون من خارج المنظمة حول سيرها وقوانينها. وهذا أمر يكفيني. ❊ هل تنوون الترشح مجددا مرة قادمة؟ ❊❊ ليس بالضرورة. أعتقد أنه إلى غاية ذلكم الموعد ستتمكن منظمة الأممالمتحدة من استخلاص الدروس والعبر لإفلاس النمط الحالي للمنظمة الذي تهيمن عليه «الديمقراطية» بوجه غربي. ❊ في نظركم ما هي المعوقات التي تحول دون تحرر المرأة الإفريقية؟ ❊❊ الجواب على سؤالكم قد يأخذ مني وقتا طويلا. إن نزعة الهيمنة والبؤس والاستصغار متفشاة في هذا المجال. علينا نحن الإفريقيات أن نتخلص من رواسب المراحل الاستعمارية التي خنقت تفكيرنا وعطلت تحررنا. علينا أن ندرك بأن قارتنا - ليس كما يروجون ليست فقيرة ولكنها مستغلة بشكل بشع في ظل نظام دولي غير عادل. على الإفريقيات شحذ عزائمهن وإراداتهن ونضالاتهن ضد أوضاعهن وضد العنف والإقصاء الذي يمارس عليهن في بلدانهن، أي داخل القارة الإفريقية. لكن أيضا ضد عنف النظام العالمي غير العادل. ❊ في نظركم ما هي الأسباب والدوافع الحقيقية لظاهرة الهجرة السرية الجماعية (الحراقة). مغامرات ذهب ضحيتها الآلاف غرقا في بحار الشمال والأنهار ومخاطر الطرق؟ ❊❊ إنها هجرة فرضت على أصحابها فرضا بسبب سياسات اقتصادية ثبت فشلها. سياسات لم تؤد إلى خلق مناصب الشغل في قارتنا بشكل يضاهي ما هو متوفر في أوروبا وفي الولاياتالمتحدةالأمريكية. على الحكام في إفريقيا استخلاص الدروس من انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وكذا من فوز ترامب بالرئاسيات الأمريكية. ❊ السيدة أميناتا، كيف تفسرون كل هذه «الأزمات» التي تلازم الدول الإفريقية: حروب أهلية، انقلابات عسكرية، أوبئة، مجاعة، سوء تغذية، بطالة، هجرة... رغم تنوع الثروات والطاقات المادية والبشرية في قارتنا؟ ❊❊ الحقيقة الثابتة هو أننا لم نقدر أو نتمكن من تسخير إمكانياتنا طبقا للاحتياجات الحقيقية والرئيسية لمواطنينا. الإصلاحات طبقت وفق مخططات مطابقة لمصالح رجال المال الذين لهم أولويات أخرى. إن الأزمات الأمنية والهجرة غير الشرعية والمناخ تعطينا فرصا حقيقية وتاريخية للتفاوض حول سياسات النمو واتفاقيات الشراكة. ❊ كيف تنظرون إلى الدور الجزائري في حل النزاعات الإفريقية والعربية؟ ❊❊ انطلاقا مما نستنتجه من تاريخها، فإن الجزائر أثبتت قدرتها في التصدي للغزاة وفوتت على المحتلين أسلوبهم «في فرق تسد». لكن مهمتها تظل صعبة اعتبارا لعدم توفر نظرة موحدة في بلدان الجنوب... ❊ تحتضن الجزائر منتدى إفريقيا جزائريا مخصصا للاستثمار يومي 3 و4 ديسمبر القادم، ومن المنتظر أن يعرف مشاركة ما لا يقل عن 2000 من رجال المال والأعمال والمستثمرين الأفارقة.. فما تعليقكم؟ ❊❊ أحيي هذه المبادرة لأنني لم أتوقف عن المرافعة من أجل اندماج اقتصادي إفريقي هو اليوم مشلول ومريض بسبب الهيمنة الأوروبية. المبادلات ضعيفة جدا وتكاد لا تذكر بين البلدان الإفريقية سواء داخل التجمعات الجهوية أو الإقليمية. الحل يكمن في مدى قدرتنا على إدراك العوامل التي نجمت عنها أوضاعنا الحالية وكذا استيعاب الأسباب التي أدت إلى الأزمة الحالية في العالم. إذا أراد الأفارقة فعلا الاستفادة من خيراتهم وثرواتهم عليهم التمكن من «الإبداع السياسي والاجتماعي»، إضافة إلى تضامن أوسع وفعال داخل الحدود الإفريقية وبين دول القارة. السؤال هو مدى قدرة المؤسسات والشركات الإفريقية على رفع هذه التحديات والإسهام من خلال اختيارات إقتصادية وإيكولوجية ناجعة وناجحة تساهم في القضاء على البطالة والفقر، ومن ثمة تضع حدا للهجرة القاتلة والتطرف. ❊ كيف تقيمون العلاقات الجزائريةالمالية؟ ❊❊ هي ممتازة، وقائمة على تقاليد تضامنية ثابتة بين البلدين تعود إلى سنوات حرب التحرير في البلدين. وتعززت بالمساعي الجزائرية في إطفاء نار الفتنة بين الماليين مؤخرا. ❊ ماذا سيتغير في نظركم عالميا بعد انتخاب ترامب؟ ❊❊ لا يمكنني أن أتنبأ لأن هذا الشخص متغير المزاج. المخيف هو هذه النزعة للقوى الغربية التي باتت تجنح نحو منطق «الحرب والقوة» من خلال «مصالحنا أولا»؟!. هذا قد يجعلنا نفهم أنهم مستعدون لفعل كل شيء من أجل تحقيق مصالحهم. أحيّي منتدى الجزائر وهو فرصة لاندماج اقتصادي إفريقي ❊ هناك خطر داهم فيما يبدو بصعود اليمين المتطرف في العديد من البلدان في العالم عموما، ولكن في أوروبا على الخصوص. كيف تقرأون هذا التوجه؟ ❊❊ إن العالم جنح إلى الانغلاق بشكل مقلق وبأسوأ الأشكال في تجسيد «الإصلاحات». إن الإنسانية أصبحت أكثر معاناة. والمجتمعات باتت أكثر تفككا. والمناخ تدهور بشكل محسوس ومؤثر. نحن في وضع صعب وأمام تحديات كبيرة لأننا نسعى إلى تحقيق النمو في قارة لم تتخلص من كوارثها وأزماتها المتعددة، توفر البيئة المناسبة لنشاط التيارات المتطرفة. نحن لا نعيش بمعزل عن الآخرين، لذلك علينا أن ندرك بأن تحقيق هذا الطموح في إفريقيا جديدة يستلزم حتما نظاما دوليا أكثر إنسانية وعدلا وأكثر تضامنا. إنني قلقة من جنوح العالم إلى الانغلاق أميناتا طراوري حائزة على دكتوراه في علم النفس الاجتماعي درجة ثالثة، وباحثة في علم الاجتماع، ومحاضرة في العديد من الجامعات الدولية. ناشطة لدى الكثير من الهيئات والمنظمات العالمية وعلى الخصوص الإفريقية. توجت بعديد الجوائز والأوسمة كسوار الامتياز (1995) وجائزة الأمير كلوس (هولاندا 2004) ومتوجة بأعلى الأوسمة في بلادها مالي (الفارس / 1996 – الضابط / 2006 – وسام القائد وهو أعلى وسام في مصاف الاستحقاق بمالي عام 2008) وكثيرا من التتويجات الأخرى في مختلف بلدان العالم. الدكتورة أميناتا هي أيضا كاتبة ولها العديد من الإصدارات أبرزها «الخناق» و«إفريقيا المهانة»... وكذا أسهمت في كتابة سيناريو لمسرحية «ليلة في الرئاسة» بالاشتراك مع جان لويس مارتيليني. ما سبق هو حوصلة موجزة وجوانب جمعناها حول هذه «المرأة المتمردة» عن أوضاع إفريقيا. مالية تحب الجزائر كما لا يحب الجزائر أحد. طالعوا تفاصيل الحوار.