تحدّوا الإعاقة وصنعوا الأمل ورسموا على الوجوه الابتسامة تارة والذهول تارات أخرى، نثروا أجواء الربيع في فضاء المسرح الوطني الجزائري "محي الدين بشطارزي" في عزّ الخريف، وأكّدوا أحقيتهم بالحياة وتمسّكهم بالحلم واستمدّوا من ثقتهم بأنفسهم إبداعا من نوع خاص.. إبداع طافوا به أنحاء العالم وافتكوا بجدارة التقدير والاحترام.. هم أعضاء الفرقة الفنية الصينية لذوي الاحتياجات الخاصة، الذين تغنّوا بالحياة بكلّ تجلياتها، ناسجين خيوط الحب والحلم في "حلمي". الفرقة الفنية لذوي الاحتياجات الخاصة لجمهورية الصين الشعبية، قدّمت سهرتي الأربعاء والجمعة، عرضا أقلّ ما يقال عنه أنّه "رائع ومذهل"، إذ حملوا رسالة جمال وإنسانية تقاسموها مع الجزائريين وضيوفهم من مختلف الجنسيات، فعلى نقرات الطبول ونغمات الآلات الموسيقية الصينية التقليدية التي زاحمت الكمان الغليظ وترافقت مع الباي والبيانو، بدأ "حلمي" وسافر إلى عوالم من الألق والتميّز. من "ليل عميق" إلى "حج نحو الغرب"، "لحن السعادة" و"صيف بالعربي"، وصولا إلى "حظّ سعيد" و"رقصة الطاووس"، وكذا "الأرض الصفراء"، أمتع الصينيون في تجسيد حلم ذوي الاحتياجات الخاصة بالموسيقى، الرقص والغناء، فكانت أجواء "محي الدين بشطارزي" معبّقة بنفحات من حضارة "تشين شي هوانغ"، "هان" و"سوي"، وأسرتي مينغ وشينغ ومترجمة لأحلام الكثيرين. من سور الصين العظيم، ساحة تيانانمن، القصر الصيفي، المعبد السماوي والقبور الثلاثة عشر لأسرة مينغ، ارتفعت الألحان وتداخلات التعابير الجسدية، لتؤكّد أنّ أصحاب الاحتياجات الخاصة لا يقلّون إبداعا عن الأصحاء، بل في أحيان كثيرة أهم أكثر موهبة وتحديا، فكانت الأغاني والرقصات دليلا لا يمكن تجاهله على التميّز والتمسّك بالحياة وبالحلم. الحب، الفراق واللقاء، الكثير من الحلم والتفاؤل، الفراشات، ومجموع الأحاسيس النبيلة والصادقة عن طريق لغة الإشارات، فتزاوجت أجمل تزاوج لتمنح الساهرين فسحات وجدانية ولحظات ممتعة مليئة بالحركة والألوان المستمدة من عمق الحضارة الصينية، حيث الزمن السحيق المغرق في القدم الموغل في البعد إلى عصور، كانت تختلط فيها الحقائق بالأساطير والأحداث بالمعجزات ويتماهى فيها الملوك مع الآلهة ويقترب فيها التاريخ من نقطة الصفر. الفرقة الفنية تأسّست سنة 1987 وتضم فنانين معوقين سمعيا، بصريا وحركيا. ومن بين العروض الشيّقة التي تجاوب معها الجمهور، نغمة فنية أداها شاب كفيف باللغة العربية بعنوان "علي صوتك" للفنان المصري محمد منير، متبوعة بأداء شابة على كرسي متحرك لنوبة "أنا عندي خليل" وانقلاب "زيدان"، فإذا كانت الأزمة تلد الهمة، فإنّ الإعاقة في الصين تصنع إبداعا من نوع خاص. "حلمي" قدّم بمناسبة الاحتفالات بخمسينية إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والصين، وحضر عرضه الأوّل وزيرة الثقافة خليدة تومي وسفير جمهورية الصين الشعبية بالجزائر، السيد ليو يوهي. وأكّدت وزيرة الثقافة في تصريح صحفي، أنّ العلاقات الجزائرية الصينية "علاقات استثنائية" وأنّ الروابط التاريخية الموجودة بين البلدين تتطلّب دعما متزايدا بالموازاة مع العلاقات الثقافية الممتازة بينهما. وأوضح السفير الصيني من جهته، أنّ هذا الحفل يؤكّد الأهمية التي يوليها البلدان للتبادل الثقافي، الذي يسمح بتقارب الشعوب أكثر فأكثر، وجاء أيضا أياما فقط بعد احتضان بكين للأيام الثقافية الجزائرية.