جدّد رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح أمس، بروما، إلحاح الجزائر على ضرورة إرساء قواعد تعاون أوسع في مجال مكافحة الإرهاب بمنطقة البحر الأبيض المتوسط، وذلك في إطار الإستراتيجية العالمية للأمم المتحدة والآليات الإقليمية والجهوية، من منطلق أن الأمن شرط أساسي لتحقيق الاستقرار وتكريس التنمية. وشدّد بن صالح أمام القمّة الرابعة لرؤساء برلمانات الجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط، حسبما جاء في بيان لمجلس الأمة على أن الغايات التي تصبو إلى تحقيقها دول المنطقة تبقى صعبة التحقيق، ما لم يتم ضمان أجواء الثقة، وتوفير مناخ مساعد، وفي مقدمتها توطيد التعاون في المجال الأمني. وإذ لاحظ تزايد الإحساس بخطورة التهديدات الأمنية في الفضاء الأوروالمتوسطي، وما أصبح ذلك يشكل من قناعة مشتركة من شأنها الدفع بالتنسيق والتعاون الجاد بين ضفتي الفضاء المتوسطي، إلى أعلى مستوياته وصولا إلى استئصال الإرهاب، أكد بن صالح بأن تحليله هذا نابع من التجربة التي مرت بها الجزائر في مجال مكافحة الإرهاب ومحاربتها لوحدها وبقدراتها الذاتية لهذه الآفة، «بكل ما دفعته من ثمن باهظ بشريا وماديا». في سياق متصل، أبرز رئيس مجلس الأمة أهمية اللقاء الذي يجمع رؤساء البرلمانات الوطنية للجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط للمرة الرابعة، من أجل البحث في كيفية تحقيق أهداف الاتحاد من أجل المتوسط والحوار حول آفاقه المستقبلية بما يخدم تطلعات شعوب المنطقة، مثمّنا تنظيم هذه الطبعة تحت شعار «التشغيل، النمو الشامل والتنمية المستدامة في المنطقة الأورومتوسطية»، لما يشكله هذا المحور حسبه من انشغال مشترك لشعوب المنطقة. ولفت بن صالح إلى أن الظرف الحالي المتميز بتزايد التحديات وتعدد الرهانات وتكاثر تداعياتها على المنطقة المتوسطية، يفرض على دولها، مضاعفة الجهد المشترك لتحقيق تطلعات شعوبها، إلى مزيد من الأمن والسلم والاستقرار وبلوغ التنمية المتوازنة والعادلة بين ضفتي فضاء المتوسطي، مبرزا بالمناسبة نجاح الحدث السياسي الأخير الذي عرفته الجزائر بتنظيم الانتخابات التشريعية للرابع ماي الجاري، والذي يندرج حسبه في إطار تحقيق المصالح العليا للشعوب. تشريعيات الرابع ماي أكدت حقيقة الاستقرار في الجزائر وقال في هذا الخصوص إن الانتخابات البرلمانية التي أجرتها الجزائر مؤخرا «بنجاح»، وجددت بموجبها تشكيلة غرفتها البرلمانية الأولى، «جرت في ظل أجواء ديمقراطية شفافة وبحضور مراقبين دوليين، وترجمت بوضوح واقع الممارسة الديمقراطية في بلادنا، مثلما أكدت حقيقة الاستقرار السياسي والمؤسساتي والاجتماعي والاقتصادي فيها».. كما تكمن أهمية هذه الانتخابات حسب السيد بن صالح في كونها أول استحقاق انتخابي يأتي بعد التعديل الدستوري الجديد، «والذي جسد مزيدا من المكاسب الديمقراطية للجزائريين في مجال توسيع فضاء الحريات والممارسة الديمقراطية والحوكمة». وبعودته إلى موضوع الاجتماع المتوسطي، ذكر بن صالح بأن الجزائر تعتبر التنمية المستدامة، وكل ما يتصل بها من متطلبات النمو والتشغيل وتحسين الأوضاع الاجتماعية «مسائل تحتل الصدارة في نطاق ترتيب أولويات سياستها الوطنية»، مشيرا إلى تصنيف الجزائر لهذه الأولويات وفق ما يتطابق مع التزاماتها الدولية، سواء ما يتصل بأهداف الألفية للتنمية أو ما يتصل بأهداف التنمية المستدامة.. الجزائر انتهجت سياسة تنموية طموحة في هذا الإطار، ذكر بن صالح بأن الجزائر انتهجت سياسة تنموية طموحة ترجمتها في سلسلة من التدابير، واعتمادها لسياسات جريئة جسدتها في مخططاتها التنموية وتبنيها لإجراءات وتحفيزات فعّالة في العديد من مجالات التنمية، غايتها تشجيع الأنشطة الإنتاجية وتوسيع البنى التحتية. ولفت في هذا الصدد إلى أنه بالرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة الناجمة عن تراجع أسعار النفط، حافظت الجزائر على نهجها التنموي، الذي من شأنه حسبه الإسهام في إنعاش عديد القطاعات المنتجة على غرار الفلاحة والصناعة والسياحة وكذلك التنمية الاجتماعية»، مبرزا اهتمام الجزائر في نفس الإطار «بمعضلة الشغل ومكافحة البطالة التي تم خفضها إلى نسبة 9%، فضلا عن إعطائها الشباب عناية خاصة من أجل إدماجهم في الحياة العملية وتحصينهم ضد التأثير المحتمل للتيارات المتطرفة، من خلال وضعها لعدة آليات من شأنها تشجيع الاندماج المهني للشباب كالصندوق الوطني للتأمين عن البطالة والوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب». وسجل بن صالح في هذا الإطار، أن برامج التشغيل والنمو والتنمية المستدامة على غرار مجالات التعاون الأخرى، التي تعتبر أولوية ومسؤولية تتولاها الحكومة الجزائرية بالدرجة الأولى، تحتاج إلى مرافقة ودعم شركاء الجزائر في الضفة المقابلة، مشيرا إلى أن هذه الميادين تعتبر عوامل معززة للسلم والاستقرار ليس فقط لبلدان جنوب المتوسط وشرقه وإنما لكافة دول المنطقة. ومن هذا المنطلق، حيا بن صالح إدراج الجمعية البرلمانية لهذا الموضوع في جدول أعمالها، واختياره كعنوان لاجتماعها، وأضاف بأن هذا الملف يدعو دول المتوسط إلى تكثيف الحوار وصولا إلى تعميق التعاون بين ضفتي المتوسط وتنويع مجالاته، معربا عن أمله في أن يتوج اللقاء بتوصيات تكون في مستوى تطلعات شعوب المنطقة. على صعيد آخر، جدد بن صالح دعوة الجزائر إلى تكثيف الجهود من أجل إيجاد الحلول السياسية للأزمات التي تعرفها عدة بلدان متوسطية وأخرى غير بعيدة عن المنطقة، كسوريا واليمن وليبيا، حتى تتوقف الفتنة الدموية فيها، على حد تعبيره. كما وجه نداء إلى الجمعية المتوسطية من أجل «بذل مزيد من الجهد والدعم لتمكين الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه المشروعة في تأسيس دولته المستقلة عاصمتها القدس الشريف وإيقاف سياسة الاستيطان التي لا تزال إسرائيل تمارسها في الأراضي المحتلة». وخلص في هذا الإطار إلى التأكيد على أن الأوضاع الراهنة إقليميا ودوليا، لا سيما ما تشهده مختلف المناطق من توترات ونزاعات وما تترجمه من تحديات ورهانات، يفرض على جميع دول المتوسط اليوم مضاعفة التنسيق وتعميق الحوار وترسيخ مبادئ التضامن بين شعوبها في كنف الحرية والديمقراطية وفي ظل الأمن والاستقرار والتنمية المستدامة التي تنشدها بلدان المنطقة.