استبشر عدد كبير من المواطنين بالثلوج والأمطار المتهاطلة على قرى ولاية تيزي وزو، والتي بفعلها اكتست الجبال حلة بيضاء زادت من جمال المكان. كما أن انخفاض الحرارة كان وراء انتعاش الأكلات التقليدية التي تعودت النساء على تحضريها في هذا الفصل لمواجهة البرد. فقاصد جبال جرجرة والمتجول بين أحياء القرى هذه الأيام، يلاحظ فرحة السكان الذين كانوا متخوفين من سنة فلاحية بيضاء، في ظل استمرار شح المطر. عندما تطرق باب بيت من بيوت سكان القرى، أول شيء يلفت الانتباه رائحة الطعام التي تفوح في المنزل وتفتح شهيتك على التذوق، خاصة إذا كان اليوم ممطرا وباردا، فإنك تجد فوق المائدة أطباقا تقليدية، خاصة بالنسبة للأسر القاطنة بالجبال، إذ تتمسك السيدات بالعادات وتتهيأ لهذا الموسم طيلة سنة لمواجهة البرد وقساوة الطبيعة، حيث تحضر «إكوفان»، وهي براميل مصنوعة من الفخار وممتلئة بالبقول الجافة، التين الجاف، الزيتون، زيت الزيتون، الشعير والقمح وغيرها من المواد الغذائية التي تدخرها لهذا الفصل، لضمان إعداد أطباق تقليدية متنوعة تمد أفراد عائلتها بالطاقة لمواجهة البرد من جهة، ومن جهة أخرى، تفادي اندثار هذه الأكلات التي ترتبط بحياة الأجداد والتي لها منافع جمة لا تعد ولا تحصى في هذا الفصل البارد. ولعل من بين أهم الأكلات التي تتفنن المرأة القبائلية في إعدادها؛ «تيكربابين» أو «تعصبانت باوران»، «تحياسث»، «تيغريفين»، «ثيمسمذين ايسوفار»، «اغروم لحشيش»، «اشباظ»، «سكسو تمزين»، وغيرها من الأكلات التي ترتكز على الخضر سواء الطازجة أو الجافة، وزيت الزيتون الذي يمد الجسم بالطاقة وغيرها من الأطباق التي تبقى مفضلة في هذه الفترة من التقلبات الجوية، حيث لا يمر فصل الشتاء دون طهي العائلات لهذه الأطباق التي تبعث الشهية، وهي ساخنة وتعبق رائحتها أرجاء المنازل ومسالك القرى. تقول في هذا الصدد نا فروجة، من الأربعاء ناث إيراثن، بأن الأطباق التقليدية في منطقة القبائل لها مكانة خاصة، فمهما تنوعت الأطباق والمأكولات العصرية، فلن تضاهي فوائد التقليدية التي مصدرها الطبيعة والمزارع التي شبعت من «لوغفار نتفوناسين» أي فضلات البقر، إضافة إلى بقايا النباتات، مما يضمن بذلك صحة أفراد العائلة، مشيرة إلى أن الأكلات التقليدية تعتبر بمثابة غذاء ودواء في نفس الوقت، فهي غنية بالفيتامينات وتمد الجسم بالطاقة، مما يمكن العائلات من موجهة البرد وتفادي المرض، خاصة أنه في فصل الشتاء يصعب على القرويين التنقل لاسيما إذا ما شلت الثلوج الحركة وغلقت الطرق، حيث تقول بأنه يتم إطعام كل أفراد العائلة في كل صباح بالتين اليابس المغمور في زيت الزيتون، و«أغروم اوبلوظ» أي كسرة محضرة من دقيق البلوط، مشيرة إلى أن هذا الأكل يقي أفراد العائلة من الزكام وكل الأمراض الناجمة عن البرد. وأجمعت نساء عدة قرى شاركن في احتفالات يناير 2967، من خلال عرض أطباق تقليدية مختلفة، أن فصل الشتاء ينعش الأطباق التقليدية التي يكون مصدرها زيت الزيتون ومواد مختلفة منها ثارناست، ثخسيث ثازقغث، أولخلى اقذيم، لبصل، ثيشرث، وغيرها من الأعشاب ليكون الطبق كاملا ويحوي كل ما يحتاجه الجسم. سمحت مختلف المعارض والصالونات التي نظمتها كل من مديرية الفلاحة والسياحة لولاية تيزي وزو، بتمكين المواطنين من اقتناء مختلف المنتجات من العسل بأنواعه، التين الجاف وغيرها من المنتجات التي يعتمد عليها السكان، خاصة القرويون، لمواجهة البرد القارص، كما استعدت العائلات لمواجهة الحياة القاسية بالمرتفعات الجبلية مع بداية انخفاض درجة الحرارة وتساقط الثلوج، بتوفير كل حاجياتها المختلفة وتخزينها وادخارها من مواد غذائية، حطب، بنزين وغيرها لهذه الفترة. «الكانون» يزيد من تقوية العلاقات الأسرية ويعزز الروابط بالرغم من بلوغ غاز المدينة أغلبية القرى والمداشر في ولاية تيزي وزو، لا تزال الكثير من المنازل تستعمل الحطب للتدفئة والأكثر منه للطبخ نظرا للنكهة التي يضفيهما على الأكل، حيث لا زال أفراد الأسرة يلتفون حول «الكانون» لقضاء وقت ممتع، حيث يشرع كل واحد في سرد قصة مضحكة أو نكتة أو مشهد عاشه في وقت من الأوقات. كما يتم عندها استرجاع ذكريات الطفولة ومختلف محطات الحياة التي تزيد من التماسك والترابط بين أفراد العائلة، في وسط ملؤه الدف العائلي الذي يغمر كل بيت وقرية. يقول حكيم، شاب من قرية تفلكوث بأعالي إفرحونان، بأنه رغم معاناة السكان بسبب قسوة الشتاء، إلا أن هناك شعور جميل يسود الكل، خاصة لدى اجتماع أفراد العائلة بمنزل واحد حول الكانون، أو على مائدة الإفطار وهم يسردون حكايات تريح النفس وتنسي مشقة الحياة وبرودة الفصل، إضافة إلى روح التضامن والتآزر الذي يصنعه الفصل، مما يساهم في تقوية روح التعاون في نفوس السكان ويقضي على النزاعات والخلافات القائمة من قبل دون طلب من الآخر، وهذا راجع للعادات والتقاليد التي ورثوها والتي ساهمت وبشكل كبير في تربية أجيال متماسكة ومتضامنة، وهي صفات تطبع قرى ومداشر القبائل على مر السنين. يجد سكان القرى رغم ما يتعرضون له يوميا من مشاكل وعقبات، لذة لا يحسها إلا من عاش وسطهم، حيث تعتبر هذه المحطات الصعبة في حياتهم فرصة لا تعوض لتقوية الروابط فيما بينهم، وكذا التضامن وتعزيز العلاقات بين السكان الذين يقفون معا كرجل واحد لمساعدة الغير، وهي صفات وعلاقات تضفي على حياة القرويين نكهة وطابعا من الصعب العثور عليه في مكان آخر، ولعل هذه الروابط القوية هي ما جعلت كل القاطنين في الجبل يمسكون بالأرض، خاصة أن سقوط الثلوج تزامن مع يناير وهو بداية لأشغال الفلاحة والزراعة.