يستعيد الصحراويون اليوم، مع حلول الذكرى الواحدة والأربعين لميلاد الجمهورية العربية الصحراوية في السادس والعشرين فيفري سنة 1976، المحن التي خلفها الاحتلال المغربي بدء بمأساة اللجوء والحرب المفروضة عليهم والتعنت الذي يبديه رفضا لتمكينهم من حقهم في الاستقلال والحرية إلا أن ذلك لم يثنهم عن مواصلة مسيرة كفاح دخل عقده الخامس تأكيدا على إصرارهم على استعادة حريتهم المسلوبة. وحتى إن أحيا الصحراويون هذه الذكرى دون رئيسهم الرمز، الراحل محمد عبد العزيز، إلا أنهم مازالوا يتذكرون آخر خطاب ألقاه بمناسبة الذكرى الأربعين لميلاد الجمهورية الصحراوية، أكد من خلاله أن «لا مستقبل ولا وجود للصحراويين إلا في وطنهم الحر المستقل، الدولة الصحراوية السيدة على كامل ترابها الوطني». ورغم حالة الترقب التي فرضها الوضع القائم وحالة الانسداد المفروضة منذ توقيع طرفي النزاع على اتفاق وقف إطلاق النار قبل ربع قرن إلا أن ذلك لم يمنع الصحراويين في المخيمات والمدن المحتلة والشتات من التشبث بأمل تحقيق الهدف الأسمى الذي حدده ميلاد الجمهورية العربية الصحراوية وهو الاستقلال واستعادة السيادة على أرضهم. ولم تزد الممارسات المغربية من قمع ومطاردات ومحاكمات تعسفية واعتقال وتعذيب الصحراويين إلا إصرارا على بلوغ هذا الهدف بقناعة أن كفاحهم مشروع وقضيتهم عادلة وأن المغرب مجرد محتل أغوته الأطماع التوسعية ونزعة قهر الآخرين، يجب أن يرحل يوما من آخر مستعمرة في إفريقيا. ولم تتمكن سياسة الطمس التي انتهجها المغرب طيلة هذه المدة من تغيير قناعتهم، وهو الذي اعتمد سياسة استيطانية ومسخ للهوية وتهجير وقمع لكل صوت صحراوي رافض اعتقادا منه أن السنوات ستمحي القناعات، ولكنه أخطأ في حساباته، فكلما مرت سنة إلا وازداد الصحراويون تمسكا بمطلبهم المبدئي في طرده تماما كما طردت القوى الاستعمارية التي سبقته من مختلف البلدان الإفريقية. وهي قناعة ما انفكت تتكرس لدى الصحراويين في وقت تعرف فيه قضية الشعب الصحراوي مزيدا من المكاسب الدبلوماسية والقانونية دحضت جميعها زيف الادعاءات المغربية في الصحراء الغربية. وكان انضمامه إلى الاتحاد الإفريقي وجلوس ملكه محمد السادس وجها لوجه مع الرئيس الصحراوي إبراهيم غالي تحت راية الجمهورية العربية الصحراوية بمناسبة انعقاد القمة الإفريقية نهاية الشهر الماضي، أكبر انتكاسة دبلوماسية تتعرض لها الرباط، أضيفت إلى انتكاستها القانونية المتلاحقة وخاصة بعد قرار محكمة العدل الأوروبية شهرا قبل ذلك بعدم أحقية المغرب في استغلال وتسويق السلع المنتجة في الصحراء الغربية بسمة مغربية، والأكثر من ذلك اعتبار هذا الإقليم، إقليما ينتظر تقرير مصيره. وشكل مثل هذا القرار نقلة نوعية في التعامل مع قضية النزاع في الصحراء الغربية وحتم على حكومات الدول الأوروبية مراجعة علاقاتها مع الرباط تنفيذا لحكم محكمة العدل الأوروبية التي أنصفت شعبا عانى طيلة عقود من تواطؤ قوى أوروبية مع المغرب خدمة لمصالحها الإستراتيجية ودوسا على مبادئ الديمقراطية والحرية التي تدعي الدفاع عنها. كما أن صحوة الرأي العام الشعبي في كثير من بلدان العالم وخاصة تلك التي انحازت إلى جانب المغرب، شكل انتصارا آخر للقضية الصحراوية إلى الحد الذي أقلق المخزن المغربي بدليل ما يعرفه البرلمان الأوروبي والكونغرس الأمريكي من أنشطة داعمة لكفاح الشعب الصحراوي مما زاد من حدة الشكوك في صدقية الأطروحات الاستعمارية المغربية في آخر إقليم في إفريقيا ينتظر تقرير مصيره. وهو ما يفسر الحضور القوي لمئات المتعاطفين من برلمانيين ومحامين ونشطاء حقوقيين وصحفيين من بلدان القارات الخمس إلى مخيمات اللاجئين لمشاركة الصحراويين عيدهم الوطني الذي شكل على مدى أربعة عقود، محطة لدفع النضال الصحراوي على جميع الأصعدة من تحقيق الهدف النهائي وانتزاع حقوقه المشروعة في الحرية والاستقلال.