''التحديات معروفة وطاقاتنا ورجالنا مجندون.. فلنكن أهلا لثقة رؤسائنا وتطلعات مواطنينا..'' هي بعض الكلمات التي وجهها الشهيد علي تونسي إلى إطاراته وأعوانه في رسالته المعروفة حول منهجية وطريقة عمل جهاز الشرطة الذي دخله في ال20 مارس 1995، أين عين العقيد ''علي تونسي'' الملقب ب''الغوثي'' على رأس المديرية العامة للأمن الوطني من طرف الرئيس اليمين زروال.العقيد على تونسي مجاهد كان ضمن جهاز ''المالغ'' التابع للحكومة المؤقتة خلال ثورة التحرير، التحق بعد الاستقلال بجهاز المخابرات وكان من بين الإطارات الذين وضعوا الأسس الأولى لجهاز الإستخبارات العسكرية الجزائري بعد الاستقلال.وشغل الفقيد مناصب سامية في الجهاز خلال عهد الرئيس الراحل هواري بومدين إلى أن أحيل على التقاعد نهاية الثمانينيات برتبة عقيد، أنهاها برئاسة الاتحادية الجزائرية للتنس، وهي الرياضة التي كان يعشقها، قبل أن يلقى على عاتقه تسيير أحد أكبر الأجهزة الأمنية في البلاد التي كانت في حالة يرثى لها.في بداية سنوات الأزمة الأمنية في التسعينيات، عينه رئيس الجمهورية آنذاك اليمين زروال على رأس المديرية العامة للأمن الوطني وبالضبط في سنة 1995، وكانت أولى المهام التي كان على جهاز الشرطة القيام بها مكافحة الإرهاب وإعادة التنظيم والعصرنة. وتمكن ''سي الغوثي'' في ظرف سنوات قليلة، من جعل جهاز الشرطة أحد أقوى الأجهزة الأمنية في الجزائر، إلى جانب الدرك والجيش، وأصبح لها دورا أساسيا في مكافحة الجريمة والإرهاب بشكل خاص.العقيد السابق في المخابرات علي تونسي تقلد منصب المدير العام للأمن الوطني في فترة جد صعبة وقام بعدة عمليات لتطوير وعصرنه الشرطة ترجمت من خلال الاحترافية والتفتح على العالم التقني والعلمي والتقارب بين الشرطة والمواطنين، وتجسدت هذه الأعمال في المبادىء المعروفة داخل جهاز الشرطة وهي التكوين، التنظيم، التفتيشات، والجزاءات الإيجابية والسلبية. وكانت التصريحات الأخيرة للعقيد علي تونسي تتعلق أساسا بمخططه للتغطية الأمنية الذي شرع في تطبيقه منذ سنة 2006، والذي كان يهدف إلى ضمان تغطية شاملة لكافة أنحاء الوطن بمراكز وأعوان الشرطة والذي بلغ نسبا جد متقدمة فاقت ال80 بالمائة، حيث كان العقيد يأمل في أن يحقق رقم ال160 ألف شرطي من خلال فتح المناصب وتدعيم صفوف الشرطة بالكفاءات العلمية الشابة في مختلف التخصصات. محمد بوسري كلمات قالها الشهيد تونسي ''إن رجالنا يتعلمون اليوم، أكثر وأكثر، احترام حقوق المواطن وفي جميع الظروف، خصوصا وأننا شيدنا عملنا على مبدأ الشرطة الجوارية، التي تجند المشاركة الفعالة والمناجعة للمجتمع المدني في مكافحة كل أشكال الإجرام. إن الثورة الحقيقية التي أحدثت في صفوفنا، أثارت إعجابا لدى سلطات الدولة والمواطنين الذين نضطلع إلى تأسيس نظامنا الأمني عليهم. وهكذا، هذه الشرطة الجوارية التي انطلقنا فيها منذ سنة 1998، قد أعطت ثمارها بفضل تحسن صورة شرطتنا من خلال نشاط رجالنا في الميدان. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه السياسة الجوارية تم تسييرها بالتوظيف الجماعي وترقية المرأة الشرطية في مناصب مسؤولة في مختلف هياكل الشرطة على مستوى التراب الوطني. من جهة أخرى، فإن إحدى الاهتمامات الكبرى للمديرية العامة للأمن الوطني في إطار مراعاة العنصر البشري، هي تلك المتمثلة في مجموعة إجراءات تسعى إلى رفع معنويات رجالها.هذه الإجراءات التي تهدف إلى تحسين ظروف العمل والمعيشة وحماية عائلة الشرطي، أدت بالقيادة العليا إلى استحداث وإنشاء مصالح مختصة، ونذكر منها: مصلحة الصحة لأفراد الشرطة وعائلاتهم، المصالح الاجتماعية، المصالح الرياضية في الشرطة للأعوان وعائلاتهم. من أجل ذلك جندت طاقات ووسائل معتبرة حتى يكون رجل الشرطة مطمئن البال، مؤمّنا على مستقبله ومستقبل عائلته. أمام النجاحات المتعددة لرجالنا ونسائنا في الميدان، فإن المواطنين وهم يقيمون إياها، يطالبون الشرطة بمجهودات أكثر من أجل أمنهم وراحتهم. التحديات معروفة وطاقاتنا ورجالنا مجندون.. فلنكن أهلا لثقة رؤسائنا وتطلعات مواطنينا. لهذه الأسباب ترأس العقيد تونسي جهاز الشرطة 15 سنة في كل مرة كان يجري فيها تداول الحديث عن قرب رحيل الشهيد، العقيد علي تونسي، من على رأس مؤسسة الشرطة الجزائرية، لسبب من الأسباب، كان الحديث ينصب عن طول بقاء العقيد تونسي على جهاز الشرطة، حيث أنه استمر في منصبه لمدة تقارب ال15 سنة، بالنظر إلى أنه جرى تعيينه في مارس 1995، خلفا للمدير العام السابق محمد واضح. وكان أصحاب تلك الأحاديث عن سبب طول تعمير العقيد الشهيد في منصبه يعتمدون على مبدأ التداول على تولي المسؤوليات والتعاقب في المناصب، غير أن العقيد الراحل وما تميز به من خصال في العمل وحتى في جانبه الإنساني، جعله يكاد يكون الاستثناء في مؤسسات الدولة، لأسباب بسيطة وواضحة، تلخصت في توفره على صفات لا توجد في غيره، وعليه فإن البحث عن خليفة له أو إيجاد من بمقدوره خلافته على رأس جهاز الشرطة بنفس الأداء والمردود المرجو، كان يكاد بمثابة ضربا من المستحيل، وهو ما كان، ربما، وراء قيام وزير الداخلية نور الدين يزيد زرهوني برفض استقالة الفقيد تونسي في كثير من المرات. فالعقيد الراحل الذي قبل تولي مسؤولية قيادة جهاز الأمن الوطني في الجزائر في ظرف حساس وعصيب من عام 95، بمثابة الرجل المناسب في المكان المناسب، بخلاف كل من سبقوه في المنصب، حيث أنه في الوقت الذي قضى العقيد الشهيد 15 سنة على رأس المديرية العامة للأمن الوطني، لم يعمر سابقه العميد الأول للشرطة محمد واضح على رأس الجهاز لأكثر من سنة، وكذلك الأمر بالنسبة للسيد محمد طولبة الذي تولى نفس المسؤولية لمدة لم تتجاوز 3 سنوات، أي ما بين عامي 1991 و1994، فيما كان مسار المدير العام الأسبق، العقيد المتقاعد بشير لحرش هو الآخر قصيرا وموجزا، حيث لم يبق على رأس جهاز الشرطة سوى سنة واحدة، بعدما خلف سابقه السيد عبد المجيد بوزبيد. عندما جرى تعيين الشهيد العقيد علي تونسي، الملقب ب''الغوتي''، في 20 مارس 95، على رأس المديرية العامة للأمن الوطني، كانت الجزائر في ذات الوقت تعيش أحلك أيامها، بحكم أن آلة الإرهاب والهمجية كانت في أوج قوتها. حينذاك كانت فترة تكوين أعوان الشرطة لا تتجاوز 45 يوما، وهو ما كان يؤثر بشكل سلبي على أدائهم في مكافحة الإرهاب، لكن وبعد انتهاج أسلوب علمي ومبرمج، في التكوين، وتحسين الأداء وظروف العمل، بتولي العقيد الراحل لمهامه، بدأت ثمار تلك السياسة والإصلاحات بالظهور شيئا فشيئا، قبل أن تتسارع الوتيرة بحلول عام 2000، أين كان العزم واضحا من قيادة جهاز الشرطة لتحويل هذه الأخيرة إلى جهاز هدفه الأول والأخير هو خدمة المواطن والسهر على راحته، قبل كل شيء. وبعد عمل دؤوب اعتمد على الاحترافية والتفتح على العالم التقني والعلمي والتقارب بين الشرطة والمواطنين، تجسدت شعارات ''حسن المعاملة من حسن التعلم''، ''المواطن هو أساس الأمن.. الشرطة ما هي إلا الأداة''. إسماعيل. ف العقيد تونسي.. النقابي الأول والوحيد في جهاز الشرطة بالرغم من أن العقيد علي تونسي كان معارضا لفكرة إنشاء نقابة في سلك الأمن الوطني، إلا أن هذا الأخير كان نقابيا بامتياز، استطاع افتكاك العديد من الحقوق والإمتيازات لموظفي سلك الأمن، حيث قام بتوفير سكنات بصيغ تساهمية للموظفين، واعتمد مخططا ناجحا لتوظيف أكثر من 15 ألف شرطي سنويا في مختلف الأسلاك. وكان من بين ما حققه العقيد التونسي الذي كان يفضل أن يطلق على نفسه لقب ''النقابي الأول والوحيد'' في سلك الشرطة، لفائدة أعوان الأمن الوطني، استفادة جهاز الأمن من برنامج معتبر للسكنات آفاق 2010، حيث أعطى الرجل تعليمات صارمة؛ تفيد بضرورة تسليم السكنات للشرطة الذين وصلت ملفاتهم إلى مديرية الموارد البشرية واستوفت الشروط القانونية، دون إغفال الإتفاقيات التي تم إبرامها مع المرقيين العقاريين في هذا الإطار، وكان من المرتقب أن يعلن تونسي خلال الأيام المقبلة عن البرنامج الجديد للسكن، موضحا أن معالم المشاريع الجديدة للسكن الذي يبقى يحافظ على صيغته المتمثلة في سكنات تساهمية، ستحدد بعد تحديد الميزانية الخاصة بها، والتي تفرج عنها المديرية العامة للأمن الوطني بعد دراسة مقترحات هيئته. وتمكن النقابي الفذ علي تونسي؛ من رفع تعداد عناصر الشرطة إلى 200 ألف عنصر مع نهاية سنة 2010 ، لتقترب من المعدل الدولي في التغطية، وفتح مقر حضري للأمن في كل دائرة، ولأجل ذلك، اعتمد مخططا ناجحا لتوظيف أكثر من 15 ألف شرطي سنويا من مختلف الأسلاك والتخصصات، واستحدث لأول مرة مصلحة لمحاربة الإجرام الإلكتروني، ووحدة محمولة جوا للأمن الوطني، وفتح الباب لتوظيف 10 آلاف امرأة في الجهاز، وبما أن مشوار الرجل كان نظيفا وحافلا، قام بإطلاق عملية واسعة لتطهير جهاز الشرطة من العناصر غير المنضبطة، مرجعا حالات الفصل التي طالت المئات من الإطارات، بسبب التقصير والإهمال وتجاوز الصلاحيات واستغلال النفوذ. وبالرغم من أن العقيد التونسي كان يرفض إنشاء نقابة للشرطة، إلا أنه كان يعمل من أجل الرقي بالأمن الوطني وتحسين التعامل بين أفراده والمواطنين، من خلال توجيه تعليمات صارمة إلى مختلف المديريات والفروع ومدارس التكوين، من أجل التكفل الحسن بالطلبة الذين وصفهم بإطارات المستقبل، و تشير تعليمة أخرى وجهت إلى المديريات الجهوية والولائية للأمن الوطني، ترمي إلى ضرورة تحديد العلاقة بين المحامي ورجال الأمن، وتحديد مسافات التعامل مع هذه الفئة في مختلف القضايا، كما قرر إعادة السلاح للأعوان المدنيين العاملين في مختلف مصالح أسلاك الشرطة، بسبب المخاطر التي تعترضهم أثناء تأذية مهامهم واستهدافهم من قبل العناصر الإجرامية. آمال لكال تونسي رجل الإصلاحات كان يعتمد على الكفاءات الشابّة لتطوير جهاز الشرطة استفاد معظم الإطارات الفاعلة في سلك الشرطة، خلال عهدة الفقيد العقيد علي تونسي من الترقيات المهنية، إذ لم تخلو أغلب الإحتفالات باليوم الوطني للشرطة الجزائرية من ترقيات وتكريمات، عرفانا للقائمين على هذا القطاع بالمجهودات التي بذلوها، لتحسين مستوى جهاز الشرطة الجزائرية. قلد الراحل العقيد علي تونسي خلال عهدته التي قضاها على رأس جهاز الشرطة، عشرات الإطارات من رتبة عميد إلى عميد أول، إذ لم يستثن في ذلك العنصر النسوي، الذي أخذ حظوظه كاملة في نسبة الترقيات، حيث تم ترقية 12 عميدا خلال الإحتفال بعيد الشرطة الفارط 22 جويلية 2009 بينهم امرأتان. وتم ترقية أربع إطارات نسوة في جهاز الشرطة، من طرف الفقيد وذلك في مختلف المصالح، خلال عيد المرأة الذي تم الإحتفال به على مستوى المدرسة العليا للشرطة بشاطوناف، كما كان قد وعد الراحل بإحداث تحسينات أخرى في سلك الشرطة، من خلال تحديد بعض الشروط التي يتم اعتمادها في الترقيات المقبلة. في السياق ذاته؛ أحدث المرحوم علي تونسي عدة تغييرات في جهازه خلال 15 سنة، التي كان فيها على رأس جهاز الشرطة، أحال خلالها عدة إطارات على التحقيق، بسبب قضايا الفساد التي تم إثارتها، على غرار قضية سرقة السلاح من المركز الرئيسي للأمن الولائي بالعاصمة، إلى جانب قضية التزوير في كشوفات النقاط لامتحان الترقية، التي عصفت بالرجل الأول داخل المدرسة. وأمر علي تونسي أيضا بتجميد مهام العميد كمال بالجيلالي، رئيس خلية الإستعلامات التابعة للمديرية العامة للأمن الوطني، فيما عين مكانه العميد دراجي، لينوبه على رأس خلية الإستعلامات، كما تعهد أيضا بتطوير الجهاز والسير به نحو المقاييس العالمية، من ناحية التكوين والعتاد إلى جانب العدد. موسى بونيرة