يناقش الإعلامي والأستاذ الباحث السعيد تريعة اليوم الأربعاء، بمعهد الآثار -جامعة الجزائر02 - ملحقة بني مسوس، أطروحة دكتوراه تحت عنوان «الزراعة والري جنوب الأوراس في الفترة القديمة - من خلال المخلفات الأثرية -»لنيل شهادة دكتوراه علوم في الآثار القديمة. الدراسة تتناول موضوع الري والزراعة من خلال تتبع الشواهد الأثرية ضمن فضاء مكاني محدّد وإطار زماني مضبوط، وبهذا سيتمحور ما بين جبال الأوراس شمالا، وادي العرب شرقا، وادي القنطرة غربا وشط ملغيغ جنوبا، كما ترصد مختلف المعالم والبقايا الأثرية للمنطقة، مع التركيز على مخلّفات الزراعة وتقسيم الأراضي وأعمال الري القديمة، والمتضمنة المنشآت الريفية الخاصة بالري الفلاحي، أي سقي الأراضي الزراعية المنتشرة قرب الليمس الجنوبي وبعض المراكز الدفاعية. أما النطاق الزمني، فاستنادا للاستنتاجات المتعلّقة بالزراعة والري وبالمنشآت المائية والمنبثقة عن دراسات سابقة يمكن حصر الفترة الزمنية للآثار المدروسة بين قبيل الاحتلال الروماني للمنطقة والفتح الإسلامي لمنطقة الزيبان. يكتسي موضوع دراسة الآثار المتعلقة بالزراعة، الري والمنشأة المائية، أهمية بالغة نظرا لما يحتويه من عناصر هامة باعتبار أنّه يندرج ضمن بحوث دراسة المخلّفات الأثرية الريفية، لهذا تم اختيار موضوع «الزراعة والري جنوب الأوراس» من أجل تسليط الضوء على تقنيات الري وعلاقتها بالزراعة وتقسيم الأراضي من خلال دراسة الآثار والمخلفات المتعلقة بممارسة الزراعة والري بالمنطقة الممتدة جنوب الأوراس بين وادي القنطرة ووادي العرب ووادي جدي وشط ملغيغ خلال الفترات القديمة وعلاقتها بالاستقرار البشري. تكمن أهمية الموضوع بالنسبة للمنطقة في تتبع أثار الزراعة والري والمنشأة المائية، ضمن منطقة محصورة بين أراض جبلية وعرة شمالا وصحراء كبرى جنوبا، كما أنّها جزء من خط اللمس والمناطق الحدودية القائمة على الزراعة، ورغم تذبذب المناخ تعتبر المنطقة من أكبر المناطق اشتمالا على البقايا الأثرية المتعلقة بالزراعة والري. يعتبر هذا النوع من الدراسات المتعلق بالزراعة، الري والمنشأة المائية مهما، لأنّه يسلّط الضوء على جوانب اقتصادية- الزراعة بالمنطقة- خلال الفترة القديمة ويقدم معطيات يمكن الاستفادة منها اليوم في تحقيق التنمية، وما يشجّع على المضي قدما في هذا النوع من الدراسات هو ظهور مكتشفات أثرية جديدة بين الفينة والأخرى خلال أشغال توسيع المستثمرات الفلاحية، مما يدعم الباحث بمادة خامة غير مدروسة يمكن توظيفها في وقت يصعب برمجة حفريات دائمة ضمن منطقة شاسعة- إذا ما استثنينا حفرية تهودة التي ينظمها معهد الآثار-جامعة الجزائر 02- منذ جوان 2011. تعدّ الدراسات في هذا النوع من المواضيع قليلة، مما دفع الباحث إلى محاولة الإسهام ولو بالقدر اليسير في هذا المجال، وسدّ بعض الثغرات الخاصة بتاريخ المنطقة، وتقديم أبحاث أثرية يمكن أن تساهم في التنمية الاقتصادية، على اعتبار أنّ علم الآثار اليوم في الدول المتقدمة أصبح يقدّم دراسات يستفاد منها في مختلف مناحي الحياة العملية، بناء على تجارب من سبقنا وبالاعتماد على شواهد مادية بعيدا عن التنظير والأحكام المسبقة. وانطلاق السعيد تريعة من إشكالية مفادها أنّ منطقة جنوب الأوراس تعرف بكثرة الآثار والشواهد المتعلقة بالمنشآت المائية، الري والآثار الزراعية، والكثير منها عثر عليه في مناطق هي اليوم قاحلة وجرداء، تتميّز بتقلّب المناخ، وعداء الطبيعة، وإذا كانت الدراسات تؤكّد أنّ المناخ خلال الفترة القديمة مشابه للمناخ اليوم، وتبرز إشكالية تمكّن الإنسان من الاستقرار في مناطق ذات ظروف طبيعية صعبة، وممارسته لنشاط زراعي تدل الآثار والشواهد المادية أنه نوعي وكثيف، ويتساءل «ما علاقة منشأة الري القديمة بالزراعة والاستقرار البشري جنوب الأوراس؟ وما تأثير التحكم في تقنيات الري قديما على الخريطة الزراعية وتقسيم الأراضي بالمنطقة»؟. يتضمّن موضوع البحث، مقدمة ومدخلا تمهيديا للإطار الجغرافي والإطار التاريخي للمنطقة المدروسة وثلاثة محاور كبرى يتفرع كل محور إلى ثلاثة فروع. المحور الأوّل «المنشآت المائية وشبكة الري دراسة أثرية»، الثاني «الزراعة جنوب الأوراس» والثالث والأخير «تأثير الري والزراعة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية». للتذكير، السعيد تريعة أستاذ في شعبة علم الآثار بجامعة «حسيبة بن بوعلي» في الشلف، وإعلامي سبق له العمل في عدّة يوميات وطنية، عيّن رئيس النادي الإعلامي لتظاهرة» الجزائر عاصمة الثقافة العربية 2007»، وشارك في عدة ملتقيات وطنية ودولية متعلقة بالآثار والتراث، وهو أستاذ مشارك - نائب مدير حفرية - لموقع تهودة الأثري منذ عام 2011.