أبدى المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا، اللبناني غسان سلامة بعد لقاء جمعه بالعاصمة طرابلس برئيس حكومة الوفاق الليبي فايز السراج، تفاؤله بإمكانية إيجاد مخرج للأزمة المتعددة الأوجه التي يتخبط فيها هذا البلد منذ سقوط نظامه السابق شهر أكتوبر 2011. وكشف المبعوث الأممي الجديد خلال ندوة صحفية عقدها رفقة فايز السراج عن عودة بعثة الأممالمتحدة تدريجيا إلى العاصمة الليبية بعد أن تم إرغامها على مغادرتها في 2014. وأضاف أنه «يسرني أن نكون إلى جانب الشعب الليبي ونريد إبلاغكم أننا هنا مع الإخوة الليبيين، لتكون الأشهر المقبلة سنة استتبات واستقرار لليبيا المستقلة الواحدة». وشرع المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا، اللبناني غسان سلامة في أول زيارة له إلى هذا البلد منذ تكليفه بمهمة الاتصالات مع مختلف أطراف الأزمة الليبية نهاية شهر جوان الماضي، ضمن محاولة لإنهاء أعقد أزمة تعرفها ليبيا منذ ما عرف ب «ثورة 11 مارس» 2011. وأجرى سلامة أولى محادثاته بالعاصمة طرابلس مع رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج ولقاء آخر مع وزيره للخارجية محمد الطاهر سيالة قبل لقاء مع رئيس المجلس الأعلى للدولة عبد الرحمن السويحلي. وشكلت العاصمة طرابلس أول محطة في إطار هذه الزيارة قبل انتقاله إلى مدينة طبرق، حيث مقر البرلمان الليبي المنتخب أين سيلتقي برئيسه عقيلة صالح ونواب في هذه الهيئة التشريعية. وحملت عبارات وزير الثقافة اللبناني الأسبق الكثير من التفاؤل في مشهد ليبي معقد استحال معه فك خيوطه وجعل أكثر المتفائلين يعيدون حساباتهم بإمكانية إنهاء أزمة هذا البلد. وليس أدل على ذلك أن الحرب الأهلية المتواصلة في ليبيا للعام السابع على التوالي وما تبعها من تجاذبات الأطراف، استهلكت إلى حد الآن خمسة مبعوثين أمميين عجزوا كلهم عن إيجاد أرضية توافقية بين أقطاب هذه الأزمة من سلطات متعددة ومليشيات مسلحة وقبائل مواقفها متباعدة من النقيض إلى النقيض. فقد تداول على هذه المهمة الأردني عبد الإله الخطيب والبريطاني ريان مارتن والألماني مارتن كوبلر مرورا باللبناني طارق متري والإسباني برناردينو ليون، رموا جميعهم المنشفة في منتصف الطريق بعد أن اصطدموا بعقبات أزمة كلما طال أمدها كلما ازدادت تعقيدا وبعد حلها أكثر فأكثر. وحتى إن حضر سلامة جانبا من القمة «التاريخية» التي نظمها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نهاية الشهر الماضي بالعاصمة باريس بين قطبي المعادلة الليبية، رئيس الحكومة فايز السراج وقائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر، فإن سؤالا محوريا يبقى مطروحا حول قدرة وزير الثقافة اللبناني الأسبق في فك خيوط المعضلة الليبية؟ وهو سؤال يطرح حتى بعد قبول السراج وحفتر بحضور الرئيس الفرنسي لخطة عملية لإنهاء الخلافات بينهما والوصول إلى تنظيم انتخابات عامة ورئاسية ربيع العام القادم. وهو الأمل الذي يراود عامة الليبيين الذين اكتووا من حرب أهلية أتت على الأخضر واليابس رغم علمهم أنه رهان يصعب تحقيقه ليس لأنه مستحيل ولكن بسبب التجاذبات الدولية والإقليمية التي ألقت بتأثيرها السلبي على مواقف الأطراف الليبية التي وجدت نفسها في دوامة مصالح هذه القوى التي تسعى للاحتفاظ بمكان تحت شمس «الكعكة الليبية» حفاظا على مصالحها الجيو إستراتيجية في دولة تتوسط حوض المتوسط والعالم وبوابة إفريقيا وتكتنز كل الخيرات الطبيعية. وذلك ما يفسر تذمر الحكومة الإيطالية من تحرك فرنسا في نطاق جغرافي تعتقد إيطاليا أنه مجالها الطبيعي سواء بحكم قربها من ليبيا أو بسبب العلاقات التاريخية بينهما ودخول روسيا على خط هذه التجاذبات رغبة منها في عدم السقوط في فخ خطئها الاستراتيجي بإعطائها سنة 2011 الضوء الأخضر للقوى الكبرى للإطاحة بنظام العقيد القذافي رغم مصالحها الضخمة في هذا البلد. ولم يشأ الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب البقاء بعيدا عن أجواء هذا التطاحن الدبلوماسي عندما أثار مساء أول أمس، مع الرئيس الفرنسي الأوضاع في ليبيا ضمن رسالة مقصودة باتجاه باريس أن لا ترتيبات في هذا البلد لا تراعي المصالح الأمريكية فيه. وكلها عوامل لا تصب في مصلحة الشعب الليبي ولا تساعد أطرافه في إحداث توافق بينها من أجل تغليب تلك المصلحة وخاصة استعادة الأمن المفقود وتطهير البلاد من تلك المليشيات التي فرضت منطقها على السكان بقوة النار والتنظيمات الإرهابية التي زرعت الرعب في أوساط الليبيين. وهو الحقل الملغم الذي سيتحرك فيه المبعوث الأممي الجديد وعليه أن يعرف أين يضع قدميه بكيفية لا يغضب فيها أي طرف وأن يضع مصلحة ليبيا بمثابة نقطة الخروج من هذا الحقل ضمن مهمة يأمل الشعب الليبي أن تكلل بالنجاح وفي أقرب الآجال.