تولي الدولة أهمية كبيرة للصحة النفسية، من خلال تبنيها لمقاربة قال عنها وزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات، عبد المالك بوضياف، عند إشرافه مؤخرا بسكيكدة على اليوم الدراسي حول الصحة العقلية، بأنّها تعتمد على مبدأ أفضلية الوقاية على العلاج تماشيا وتوصيات المنظمة العالمية للصحة، التي جعلت من 2017 سنة لتغيير نظرتنا إلى هذا النوع من الأمراض النفسية التي أضحت في تزايد مستمر، بفعل العديد من العوامل الاجتماعية والمهنية وحتى النفسية، من خلال تبني إستراتيجية تعتمد بالأساس على الوقاية من خلال التكفل الأولي بالمصابين به. وحسب السيد بوضياف، فإنه بات من الضروري بمكان الاعتماد على الصحة الجوارية، بالتنسيق بين كل القطاعات المعنية من أجل تكفل أحسن بالمصابين، ويرى بأن الحكومة مصممة على تجسيد تلك المقاربة تماشيا مع توصيات المنظمة العالمية للصحة، من خلال المخطط الوطني لترقية الصحة العقلية الذي سيتم تنفيذه خلال السنة الجارية إلى غاية آفاق سنة 2020، والهدف منه هو تحسين نوعية العلاجات في مجال طب الأمراض العقلية، من خلال تكييف أجهزة التكفل مع التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها المجتمع. فالمقاربة الجديدة التي تتبناه وزارة الصحة تنطلق من أن التكفل الجواري والإقامة قصيرة المدى هي أفضل وسيلة لعلاج المصابين بالأمراض العقلية، لأنّ الإقامة الطويلة ليست الحل، علما أن المقاربة الجديدة للمخطط الوطني لترقية الصحة العقلية تنص على ترقية الصحة العقلية، عن طريق حماية حقوق الأشخاص المصابين بهذه الأمراض. مع العلم بأن الجزائر تحصي أزيد من 5 آلاف سرير موزع عبر ولايات الوطن، حسبما أشار إليه نفس المسؤول، وأنها بصدد توظيف خلال هذه السنة ل101 طبيب مختص في الأمراض العقلية من أصل 1000 طبيب مختص، سيوزعون على مستوى الهضاب العليا والجنوب، يضافون إلى 1368 أخصائيا نفسيا ينتمون للقطاع، ناهيك عن وجود 40 مركزا وسيطا لعلاج الإدمان عبر الوطن و10 مراكز أخرى قيد الإنجاز. مختصون ل«المساء": من الضروري تغيير الذهنيات البالية التي تجعل المريض عقليا مصدر خطر حسب بعض المختصين الذين تحدّثت إليهم "المساء"، فإن الاهتمام بالصحة العقلية للأشخاص سواء على الصعيد العاطفي أو النفسي أو الاجتماعي، تؤثر بشكل إيجابي للغاية على شعور الشخص وتفاعله وتأقلمه مع الحياة وأحداثها، كما أنها تمكّنه من كيفية تعامله مع الضغوطات اليومية وكيفية اتخاذ قراراته بشكل طبيعي للغاية، ويؤكّد هؤلاء بأنه بات من الضروري العمل على تغيير الذهنيات البالية التي تُرى من المرضى النفسانيين والعقليين، أشخاص يشكلون مصدر خطر على المجتمع، بالتالي من الأفضل الابتعاد عنهم، ناهيك عن تعرض بعض هذه الفئات بسبب ذلك للفهم الخاطئ لمعاملات أقل ما يقال عنها بأنّها غير إنسانية إطلاقا، كتعرضهم للضرب والاحتجاز القصري في المنازل والدهاليز وفي بعض الأماكن المعزولة. ويرى المختصون بأن المريض العقلي الذي يعاني من خلل عصبي- بيولوجي، قابل للتشخيص والعلاج على غرار الأمراض الأخرى، وأنّ عدوانية بعضهم ناجمة عن غياب التكفل الأنجع بهم، مؤكدين على ضرورة تخلي المجتمع عن تلك النظرة الاستهزائية الظالمة التي تجعل هؤلاء المرضى من الأشخاص "المخبولين". الصحة النفسية الأساس اللازم لضمان العافية ينص دستور منظمة الصحة العالمية على أنّ الصحة بمفهومها الواسع هي حالة من اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً ومن أهمّ آثار هذا التعريف، أنّ شرح الصحة النفسية يتجاوز مفهوم انعدام الاضطرابات أو حالات العجز النفسية، وحسب المنظمة العالمية للصحة، فإنّ الصحة النفسية هي عبارة عن حالة من العافية يمكن فيها للفرد تكريس قدراته الخاصة والتكيّف مع أنواع الإجهاد العادية والعمل بتفان وفعالية والإسهام في مجتمعه، وتمثّل الصحة النفسية، حسب هذا التعريف الإيجابي، الأساس اللازم لضمان العافية للفرد وتمكين المجتمع من تأدية وظائفه بشكل فعال.