تبحث الروائية والشاعرة الدكتورة ربيعة جلطي، في الإضافات الشعرية بلغة وترتيب جديدة تنطوي في تصوراتها على مد البعد الجمالي في التكثيف اللغوي، واعتماد التنوع بأكثر وعي وثقافة. قالت في شأنها على هامش «خريف الأدب النسوي» الذي رفع شعار «إحساس المرأة أرقى تعبير»، ونظمته جمعية «روابي» الثقافية لولاية، أنها ستعمل على مواصلة الدرب لتحفيز جيل على القراءة. بحضور مبدعي باتنة، استحضرت الروائية جلطي نماذج لروائع الأدب النسوي في العالم العربي، وأبرزت خصوصيات الثقافة الجزائرية بمعناها الحقيقي والمستهدفة، حسبها، في غياب دورها الحقيقي. وهو رعاية المبدعين وإبداعهم، الذي يمثل الذاكرة الحقيقية للشعب الجزائري. وأضافت أنها تطمح إلى غرس ثقافة المطالعة والإبداع في نفوس الناشئة، وتعمل المبدعة التي ترجمت تجربتها الأدبية في الكتابة التي تجاوزت كل العقبات على شد انتباه الرأي العام، دون الوقوع في التبشيرات الإيديولوجية أو الجوقة السياسية، وناقشت في كتباتها الصعوبات التي تعيق المرأة العربية وتحول دون إدراج قلمها ضمن قائمة الأدباء. خصصت اللغة البسيطة في مجموعة لوحات، ولو بفارق زمني عن الواقع الذي تعيشه الآن، والتي تضفي على مجمل رواياتها وقصائدها الشعرية طابع الأزلية، مقاما محمودا وسط الأحزان التي يدور في فلكها خيالها، والتي أجادت توظيف الألفاظ في شعرها لتعبر عن الواقع المر بصورة يتذوقها القارئ، واستطردت في القول «بأن الكتابة المتوازنة هي جزء من أفكاري تنطلق من القراءة، الموسيقى لخلق التصور، شأنها شأن الفن التشكيلي في بهجة الألوان». وأضافت أن الكتابة ليست فقط قلما وورقا، تروي أشياء في ممرات سرية تجعل من الرواية في الكلمات المختارة والصورة التي يحدث بها التناقض، لتثبت عمق التجربة والمعاناة في آن واحد، وهو ما ينعكس في لغته في الكثير من التقلبات الموحية بالتناقض الفني الجميل. استغلت جلطي، الحضور المكثف للطلبة الذين توافدوا على القاعة بأعداد هائلة، لتوجه نصيحة للشباب المبدعين «أنا لا أجد ما أنصحكم به سوى القراءة، فالصدق والوفاء إلى الموهبة هو السبيل الوحيد لتجد لها مكانا»، وأضافت أن من واجباتنا إغراء هذا الجيل الذهبي من المبدعين والمبدعات بالقراءة بشكل عام، وهي التي تكاد حسبها عبادة وقوة إضافية للعيش والتعايش مع الآخرين لفهم الوجود. في قاموس الروائية جلطي، لا توجد مساحات للتمييز العنصري، ولا في التذكير والتأنيث، من منطلق أن التصنيف لا يمكن أن يتعدى الألوان الأدبية التي تشكل مساحات للجنسين من أجل الإبداع والتفوق. وأضافت أن الأدب ليس عرض حال، إنما الدخول إلى عمق الحالة وتحليلها، لأن الشخوص ليست بشرية، بل تعطي للقارئ لوحات معبرة وليست بالضرورة موجهة في إشارة منها لرواياتها «سيرة شغف» و»نادي الصنوبر» التي تضمنت فلسفتها في «نادي الصنوبر»، التناظر بين الجنوب والشمال وبطلتها امرأة ترقية اسمها عذراء من التوارق. أشارت جلطي ل»المساء»، إلى أن «الإعلام يتجاهل المبدعين الحقيقيين، ويسلط الضوء على المساخر والمهازل التي تجتاح الفنون الجزائرية، وهو ما يراه يأتي في إطار كامل منظم لاستهداف الثقافة الجزائرية وهدمها من أساسها، وعن أعمالها قالت السيدة جلطي «أنا لست من العينة التي تعتبر الشعر ذنبا جميلا، وليس بإمكاني تلطيف روايات بأبيات شعرية، وهي في مجملها مجموعة محاولات، موضحة أنها تسبح في ملحمة الأحزان الدافئة، وتناولت المرأة في إبداعاتها الشعرية التي اعتبرتها موضوعا في حد ذاتها، وموضوعا يختزل مجموعة من المواضيع، كونها هي الحبيبة والوطن، وهي مواضيع مأخوذة من المجتمع من محاكاة المبدعة للمجتمع وتستنبطها وتتخمر الفكرة لديها وتخرج في نصوص شعرية، حتى في روايات. وحسبها فإن الشاعر يتقاطع مع أحاسيس الآخرين، إما عن تجربة شخصية وقعت له قد تكون مكررة عند شخص آخر، أو عن إرهاصات أو حدس، وتكون قد وقعت لأشخاص آخرين. وعن حال المثقفين، قالت جلطي بأن غياب الثقافة وتهميش القيم الفكرية دمر الكثير من الملامح التي تندرج في سياق تشجيع الإبداع لدى الشباب، وحسبها، فإن الحس الجمعي المرهف، الذي يتمتع به الشاعر المبدع والروائي والأديب، من شأنه ملامسة كل أطياف المجتمع، والمبدع بكل بساطة تتخمر الأفكار بداخله ليفتح مساحات الإبداع بألوانه. أفادت محدثتنا أن العمل الثقافي ككل نضال مستمر ومسؤوليات جسام، واستطردت في القول «لمست من مبدعي الأوراس الكبير الذين يتميزون بمستوى راق، إلا أن هناك فجوة في التواصل بين المبدعين والناشئة واقترحت بالمناسبة، تنويع المبادرات الثقافية على مستوى المؤسسات التعليمية في طوريها المتوسط والثانوي، لدعم فرص الاحتكاك والاستفادة من الخبرات وترجمة النصوص الجزائرية، سواء المكتوبة بالعربية أم الفرنسية للغة الأمازيغية، وسأكون فخورة جدا كلما أتيحت لي ترجمة أعمالي من العربية للأمازيغية، بعد التجربة التي خضتها في بعض أشعاري». وفي نهاية الحديث، دعت المبدعة ربيعة جلطي الشباب المبدع إلى الصدق والوفاء والإخلاص للوطن، فالصدق والوفاء إلى الموهبة هو السبيل الوحيد حسبه مستسلمة للحالة الشعرية التي تراها محدثنا سجية ولحظة ثوران، لا يملك لها حد بعين مبدع، وقد تكون الرموز المستعملة في أكثر من قصيدة أكبر دليل على ذلك لبلوغ الأهداف المرجوة في عالم الإبداع. ❊ع. بزاعي