واصلت "المساء" رحلتها ضمن قافلة "السفاري" التي أدرجتها وكالات السياحة والسفر لتمنراست ضمن برنامجها، وكانت وجهة "تاقنرت" من أكثر الوجهات التي شدت اهتمامنا وأثارت ذهولنا، فما ميز تلك المنطقة التي تعد محمية طبيعية داخل محمية الطاسيلي هي احتواؤها على منحوتات أثرية حجرية قديمة تعود لآلاف السنين، تدل على مرور الإنسان من هناك، نعم الحياة في تلك المنطقة لم تكن مستحيلة، فيا ترى كيف كان العيش فيها آنذاك؟ اقتربنا من أحد المرشدين السياحيين السيد محمد بن حمدون، الذي رافقنا في جولتنا إلى بعض الجبال التي ظلت تحتفظ بتلك الرسومات رغم مرور عقود من الزمن، إلا أنها لم تنجح التغيرات المناخية والبيئية من أن تمحيها. قال المرشد السياحي بأن التنقيبات الأثرية في الصحراء الجزائرية التي هي على شكل رسومات لحيوانات وأشخاص، يرجع تاريخها إلى فترة العصر الحجري القديم، مما أوحى إلى الباحثين بأن ذلك دليل على أن أولئك أقاموا لفترة طويلة من الزمن في ذلك المكان، ومن بين هذه الأماكن الصحراوية الهامة التي استوطن فيها الإنسان البدائي، منطقة الطاسيلي التي تقع في الجنوب الشرقي من الجزائر، والتي عرفت حضارة كبيرة شملت الصحراء الوسطى وامتد إشعاعها إلى أجزاء من إفريقيا. وأضاف المتحدث الذي عرض علينا رسومات من أحد جبال منطقة "تاقنرت" أن البيئة الجافة التي تتميز بها الصحراء جعلت تلك الرسوم تصمد أمام مختلف العوامل المناخية، ولعل اختيار الرجل القديم لتلك الأماكن لم يكن عشوائيا، وإنما يبدو أنه كان مدروسا بعناية، حيث تم اختيار الانحناءات داخل الجبال التي لا تصل إليها مياه الأمطار أو الرياح العاصفة، كالكهوف والجدران الداخلية لها. لقد كانت تلك الرسومات التي تركها الرجل البدائي تحمل دلالات عديدة، لا يمكن للشخص البسيط غير العارف أو الذي ليس له خلفيات في علم الجيولوجيا، أو علم الدلالات التاريخية تحديد معانيها، إلا أن مرشدنا السياحي دقق في البعض منها قائلا ؛ "إن أغلبية تلك الرسومات توضح كيف كان الرجل آنذاك يعيش حياته اليومية، فقبل 3 آلاف أو 6 آلاف سنة، كانت الحياة هنا ممكنة، هذا يدل على أن الصحراء آنذاك كانت فيها الحياة، والحياة يقصد بها الأرض الخضراء وتوفر المياه، كالأودية والشلالات. مشيرا إلى أن بعض المؤرخين يؤكدون أن الصحراء قديما كانت أرضا خضراء، واليوم هي عبارة عن خليط من فتات الصخور والرمال، يصعب على الجيولوجي تحديد أصل الرواسب وتاريخ تطورها. إن تلك الرسومات التي خلفها الإنسان في ذلك العصر تدل على العلاقة القوية التي كانت تجمعه مع بيئته، وعن تركيبة الجماعة التي سكنت هناك آنذاك وعن البيئة الاجتماعية. دعا المرشد السياحي إلى ضرورة تتبع تاريخ تلك المنطقة ودراستها، لمعرفة مدى امتداد تلك الحضارة، حتى نجعل من تاريخ تلك المنطقة والجزائر عامة لا تثير إشكاليات متباينة، موضحا أن العملية لن تكون سهلة لاسيما أن التقلبات المناخية التي نتجت عنها العصور الجليدية الأوروبية، وفترة ما بين العصور الجليدية، أحدثت في شمال إفريقيا تقلبات في المناخ وفي تساقط الأمطار، أثرت على الحفريات التي خلفها الرجل قديما.