لا تزال العائلات العنابية تتوافد بقوة على الطاحونة القديمة لصناعة القهوة، والتي تعود إلى سنة 1954، وهي الوحيدة بالمنطقة تملكها عائلة ذات الأصول العريقة بالمدينة، حيث توراثت هذه الآلة القديمة عبر أجيال متعاقبة، ورغم مرور حقبة من الزمن، بقي للطاحونة فعالية وحضور قوي في قلوب سكان بونة، لأنها توحي بعبق المكان. إن الزائر لحي رحبة الزرع يلاحظ أن سكان عنابة لهم علاقة روحية بالقهوة التي يتم رحيها بطريقة تقليدية، بدل البحث عن تلك المعلبة ذات الماركات المعروفة، فرغم الترويج الإعلامي لها، إلا أن القهوة الشعبية المصنوعة بطريقة تقليدية هي الأكثر طلبا من طرف عشاقها ومحبيها من عنابة وما جاورها، حيث أن لرائحتها نكهة خاصة، يظهر ذلك جليا خلال زيارة مقر الطاحونة القديمة، حيث أكد لنا أحد أبناء عائلة قديري أصحاب المطحنة التي توارثت المهنة، أنهم يستقدمون البن من دولة كوديفوار، ثم تتم عملية التحميص، وهي المرحلة الأساسية التي تتكفل بها العائلة لإعدادها وتحميصها وتحضيرها للطحن، قبل ترتيبها في أكياس مصنوعة من البلاستيك لعرضها على الزبائن. وعن سر الإقبال الكبير عل القهوة المصنوعة بطريقة تقليدية، أكد لنا صاحب المحل أن لهم طريقة، خاصة في التحميص، وهو أهم عنصر يتم الاعتماد عليه خلال توفير حبوب البن الخضراء، وعندما تتحمص هذه الحبوب يتضاعف حجمها ويتغير لونها من الأصفر إلى البني الفاتح، ثم إلى اللون البني الداكن. كما توضع هذه المادة في مكان مظلم للتخلص من مصدر الحرارة، وحسب محدثنا فإن القهوة العربية الأصيلة تتطلب اختيار حبات القهوة بدقة كافية، مع الحرص على تصفيتها من كل الشوائب. وفي سياق متصل، وصل الكيلوغرام من القهوة المطحونة إلى 800 دينار، ورغم غلائها، إلا أن الطلب عليها واسع بعنابة، لتبقى العائلات تقتني القهوة، كل حسب احتياجاته وقدراته الشرائية. فصاحب المطحنة يبيع أجزاء متنوعة من القهوة، حسب الطلبات المقدمة، اقتربنا من بعض العائلات التي وجدناها في طابور طويل تنتظر دورها للظفر بكيس من القهوة المطحونة، أكدت أن القهوة العربية الأصيلة لها نكهة خاصة، تعرف من عبقها أول ما تطحن في المطحنة التقليدية، وعليه يتم اقتناؤها من طرف عائلة قديري والذين لهم خبرة في تحضير البن، الذي يحمص ويحضر بطريقة مميزة. وعن القهوة المعلبة، أجمع الكثير من سكان بونة أنها تختلف عن القهوة المطحونة في آوانها، كما أنهم أبدوا تخوفهم من ترويج أنواع مغشوشة في السوق، حتى ولو كانت تحمل علامة وماركة عالمية، كل هذا لا يغنيهم عن القهوة العربية. غيرنا وجهتنا إلى بعض المقاهي الشعبية المعروفة بالمدينة، وجدنا أن أغلبهم يقتنون كميات معتبرة من القهوة المطحونة لتعزيز طلب الزبائن، خاصة المسنين وسكان المنطقة الأصليين، الذين يترددون على المقاهي القديمة لاقتناء قهوة معبقة بماء الزهر، مما يعطي الأريحية لكل من يترشفها مع أصدقائه، الأهل والأحباب، علما أن أعراس عنابة لا تزال تتباهي بتحضير القهوة المطحونة في الآلة القديمة، إذ تقدم في صينية الحلويات التقليدية في كل الحفلات، من ختان وأعياد الميلاد، أما بالنسبة للضيوف، فتحضر هذه القهوة على الجمر وفي إناء خاص بها ويعتبر هذا تقليد جميل في عادات سكان عاصمة أبو مروان الشريف.